العدد 2175 - الثلثاء 19 أغسطس 2008م الموافق 16 شعبان 1429هـ

هدى تقاوم صدمة فقدان عائلتها بتقديم النصح لأطفال فلسطين

السودانية (قطاع غزة) - عادل الزعنون 

19 أغسطس 2008

تحاول الطفلة هدى غالية التي قتل أفراد أسرتها في انفجار قذيفة في قطاع غزة قبل عامين، التغلب على صدمتها بتقديم النصح لمثيلاتها في عملها كمنشطة في مخيم لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (اونروا).

وتحيط مجموعة من الفتيات بهدى التي تبلغ من العمر اليوم 14 عاما في خيمة مفتوحة تعلوها راية الأمم المتحدة على شاطئ بحر منطقة السودانية (شمال). وهي تعلمهم ألعابا متنوعة ويستمعون لإرشاداتها المستوحاة من تجربتها المريرة في التغلب على المشاكل ومحاولة الفرح.

وتوزع هذه الفتاة السمراء النحيلة وطويلة القامة ضحكات على أطفال يصغرنها سنا. وهي تتنقل بين نحو عشرين طفلة وفتاة تتراوح أعمارهن بين ثمانية أعوام و15 عاما في المخيم الذي يضم مئتي طفلة وتنظمه الاونروا في إطار «العاب الصيف البحرية» لأطفال اللاجئين في غزة.

وتفضل هدى تدريب أفراد مجموعتها على الرسم والعاب الطفولة التي تحبها مثل «صيد السمك وكرة اليد وطير العصافير». وهي تقول «أحب رسم الورود والأطفال يلعبون ولا أحب أن ارسم دبابات أو طائرات لأنني اكره الاحتلال والقصف».

وتحلم هدى بان تصبح محامية «لأدافع عن الضحايا والغلابى مثلي من ضحايا جرائم الاحتلال على رغم أن عائلتنا لا تحب الشغل للبنات».

لكن هدى التي تسكن في منزل متواضع يملكه عمها في بلدة بيت لاهيا (شمال غزة) تكره صوت الطائرات والانفجارات التي تذكرها بالانفجار الذي قضى على أفراد عائلتها في صيف 2006 أمام عينيها على شاطئ بحر السودانية.

وقتل والد هدى غالية وعدد من أشقائها في انفجار قذيفة بينما كانوا يستجمون على الشاطئ. وقد نقلت صورتها إلى العالم وهي تصرخ مفجوعة على موتهم عبر شاشات التلفزيون.

وحملت السلطة الفلسطينية ومؤسسات حقوقية «إسرائيل» مسئولية القصف المدفعي الذي أودى بحياة العائلة لكن الأخيرة نفت مسئوليتها.

ويقول منسق الأنشطة في مؤسسة «شارك» غير الحكومية التي تتولى الإشراف على نشاطات بعض مخيمات الانروا، حسام رضوان: «نهتم بكل الأطفال، لكن هناك اهتماما كبيرا بهدى بسبب خصوصية ما حدث لها ونجحنا في إخراجها من أجواء الصدمة بعدما كانت منطوية على نفسها».

ويؤكد عدنان أبوحسنة المتحدث باسم الاونروا أن المخيمات الصيفية التي يستفيد منها مئتا ألف طفل في قطاع غزة لهذا العام «هي الانجح»، موضحا أنها تقدم «برامج تثقيفية وترفيهية لتخفيف التوتر الذي يعاني منه الأطفال الفلسطينيون وتخلق الآلاف من فرص العمل الجزئية للعاطلين عن العمل».

ونظرا لخصوصية حالتها لم تغب هدى عن عيون مرشداتها وموجهاتها في المخيم. وفي زاوية خيمة على شاطئ البحر أخذت مشرفة الفنون الهام العثامنة (21 عاما) تتابع بهدوء ريشة هدى وهي ترسم وردة بيضاء وحمراء على لوحة زيتية صغيرة.

وتحرص العثامنة التي فقدت 18 من أفراد عائلتها بينهم والدتها وثلاثة من أشقائها في قصف إسرائيلي قبل عامين دمر منزلها في بلدة بيت حانون (شمال) على عدم الخوض في أي كلام يعيد لها ولتلميذتها هدى الذاكرة.

وتقول العثامنة وهي تشير إلى طفلين من أبناء عمها الناجين من «المجزرة» وتمسح دموعها عن خدها «منذ عامين كنت لا اعرف طعما للابتسامة أو البكاء إلا عندما التقيت هدى». وتضيف «بدأنا نتقاسم الألم. سنواجه مأساتنا بالعطاء وسنجعل من فجيعتنا جسرا للنجاح والفرح».

وعبرت «شارك» عن رغبة في مساعدة هدى لتصبح منشطة دائمة للأطفال. وقال رضوان إنها «كسرت حاجز الرعب ونزلت الشاطئ للمرة الأولى منذ مجزرة عائلتها وتعلمت السباحة ونعدها لتصبح قائدة ومنشطة في فعاليات للأطفال».

ويرى الخبير والأخصائي النفسي سمير زقوت أن النشاطات والألعاب في المخيمات «تساعد هدى للتعافي جزئيا لكن صدمتها كمئات مثيلاتها لا تمحى على مر السنين بل تنتقل عبر الأجيال إلى أبنائها وأحفادها».

وتابع «انها صدمة مروعة ولها تأثيرات خطيرة على المستوى النفسي والاجتماعي». وأشار إلى أن «معاناة عشرات الآلاف من الأطفال في غزة تزداد بسبب القتل والحصار والفقر. كثيرون لا يستطيعون توفير الطعام اليومي أو الكتب والزي المدرسي ما له انعكاسات نفسية سلبية»، خصوصا أن العام الدراسي يبدأ الأسبوع المقبل.

بيد أن زقوت يرى أن للصدمة «وجها ايجابيا» معتبرا أنها «تساعد الأطفال على التكيف وقدرة التحمل والتحدي أحيانا». فهديل (11 عاما) شقيقة هدى الصغرى التي نجت أيضا من الموت بعد إصابتها بشظايا في الرقبة، مثلا تحلم بأن تصبح صحافية. وتقول «أريد أن افضح اليهود لأنهم قتلوا أبي وإخوتي».

أما أيمن (12 عاما) وهو من بلدة بيت حانون مازال ينتظر إجراء عملية جراحية لإزالة بقايا شظايا قذيفة إسرائيلية من فخذه اليسرى قبل عام ونصف، يؤكد انه ينتظر أن يتعافى لإكمال تعليمه كي يصبح طبيا «لمعالجة الجرحى».

وتطبق مؤسسات أهلية في غزة «برامج للوقاية من الاضطرابات النفسية» من خلال مرشدين ومرشدات يتنقلون بين المدارس الحكومية التابعة للانروا، حسبما ذكر زقوت.

وتقول ميساء المرشدة النفسية في مخيم صيفي في غزة إن «قصص المعاناة كثيرة (...) نموذجا العثامنة وغالية مروعان لكنهما يتكرران، وفي كل بيت يمكن أن تسمع حكاية مختلفة».

وتضيف «إذا أراد العالم مساعدة أطفالنا فالحل سهل بانتهاء الاحتلال والحصار والعدوان».

العدد 2175 - الثلثاء 19 أغسطس 2008م الموافق 16 شعبان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً