العدد 77 - الخميس 21 نوفمبر 2002م الموافق 16 رمضان 1423هـ

روبن هود الأمازون

البرازيل -أماندا هوبكسون 

21 نوفمبر 2002

البرازيل دولة مساحتها شاسعة، ولتأكيد هذه المعلومة يعتمد الأمر على المصدر الذي سنستخدمه لمعرفة ما إذا كانت مساحتها تساوي تقريبا مساحة اوروبا ثلاث مرات، أو كيف أن عدد سكانها يقترب من حجم عدد سكان الولايات المتحدة، حوالي 170 مليون نسمة، وكيف هي اكبر بكثير من اي دولة أخرى في اميركا اللاتينية. الغالبية العظمى من سكانها وصلوا حديثا الى هذه الارض فأذابوا السكان السود وحفنة من البرتغاليين الاوائل/ الاسلاف المحليين للاستيطان القديم. وكون هؤلاء اسلافا لا يعني انهم من الطبقة الارستقراطية العليا. فالطبقة البرازيلية الارستقراطية العليا تتشكل من اصحاب الثروة والاعمال ولا توجد في المناطق القليلة الكثافة السكانية فحسب بل ايضا في احياء الفقراء المكتظة بالسكان المختلطة بعضها بعضا. فلا يمكن ان نهمل هنا تجار الامازون المهاجرين أو السماسرة غير الشرعيين في المدن الكبيرة الساحلية مثل ساوباولو، ريو، سالفادور أو فورتاليزا.

هذه هي التضاريس المدنية التي ألفت فيها باتريسيا ميلو رواياتها. فعلى رغم انها شابة، ولكنها كاتبة روايات تمثيلية وسيناريوهات اذاعية وتلفزيونية معطاءة.

في روايتها الثالثة التي تحمل الكثير من صفات الروايتين الأوليتين، نجد كاتبا تلفزيونيا يهتم بالحوار السريع وإن كان احيانا حوارا رديئا، يعنى بسرعة خلق الشخصيات الروائية عبر العادات الشخصية (طريقة الافراد في ترقيم الجمل الكلامية، من الضحك بنبرات خشنة «هه - هه - هه» لأحدهم الى ترديد صوت مفرقع «بوب» من العلكة الفقاعية لشخص آخر)، ادخال بطلات روايات قويات وإن كنَّ احيانا مخفقات، وابطال شاذين ذوي اختلال وظيفي، ومؤامرة فظيعة فيها جثة تجدر ان تعتبر مأساة اليزابيث.

وفي روايتها «القاتل وثناء الكذب» تبطئ المؤلفة ميلو الخطى في شوارع ساوباولو الدنيئة حيث تشير الى عالم من الرذيلة والجريمة وفي المقابل نجد المدينة الجامعية الحديثة بمعاملها ذات التكنولوجيا العالية. اسلوب الكاتبة هو اسلوب مؤلف الفيلم التلفزيوني، فهي تنظر لمادتها شزرا عبر عدساتها ولكن بإحساس رقيق: ترانتينو يلتقي بينجتي.

روايتها الاخيرة المسماة، «انفيرنو» في جوهرها، سيرة لحياة كينجي، الطفل الفقير، الذي تكونت حياته وتحطمت بفعل المخدرات. فنهضته وسقوطه يعتبران معا اكبر من كونهما حياة نوعية اسطورية ونبوءة يومية. الآثار الوحشية للفاقة ظاهرة: في دولة 9 في المائة فقط من سكانها يعتبرون اغنياء يمكنهم دفع الضرائب، بينما جزء فقط من هؤلاء بالفعل هم الذين يدفعون ضرائب، قليل من السكان مستفيد من الاقتصاد الرسمي. في الاحياء الفقيرة، نجد الأمن، الخدمات الاجتماعية، حتى الخدمات الطبية والكتب المدرسية توفر بواسطة اصحاب الاعمال المحليين. والتضامن هنا مؤثر: القارئ يصدق كلية، حكاية ان الشرطة تشن غارة على مصنع المخدرات ذي «الباب الازرق». التاجر المحلي يوفر صبغة زرقاء مجانا للجيران، ورجال الشرطة يلقون حتفهم اثناء تحركهم من باب ازرق الى آخر. القابل للتصديق بصورة متساوية ايضا قائمة الاسلحة المستحوذة في مثل هذه الغارات، مأخوذة من تقرير اخباري: مستودع للأسلحة تشمل اسلحة رشاشة ثقيلة وقاذفات صواريخ مزودة بواسطة «اسرائيل»، جنوب شرق آسيا، واوروبا للابقاء على حركة تجارة المخدرات، ولاستعمالها ضد ضباط الشرطة الشباب المسلحين بالمسدسات.

الشخصية غير المتوقعة بصور اكثر هي شخصية ريدر الذي كانت حياته الى وقت شلله بواسطة العنف، كلها عن «الكتب والجنس». في بلد تكون الوفاة على الشاشة لنجم صابون تلفزيوني سببا لاغلاق محلات العمل «لأجل المأتم»، الكتب باهظة الثمن ونادرة، هناك القليل من دور النشر ومكتبة واحدة لكل نصف مليون من الاشخاص. انه ريدر الذي حث كينجي على ايجاد بعد آخر لعالمه المضطرب الذي فيه الاعراف الاخلاقية معقدة بينما الصراع على الولاءات يوجد خيارات متناقضة. شخصيتا كينجي ومحبوبته مارتا، كما هو متوقع، اقرب اليهما شبها، الشخصيتان الاسطوريتان ليمبياو شبيه «روبن» ومحبوبته ماريا بونيتا. فحكاية لمبياو الذي جاب البلاد لاكثر من قرن في فولتز - تحكي لنا ببساطة مغامرات تحوي شعرا ملحميا جليا عن حياة بطل قومي. بالنسبة الى سكان بيرمبو، يعتبر كينجي بطلا وعدوا بالتناوب، ولكنه اذا ما عرف قدر نفسه فإنه يتطلع الى ابعد من ذلك. هذه رواية في الحقيقة تنتزع الانسان من احشائه ومن ثم تدعه مضطرب الفكر.

التحول من عالم الخيال المدني الى مناطق الامازون الامامية يعتبر تحولا الى عالم آخر كليا. انه تحول الى الداخل ولكنه ايضا - من حيث الثقافة الوطنية - تحول حسن إلى التخوم. في رواية ميلتون حاتوم: الاخوان، عالم للرذيلة والجريمة في احياء الفقراء السود في ريو وقد استبدل بمجتمع مكون من «السوريين» - اشتهروا عامة وخطأ على حد سواء «بالاتراك» - وفي الواقع انهم تجار لبنانيون. حليم وزانة لهما توأم يسميان يعقوب وعمر. مسلمان بالاسم ومع ذلك فهما تعلما بواسطة اخوان ساليسيان، ونشآ يشربان الخمر ويقسمان كالمسيحيين، جذورهما تغيرت الى الانجيل. فيما يتعلق بعمر ويعقوب فقد اصبحا كين وابل وجاكوب وايساو. ذات مرة يعقوب قبلته بنت في السينما، فقام عمر وجرحه في وجهه بزجاج مهشم، ومن ثم اعيد يعقوب ليعيش سنوات الحرب العالمية الثانية في لبنان. القصة تتحول بعودته، الى حكاية هلاك التوأم اللذين يتصفان بعواطف وشخصيتين متناقضتين، فكلاهما محب وكلاهما شرس.

حاتوم واثق من الارضية التي يقف عليها: كتب عن ماناوس - آخر مركز تجاري على الامازون حيث ولد وعاش الى عمر 15 سنة كانت ذات حميمية قوية. هذا ايضا اطار روايته السابقة نفسه «شجرة السماء السابعة». كلا الكتابان فاز عن استحقاق بجائزة الجابتو، افضل وأهم جائزة للروايات في البرازيل. رواية الاخوان على الاقل جزء منها يعتبر تقديرا لعراب الادب البرازيلي، دي اسيس، الذي نشرت روايته ايساو اي جاكو في العام 1904، حديثا. بروفيسور الادب في الامازون وكالفورنيا معا، ميلتون حاتوم، ابدع في تأليف أدبه المفرد والمتنوع (العربي - البرازيلي). جزئيا اصبح اميركيا - شماليا بترجمة جلدسون.

مترجم باتريسيا، كاليفورد لاندرز، ادرك عامية المؤلفة ومن ثم جعل كتبها اكثر سهولة لقراء الانكليزية.

في مساراتها المختلفة، فإن جميع هذه الروايات، تكشف استراتيجيات من شأنها جعل الناس يعيشون على هامش المجتمع، محاطين بالفاقة والعنف. وكل منها يظهر ان البرازيل لديها الكثير مما يمكن ان تعطيه اكثر من كرة القدم ورقصة السامبا الافريقية الاصل.

(خدمة الاندبندنت خاص بـ «الوسط»

العدد 77 - الخميس 21 نوفمبر 2002م الموافق 16 رمضان 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً