أود أن أبين أن العنف والارهاب ليسا ظاهرة حكرا على الإسلام. ولكن يجب علينا أن نواجه الحقيقة وهي ان بعض الإرهابيين يلبسون أنفسهم لباس الدين. وهكذا، يترتب علينا جميعا، مسلمين وغير مسلمين، أن نجد طريقة ما لتحديد تلك الفروق والتنويه بها.
نحن بحاجة الى استعمالات لفظية جديدة للحديث عن إرهاب القاعدة كما نحن بحاجة الى الاعتراف بأن خطر الإرهاب الذي يواجهنا اليوم هو خطر عالمي. لم يعد الإرهاب ردة فعل لقضايا سياسية محلية أو إقليمية ولهذا فنحن بحاجة الى استجابات جديدة عليه. وسأظهر أيضا بأن مواجهة التطرف العنيف هذا هو مهمة يتعين علينا جميعا ان نقوم بها، مسلمين وغير مسلمين.
الحقيقة عن الإسلام
الإسلام هو دين السلام، الغالبية العظمى من المسلمين يستنكرون العنف والإرهاب وقد أدانوا أحداث 11 سبتمبر/أيلول.
من الأهمية بمكان أن نسجّل هذه الحقيقة من البداية لأني أنوي التكلم عن تلك الأقلية التي هي على الهامش والتي تتبنى نظرة مشوّهة عن الإسلام. إنها أقلية عنيفة وتشكل خطرا على الإسلام وعلى بقية العالم.
مثل ما قال اقبال صقراني، الأمين العام للمجلس الإسلامي في بريطانيا، في كتابه البحث عن سلامة العقل: «الإرهاب ليس له دين. هدفه هو نشر العداوة والدمار في أرجاء المجتمعات المتمدنة كافة». ولكن ويا للأسف يوجد لدى جميع الديانات أناس متطرفون.
المتطرفون: الانطباع والحقيقة
كان الإرهاب الطائفي المسيحي في إيرلندا الشمالية إرهابا مروعا. أحيانا الكلمات الشديدة التعصّب التي ينطلق بها حتى المتطرفون المسالمون في إيرلندا الشمالية تروع الكثير من المسيحيين مثلما تروع كلمات حركة «المهاجرون» معظم المسلمين. ففي مناسبات كثيرة تقدم وسائل الإعلام التي لدينا عبارات لشخص متطرف من «المهاجرون» على أنه ناطق بلسان الإسلام وذلك بطريقة يمكن للمسيحيين ان يتعجبوا لو سمعوا مثلا بأن القس أيان بيسلي ينطق باسم جميع المسيحيين.
وعندما نتكلم عن الدين يفجرون أنفسهم للايذاء بالآخرين علينا ان نتذكر بان الطيار الفدائي الياباني لم يكن مسلما وان منتحري «فريتاون» ادعوا بانهم مسيحيون مثلما ادعى المنتحرون «سبط داود» في واكو في العام 1993. يقال ان الارهاب الانتحاري العصري يعود أصله الى نمور تاميل في سريلانكا وهؤلاء من الهندوس. ومثل ما أشار جاك سترو أخيرا فإن المذابح التي ارتكبها الصليبيون ارتكبوها باسم المسيحية.
وهكذا مثلما كان للمسيحية متطرفيها فان لدى الإسلام متطرفيه أيضا. اتباع المهدي في السودان في الثمانينات من القرن التاسع عشر، والحركة التي قادها جهيمان بن محمد بن سيف العتيبي، التي احتلت المسجد الحرام في شهر نوفمبر/تشرين الثاني العام 1979 ما هي الا أمثلة على ذلك. وهكذا فإن الإسلام مثله مثل الديانات الأخرى له في تاريخه جماعات متطرفة تبنت الدين بمثابة درع لأعمالها.
الخوارج هم الخطر
في كتابها «الغضب في سبيل الله» تصف ماليز روثفين طائفة مسلمة عاشت في القرون الوسطى على أنها طائفة دينية تمثل التطرف العنيف وبأنها فئة خرجت على الإسلام الصحيح.
كانت تعرف هذه الطائفة باسم «الخوارج» وهي طائفة إسلامية تعود الى القرن السابع اغتالت الخليفة الراشدي الرابع علي بن أبي طالب، صهر النبي محمد. و«الخوارج» هم جماعة من المتطرفين سياسيا والمتعصبين الذين يعيشون بعيدا عن المدنية ويستخدمون الارهاب ضد أعدائهم وكانوا يعتبرون منشقين عن العقيدة الإسلامية من قبل الغالبية العظمى من المسلمين. وكانوا قتلة على نطاق واسع ويقومون بالقتل من أجل غايات سياسية مدّعين بأن الإسلام هو قضيتهم. أوجه الشبه بينهم وبين «القاعدة» لافت للنظر. فالجماعتان تعيشان على هامش الدين الإسلامي تختلسان عقيدته وتشوهها وتثنيها وتضعها في مصلحة العنف. كان لزاما في ذلك الحين عزل الخوارج وهزيمتهم حتى يبقى الإسلام سليما ويستمر وهكذا يجب اليوم عزل القاعدة ويتوجب هزيمتها.
ما هو غير إسلامي
دعوني أقول بصريح العبارة: ان الإيمان بالعقائد الجوهرية للإسلام لا يشكل خطرا. في الواقع، كما علمت من أصدقائي المسلمين فإن قراءة صحيحة للمبادئ الإسلامية كما جاءت في القرآن الكريم وفي السنّة تشير الى دين السلام والتسامح. الإسلام هو دين سمح رحب له مظاهر كثيرة: منها اليبيرالي والمعتدل والمتطرف. ولكن أولئك الذين يفهمون الإسلام بنية سيئة هم الذين يشكلون خطرا علينا جميعا. هذا خطر لا يمكننا أن نتجاهله.
أريد ان أتكلم اليوم عن اسلوب الخوارج العصري للارهاب. وفي قيامنا بذلك علينا ان نفرق بوضوح بين إرهابيي اليوم وبين عامة المسلمين، كما تم إبعاد الخوارج عن غالبية المسلمين في زمنهم. وعلينا ان نتأكد من قوتنا في تحدي التطرف العرقي ووجهات النظر المناهضة للاسلام من غير المسلمين وذلك بالطريقة نفسها التي نتحدى بها أي اجحاف آخر.
نحن بحاجة إلى طريقة جديدة في التخاطب
غالبية المسلمين تعتبر الارهاب آفة وهكذا فهم لا يشعرون بالاطمئنان عندما تستعمل وسائل الاعلام عبارة «الارهابيون المسلمون» او «المسلمون» بمعنى الارهابيين، كما كان الحال في أيام الاضطرابات الاولى في ايرلندا الشمالية عندما كان يوصف جيش ايرلندا الجمهوري بـ «الارهابيين الكاثوليك». تعين علينا ان نجد عبارات جديدة للتكلم عن المتطرفين في ايرلندا الشمالية وكذلك يتعين علينا ان نجد عبارات جديدة لوصف الارهابيين الذي يدعون الاسلام.
ومن دون مقدمات خاصة او تعني عبارات لبقة هناك حاجة تدعو الى فصل المتطرفين عن الغالبية المعتدلة من الناس وفي الوقت نفسه تعريف العناصر الاساسية لذلك الارهاب. الاسلام هو دين عدد كبير من سكان بريطانيا ولكن هذا يجب ان لا يعمينا عن الخطر الذي تشكله عناصر هامشية من المتطرفين. سنتعامل مع هؤلاء بفاعلية أكثر بتعاملنا بفاعلية أكثر مع العالم الاسلامي ككل.
الاسلام دين رحب وسمح
الاسلام ليس وحدة متجانسة في آسيا او في أي مكان آخر. هناك تنوع كبير بين الدول الاسلامية وبين المسلمين في كل بلد. من الخطر تعميم مفهوم واحد عن الاسلام ومع ذلك فمن السهل القيام بذلك. كثيرا ما نجد ارتيابا شديدا من السياسات الاسلامية. إذ بينما الصحافة لم تول اي اهتمام لانتخاب حكومة ديمقراطية مسيحية في اوروبا انفعلت بشدة لانتخاب، على ما يبدو، حزب اسلامي معتدل، وهو حزب العدالة والتنمية، بزعامة رجب طيب اردوغان، في تركيا. لماذا؟
وفي باكستان تشمل الاحزاب السياسية الدينية معتدلين ومتطرفين. علينا ان نعرف بان للبلدان الاسلامية المختلفة انواعا مختلفة من السياسات الاسلامية. فالأنظمة السياسية في العالم الاسلامي تتراوح بين الانظمة الديمقراطية والاستبدادية وهو دليل كاف على انه لا يوجد اي ارتباط بالضرورة بين الاسلام وبين اي نظام من الحكم.
فمن الانظمة المالكة في دول الخليج الى الانظمة الديمقراطية في تركيا والانظمة الاستبدادية مثل العراق تتفاوت البلدان الاسلامية فيما بينها. ومن ذلك يمكننا الاستنتاج بان اتباع مقياس واحد للتعاطي مع الاسلامي في آسيا وفي اماكن اخرى من غير المحتمل ان يتكلل بالنجاح.
وكذلك اتباع سياسة واحدة لمعالجة الارهاب من غير المحتمل ان تتكلل بالنجاج. يترتب علينا ان نتعرف على الفرق وان نكون مستعدين للاستجابة عليه بمجموعة منوعة من السياسات والاستراتيجيات.
مسئولية الغرب
انا لا اوافق على نظرية صموئيل هنتجتون بان هناك صراعا بين الحضارات. كان تحليله ناقصا وآراؤه وطرق معالجته من المحتمل ان تسفر عن المزيد من المشكلات. ولا اعتقد بأن معظم المسلمين يوافقون على نظرية صراع الحضارات. وبالنسبة للذين يؤمنون بها فهناك الشيء الكثير الذي يمكننا ان نفعله لمنعهم من الموافقة على تلك الرؤية.
وفي العهد الفكتوري كتب الشاعر ماثيو آرنولد قائلا:
«نحن هنا في سهل مظلم
مندفعين برعب في الجهاد والقتال
اذ تتصارع الجيوش الجاهلة في بهيم الليل»
التحدي الذي يواجهنا في هذه الايام هو ازالة الجهل من الجانبين. يمكن للغرب ان يبدأ بالرجوع الى روح المعتقدات الاسلامية وان نتعامل مع شركاء مستعدين للعمل معنا. سنفشل اذا حاولنا ان نملي اراءنا على الآخرين. ايام الاستعمار ذهبت وطوى عليها الزمن ولا احد يريد العودة اليها. لا يمكننا ان نملي على البلدان المسلمة كيف يتوجب عليها ان تدير شئونها ولا يمكننا ان نفرض عليها قيمنا ولكن يمكننا ان نشجع على الديمقراطية وعلى الحكم الصالح، ونحن نقوم بذلك.
القيم الديمقراطية بكل تأكيد ليست قيما غير اسلامية. الشورى هو مبدأ صيل من مبادئ الاستشارة - حجر الاساس للديمقراطية. غالبية المسلمين تريد ان ترى في بلادها مجتمعا ديمقراطيا منفتحا. الشيء المهم هو الدخول في حوار مفتوح مع ممثلين من العالم الاسلامي. يجب ان يكون الحوار مبنيا على المساواة وعلى احترام الفروق بيننا ويجب ان لا يكون محدودا بالحكومات.
يتعين علينا ان نتحدث مع ممثلي المنظمات غير الحكومية بما في ذلك رجال الدين والناشطين في المجتمع المدني. فقد تجد بعض الحكومات المسلمة صعوبة في قبول قيامنا بذلك ولكن يجب ان لا نحيد عن هذا الطريق.
مسئولية العالم الاسلامي
لدى المجتمع المسلم في بريطانيا دور مهم يمكنه ان يؤديه واريد اليوم ان اناشده لكي يفتح حوارا مع العالم الاسلامي بخصوص القيم الديمقراطية، ولتحدي سوء الفهم بين المسلمين وغير المسلمين ومساعدة المسلمين في البلدان الاخرى على العلم بأن بريطانيا تحترم الاسلام وبأنه يمكننا ان نعمل مع الذين يسيرون في طريق السلام ويحترمون حقوق الانسان. إذ ان احترام الآخرين هو مبدأ ثابت في الفكر الاسلامي.
وبإلقاء نظرة على العالم الاسلامي، يتعين على الذين خارجه أن يدركو بأنه ليس عالما راكدا. اذ مثله مثل أي مكان آخر هو عالم متطور مع ان سرعة تطوره قد تتفاوت بين بلد وآخر. هناك حوار حقيقي بين المسلمين عن كيفية قبول العالم المتغير الذي نعيش فيه هناك ملاحظة واحدة يمكن لغير المسلم أن يبديها بأمان عن العالم الاسلامي وهي أن عددا كبير
العدد 79 - السبت 23 نوفمبر 2002م الموافق 18 رمضان 1423هـ