عقدت جمعية الرسالة الإسلامية مساء الخميس الماضي حلقة حوارية فكرية بشأن ملف «الفساد الأخلاقي... الواقع والطموح»، شارك فيها عددٌ من الشخصيات من ضيوف الجمعية، بالإضافة إلى عدد من كوادرها ومنتسبيها.
بدأت الندوة بورقةٍ قدّمها الكاتب وعضو شورى «الوفاق» عباس هاشم، تناول فيها التغيرات التي يتعرض لها الواقع الاجتماعي، من عوامل تسهم في الفتك بالأخلاق العامة، وتسهيل انتشار الفساد الأخلاقي وخصوصا بين جيل الشباب.
وتطرق هاشم إلى تراجع دور المجتمع ومؤسساته ونخبه الواعية في ممارسة دورها التقليدي في نشر التوعية وبث الوعي الإسلامي، كأحد العوامل الفاعلة في توسع مظاهر الانحراف الأخلاقي.
وأشار إلى غياب دور الأسرة وتراجع تأثيرها السابق على جيل الأبناء، بالإضافة إلى ضعف دور الدولة من حيث التشريعات التي تقي المجتمع في مواجهة هذه الموجة الكاسحة من الانحرافات الأخلاقية.
وطالب هاشم بأن يمارس الإعلام المقروء والمرئي دوره في مجال توعية النشء وتحصينه من الانحرافات الأخلاقية.
المتحدث الآخر في الندوة السيد جعفر العلوي، أشار إلى أن قيم التراحم والتكافل مازالت موجودة في المجتمع البحريني، لكن ليس هناك تقدمٌ في المجال الأخلاقي، إذ مازالت مظاهر الفساد تنتشر وتزداد.
واستشهد العلوي بتقريرٍ عن إحدى الدول العربية في الثمانينيات، حيث كان الجدل بشأن منع مشاهد القبلات في الأفلام التي تعرض في تلك الدولة، بينما لم يعد الآن عرض اللقطات الجنسية يثير اهتماما أو جدلا في أوساط الناس.
وتطرق العلوي إلى بعض مفردات الفساد الواضحة التي يعاني منها المجتمع، كالرشوة والمسكرات والمخدرات والسرقات... باعتبارها «عناوين رئيسية للجرائم الآخذة في الانتشار بين الشباب خصوصا».
وأشار إلى المرافق السياحية كالفنادق والبارات، «التي تمثّل بؤرا لنشر الرذيلة بين الشباب»، مذكّرا بما يقوم به الأهالي من كشف باعة الخمور والحانات السرِّيَّة في أحياء المنامة وسترة وتوبلي على سبيل المثال.
وأكّد العلوي وجود عصابات متخصّصة في الترويج للمخدرات بين سكان المناطق الفقيرة، داعيا إلى ضرورة إيجاد توجه اجتماعي عام لحماية الجيل الجديد من هذا المدّ الجارف من الفساد.
الشيخ عبدالله الصالح أعرب من جانبه عن وجود توجّه إلى الالتزام الديني لدى الشباب، منوها بما يقوم به المتدينون في الطائفتين الكريمتين من دور مشهود ومحمود لتحصين الشباب وحمايته من الانحرافات الأخلاقية، إلا أن عوامل الهدم أكثر من عوامل البناء في المجتمع، وخصوصا مع طغيان الثقافة الاستهلاكية المادية، ووجود اندفاع كاسح نحو الجوانب المادية ما يضعف الحصانة الأخلاقية.
وأضاف الصالح قائلا: «نحن نرى الغنى على صفحات الصحف، لكن واقع الناس مختلف، حيث ينتشر الفقر الذي يجلب معه الكفر والفساد وجميع أنواع الشرور»، مشيرا إلى شبكات الدَّعارة المنظّمة وما يسهِّل عملها من وجود حالة انفتاح غير مسبوق، وخطوة إلغاء الفيزا عن بعض الجنسيات، وغيرها من تسهيلات.
أما محمد رمضان، فاعتبر الفساد الأخلاقي ليس ظاهرة اجتماعية، بل أزمة عالمية مرافقة للعولمة، استفاد منها البعض وحوّلوها إلى مصدر للارتزاق والكسب الحرام.
وأشار إلى ضعف الخطاب الديني الذي أصبح قديما ومحصورا في الوسائل القديمة من كتاب ومحاضرة... بينما تطوّر الطرف الآخر حتى اقتحم الغرف المغلقة بوسائل الانترنت والاتصالات الحديثة.
وقال: «ليس صحيحا أن الشباب وحدهم مستهدفون بالفساد، بل أصبح الفساد يستهدف جميع الفئات، فالعولمة وسيطرة رأس المال أصبحت تقتحم الحدود. وكما أن التلوث البيئي لا يعترف بالحدود فإن التلوث الأخلاقي كذلك».
وتطرّق الخبير في القانون الدولي حسين بوحسين إلى جانب آخر، وهو أن المجتمع في حراك سريع لتطوير حياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مع إهمال الجانب الدَّاخلي الأخلاقي. وقال: «إن الأساس الأول هو الأسرة وتحصينها، وذكّر بكلمة الإمام الخميني: «إننا لا نخشى الغزو العسكري أو الحصار الاقتصادي بل نخشى وقوع جامعاتنا بأيدي الغرب».
الأستاذ بجامعة البحرين سلمان الحلواجي ثنّى على دور الأسرة ومسئولية الأفراد لتحصين الجيل الجديد، مذكّرا بتجربة بعض الفئات الآسيوية المهاجرة التي عاشت في بريطانيا، وكان أبناؤها يتلقون التعليم الرَّسمي في المدارس النظامية، بينما يتم تدريسهم مناهج دينية في الفترة المسائية للحفاظ على الهوية.
نادر النشيط، أشار من جانبه إلى عقدة المؤامرة التي تذهب إلى التركيز على دور من يخطّط لإشاعة الفساد، بينما ينسى دور الذات.
أما الشيخ محمد جعفر الجمري فقد أشار إلى تحصين الأسرة. مذكرا بأن هناك آيات تشير إلى إنذار العشيرة، وليس فقط وقاية النَّفس والأهل من النار. مضيفا أن الفساد المنظّم يحتاج إلى عمل منظم لتطويق آثاره المدمرة للنسيج الاجتماعي
العدد 2208 - الأحد 21 سبتمبر 2008م الموافق 20 رمضان 1429هـ