على هامش زيارتها إلى سورية التقت «الوسط» عضو المؤتمر القومي والقيادية في حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي في جمهورية مصر العربية فريدة النقاش عبر الحوار التالي الذي قالت فيه إن الجسم السياسي العربي بحاجة إلى إصلاح شامل. ٭ كنت قبل أيام في زيارة إلى جنوب لبنان المحرر بقوة المقاومة، كيف ينظر المواطن العربي في مصر إلى التجربة اللبنانية الناجحة والفريدة في آن معا واجبار العدو الاسرائيلي على الانسحاب من دون مفاوضات لاول مرة من أرض احتلها؟ - شأن لبنان شأن بلدان عربية أخرى، له موارد محدودة وليس به نفط، وهو على الجبهة مع العدو الاسرائيلي، وإضافة إلى المواجهة فان لديه مشكلاته وتناقضاته، ولاسيما اذا اضفنا إلى ذلك كله الحال الطائفية فيه، ولكن هذا الـ «لبنان» الصغير استطاع، بعمل تنسيقي بارع وكفؤ بين القوى المقاومة اللبنانية، وكل من سورية وايران والحكومة اللبنانية وجيشه ان يوجه ضربة قاصمة للاحتلال الاسرائيلي ويخرجه من أرض الجنوب من دون اي شروط او تطبيع، أو حتى مفاوضات، وهذه شهادة للشعب اللبناني، وتسجل له مقدرته وتبلور (بروفة) للتنسيق بين العرب وبعضهم بعضا في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي. ولكن لبنان المقاوم العظيم يواجه مشكلات كبرى لا تزال عالقة، كمشكلة اعمار الجنوب المحرر، والتهديد الاسرائيلي المستمر... الخ، ويتعين حل هذه المشكلات، وعلى الدول العربية ان تسانده في حل مشكلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق تطلعات شعبه الذي حقق الانتصار... ضرورات الديمقراطية ٭ كيف تنظرين إلى اداء الجسم السياسي العربي في اطار جامعة الدول العربية، أو في خارجها؟ - الجسم السياسي العربي بحاجة إلى اصلاح شامل، وقد آن الأوان لأن نعترف بأن عدونا ليس فقط الامبريالية والصهيونية، بل ان هناك التخلف وافرازاته، من قمع واستبداد، يسيطر على حياتنا ولكن بدرجات متفاوتة... وأرى ان الديمقراطية هي المفتاح الرئيسي للاصلاح، واذا شئنا ان نتحدث عن الاطار الجامع للعرب، وهو الجامعة العربية، فسنجد انها ايضا في حاجة إلى اصلاح، ولا يكفي الاصلاح في ميثاقها وفي قدرتها على تنفيذ مقرراتها، ولا يكفي ان يكون هناك امين عام نشيط وديناميكي مثل عمرو موسى، بل لابد من مراجعة لتفعيل آليات الأداء والتنفيذ. ٭ ما تقويمك للعمل القطري المنفرد، والبحث عن المصلحة القطرية والاقليمية خارج اطار التعاون والتنسيق مع العرب الآخرين تحت بدعة القرار المستقل؟ - نحن العرب نحصد الآن الثمار المريرة للاتفاقات المنفردة التي ابرمت تحت عنوان (القرار المستقل)، بدءاً من «كامب ديفيد» واتفاق الصلح بين مصر و«اسرائيل»، وانتهاء باتفاق «وادي عربة» مروراً باتفاق «اوسلو» والتداعيات التي حدثت بعد ذلك في قطر وموريتانيا وتونس والمغرب، إذ توجد لـ «اسرائيل» مكاتب اتصال إلى ان افتتحت اخيراً سفارة لـ «اسرائيل» في موريتانيا. والمفارقة في (القرار المستقل) تكمن في ان المشروع الصهيوني موجه ضد الأمة العربية مجتمعة، وهو مشروع ضد القومية العربية، ومع ذلك نجد أن بعض البلدان العربية مضت في الانفراد لدى اتخاذ القرارات المتصلة بالشأن القومي العام، وفتحت الباب للعدو الصهيوني لكي يقيم علاقات، ويتوغل في المجتمعات العربية من دون الالتفات إلى ضرورة حل جذري للقضية المركزية للأمة، قضية فلسطين. والآن يحاول العرب استعادة العمل المشترك، ولكن بعد ان حدثت كوارث كثيرة وكبيرة نتيجة للانفراد، وبعد ان خسرنا خسائر فادحة، لأن مصر حين أقامت علاقات مع «اسرائيل» اعطت ضوءا اخضر لكل القوى العالمية التي كانت تعزل «اسرائيل» وتقاطعها مساندة للعرب، مثل الدول الافريقية والهند والصين لكي توقف هذه المقاطعة. الحلول المنفردة كانت، ولاتزال، كارثة، وعلينا ان نعرف كيف نواجه آثارها بصورة جماعية لكي تنطلق مقاومتها من جديد ضد المشروع الصهيوني. الشرق أوسطية ٭ إلى أين وصلت (الشرق اوسطية) والتطبيع مع العدو الاسرائيلي وما هي الآفاق اللاحقة؟ - استطاع النضال العربي المناهض للمشروع الشرق اوسطي الاقتصادي، الذي يقوم على أساس هيمنة «اسرائيل» بالاقتصاد على المنطقة العربية، ان يوقف المشروع مؤقتا، فلم تنجح «اسرائيل» في فرض هيمنتها على المنطقة العربية باستخدام (النبوغ الاسرائيلي) كما تدعي، والايدي العاملة العربية الرخيصة ونفط الخليج العربي. الآن «اسرائيل» تدخل مرحلة جديدة، هي الهيمنة العسكرية على المنطقة وبناء «اسرائيل» الكبرى من الفرات إلى النيل، مستعينة بالدعم الاميركي والنزعة العسكرية الأميركية، ربما كانت هذه أخطر مراحل المشروع الصهيوني التي تستوجب مواجهة شاملة، عسكرية واقتصادية وثقافية وسياسية، ضمن مواجهتها لمشروع الهيمنة الاميركية الذي تعتمد عليه «اسرائيل». نحن جزء من القوى المناهضة للعولمة المتوحشة، وعلينا ان نناضل على هذا الاساس، وان يكون سندنا في هذه المواجهة الممتدة مع الولايات المتحدة الاميركية و«اسرائيل»، هو اولا قوتنا الذاتية وتضامننا العربي المبدئي، على اساس من الاهداف الاستراتيجية للنضال التحرري: تحرير فلسطين والجولان ومزارع شبعا اللبنانية المحتلة، وتنمية مجتمعاتنا العربية والاندفاع بشروطنا في العولمة، وتحقيق السلام العادل الذي ننشده على أساس من ضمان الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني والجلاء عن كامل الاراضي المحتلة في العام 1967. ومنطلقنا هو الاصلاح الداخلي في كل بلد على حد، لكي نستطيع الالتقاء على اسس مبدئية، وان تعبأ كل الطاقات الشعبية، بحيث تتمكن الجماهير من صناعة مصيرها بنفسها متخلصة من الاستبداد والقمع، وقادرة بكل قوتها على مواجهة الصهيونية والامبريالية. ٭ مارأيك في مسألة اليمين واليسار في كل من الولايات المتحدة و«اسرائيل»؟ ، وما مدى التمايز بينهما حين يتعلق الامر بالتناقض مع العرب؟ - جميع الادارات الاميركية تدعم «اسرائيل» دعما مطلقا، ولكن حدث في التاريخ ان بعض هذه الادارات كانت تضغط على «اسرائيل»، بل ترغمها ان تفعل ما يخدم المصلحة الاميركية، مثلما فعل الرئيس دوايت ايزنها ور في العام 1956 بعد العدوان الثلاثي على مصر. أمّا الفروقات بين الديقراطيين والجمهوريين فهي تخص الحياة الداخلية الاميركية وتنحصر فيها بشكل رئيسي، وصعود الديمقراطية إلى الحكم غالبا ما يرتبط بتحسين الاوضاع الاجتماعية للطبقات الشعبية، حتى ان الرئيس بيل كلينتون كان يسمى بـ (اول رئيس اسود) بسبب مساندته حقوق السود. امّا الجمهوريون فيصعدون إلى الحكم بقوة الاحتكارات العملاقة الرأس مالية والاميركية، كما نشهد الآن، إذ تسود احتكارات السلاح والنفط... الخ. لكن ما يجب أن نلحظه هو ان الرأس مالية الاميركية هي التي تحكم، وهي التي تصنع القرار الاسرئيلي، وفي كل الحالات الذي سوف يقرر الموقف الاميركي من قضيتنا في النهاية ليس صعود الديمقراطين أو الجمهوريين، وانما قدرتنا نحن العرب على استخدام اوراق القوة التي نملكها لتهديد المصالح الاميركية، فالمصالح هي المحرك الاول والاخير لاي سياسية اميركية في المنطقة. سواء كانت الادارة ديمقراطية أو جمهورية. مرة اخرى اؤكد ان العنصر الاساسي في حسم الصراع العربي - الصهيوني هو العنصر الذاتي العربي، وقدرتنا على استخدام أدواتنا وتطوير مجتمعاتنا، ودعم المقاومة الفلسطينية بكل الوسائل وباعمال اتفاق الدفاع العربي المشترك، وإعادة بناء النظام الاقليمي على اسس كفاحية تحررية. عدوانية اليسار الاسرائيلي ٭ وماذا عن اليمين واليسار في «اسرائيل»؟ - لابد ان نسجل هنا ان الآباء المؤسسين للدولة العبرية هم حزب العمل والهستدروت، هؤلاء هم الذين قادوا جميع حروب «اسرائيل»، ومع ذلك فهناك فروق بين اليمين الاسرائيلي المتوحش واليسار الاسرائيلي المتوحش بدوره... ولكن في العلاقات الدولية لهذا اليسار... الاسرئيلي المتوحش تحتم عليه ان يظهر في صورة داعية السلام والساعي إلى السلام. مرة اخرى أقول، قوتنا نحن العرب هي التي تجعل هذا اليمين واليسار الاسرائيلي يتراجع امام قدرتنا على استخدام ما يتوافر لدينا من اوراق وقوة، و هو كثير، واذكر فقط المقاطعة العربية للدولة العبرية كلفتها اكثر من اربعين مليار دولار. ٭ ماهي البصمات التي خلفتها الانتفاضة الفلسطينية الباسلة على هذا الصعيد؟ الشارع الاسرائيلي في ازمة عميقة، اقتصادية، ازمة هوية ازمة امن، وهي مسألة حيوية بالنسبة إلى المشروع الصهيوني. وقد فاقمت الانتفاضة هذه الازمة البنيوية المصاحبة اصلاً للمشروع الصهيوني، فهناك هجرة بنسبة 26٪ من المستوطنات في الاراضي المحتلة في العام 1967 إلى الاراضي المحتلة في العام 1948، وهناك هجرة إلى الخارج، وهناك انخفاض وتباطؤ في التدفق اليها، وكان على رأس جدول اعمال السفاح أرييل شارون الاخيرة إلى موسكو تنشيط الهجرة اليهودية المتباطئة من روسيا إلى فلسطين العربية المحتلة لمعادلة الهجرة المعاكسة. هذا هو الانجاز الرئيسي للانتفاضة التي جعلت الشارع الاسرائيلي كله يعيد النظر في الموقف من المسائل الراهنة، ويكفي ان نسجل ظاهرة التمرد في صفوف المجندين ورافضي الخدمة، باعتبارها من نتائج الانتفاضة الباسلة. المقاطعة العربية والتطبيع ٭ ماهو موقف حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي المصري من مجموعة كوبنهاغن وما يماثلها ممن يدعون إلى (التطبيع) مع العدو الاسرائيلي قبل تحقيق السلام العادل؟ ٭ حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي هو احد مؤسسي حركة مناهضة التطبيع منذ بدايتها الاولى حين زار السادات القدس المحتلة في العام 1977، وقد نشأت عشرات اللجان على مستوى جمهورية مصر العربية، وشارك فيها التجمع وآخرون، وصولاً إلى اللجنة الشعبية لدعم الانتفاضة... ولذلك فانه من الطبيعي ان يقف حزب التجمع ضد مجموعة كوبنهاغن التي اتخذت حديثاً تسمية (جمعية القاهرة من أجل السلام)، لأن التجمع اعتبرها شكلا من اشكال التطبيع الذي يرفضه التجمع ويقاومه، ونتيجة لهذا الموقف استقال أحد قادة التجمع ومؤسسيه، وهو «لطفي الخولي» قبل وفاته، من التجمع حين أرسلت اللجنة المركزية رسالة تسأله عن حقيقة موقفه من هذه الجماعة التي اخذت تتردد على حفلات السفارة الاسرائيلية في القاهرة... ومازال موقف التجمع نفسه من جماعة كوبنهاغن، ولم يتغير، والمثقفون المصريون الذين يتعاملون مع السفارة الاسرائيلية في القاهرة معزولون، ويتحركون في دائرة بالغة الضيق، وقد نجحت حملة مقاطعة البضائع الاميركية والاسرائيلية نجاحا لابأس به، مما جعل كتاب التطبيع يصرخون ان ذلك يضر باقتصاد مصر يتباكون عليه..
العدد 77 - الخميس 21 نوفمبر 2002م الموافق 16 رمضان 1423هـ