يأخذنا فكر المصادرة نحو مجاهل وعتمة تسم الحاضر العربي بالكثير من النعوت والبذيء من الأوصاف ... والقبيح من الواقع الذي لا يشرِّف البهائم أن تكون جزءا منه. ثمة من يعبث بقدر هذه الأمة في ظل هكذا ممارسة واحتواء بغيضين... ما يجعل تلك المجاهل والقبح والعتمة مستشرية وتعمل عملها في تسييس حتى العاطفة وأدلجة الخيار (عبر فرض مهووس باليقين والوثوق) عبر تجاوزه لمرحلة الاستمراء وتوغله في مرحلة (الواجب... الثابت) بحيث أصبح (فرض عين)... فمن مرحلة الانحطاط على مستوى الموقف والخيار... نجد أنفسنا مخفورين نحو محرقة ستأكل اليابس واليابس، فلا مكان للأخضر في ظل قيام محارق (ذاتية التأجج)... - هكذا يتم توصيف مرحلة التراجع .. بإلقاء تبعتها على الآخر في الرؤية والتفكير واحتراف السؤال - ... فيما استواء اليقين والوثوق يفرِّخ إجابات هي برسم الاستدعاء )زم-كفٌٌ (... ولن نبالغ إذا ما قلنا إنها برسم الطلب ومتضمنة (كتالوجات). نحن إزاء تعميق لكل ما هو سطحي... إزاء تعصُّب لكل ما هو سطحي/ قشري... بل إزاء قيام جهود هنا وهناك لـ (تعميقهما)! .
هل نسرف في رؤيتنا لواقع الحال؟. لنفرد مساحة تأمل في الخريطة العربية المنذورة للتجاذبات والإنقلابات والعبث، سيأتي التشخيص مؤكدا سبب كل ذلك لطبيعة دول لم تقم لولا تلك العقيدة (عقيدة المصادرة) على جميع المستويات... كل ما تغير، إذا كان ثمة من تغير هو امتداد تلك العقيدة إلى الفرد بعد أن كانت مقتصرة على السلطة، ذلك يعني قيام سلطتين تعملان على تعميق تلك العقيدة واستفحالها... (الفرد و المؤسسة السياسية).
ماذا يعني كل ذلك؟... هل يذهب المواطن العربي الى حتفه ممتنا لهكذا مصير؟ مصير الذهاب الى حتف مجاني يصمه بالعار والجهل والعبث؟ ومن حقنا هنا أن نطرح أسئلتنا التي ربما تدفع بنا نحو محرقة أخرى؟... هل نحن (مستعبدون) إلى درجة أن نظل ممتنين لهكذا استباحة ؟ هل نحن أشقاء للأشياء بحيث لا نملك خيار أن نتشكل/ نجترح/ نرفض (بفعل عال) كل أشكال التبعية والملحقيات، كل أشكال إقحام الوثوق/ اليقين؟.
الغريب في الأمر أن عددا من الأنظمة السياسية في الوطن العربي بدأ بالتراجع - دون الدخول في التكتيك المتغير الذي تتبناه - من خلال إفراده لمساحات وهوامش تتصارع فيها الأفكار وتتجاذب، ما أتاح فرصا عديدة لنضج أفكار هنا واستوائها هناك. في المقابل تبرز سلطة الفرد وتحت مسميات عدة وعناوين متغيرة أحيانا لتقلص وتصادر جزءا كبيرا من تلك المساحة باسم (الإنقاذ)... إنقاذ الأمة ! ممن؟ الإجابة وكما أسلفنا تظل حاضرة وتفرّخ أشكالها وأنماطها دونما حاجة الى إعمال فكر أو وقفة متأنية أو نظر جاد إلى تلك الأفكار والطروحات المغضوب عليها والمقصاة بدم بارد!
العدد 83 - الأربعاء 27 نوفمبر 2002م الموافق 22 رمضان 1423هـ