العدد 2212 - الخميس 25 سبتمبر 2008م الموافق 24 رمضان 1429هـ

يوم القدس... يوم واحد!

لاشك في أن احتفالية «يوم القدس» التي تجري كلّ عام - في الجمعة الأخيرة من شهر رمضان المبارك - بدأت تأخذ أشكالا وطرقا متعددة في كيفية التعبير عن هذه المناسبة، إذ تنوّعت بين المهرجان الخطابي والشعر والانشاد، الى جانب المسيرة الرئيسية التي تحمل رسالة واضحة في الإصرار على بقاء فلسطين أرضا عربية مقدسة، وتعبّر عن التضامن مع اهلها المحاصرين.

فيما يخص المسيرة فإنه (يتوقع) ان تزحف عشرات الآلاف لإحياء هذه المناسبة والتعبير عن الغضب من الحصار المضروب على أهلنا في غزّة، ودعوة الزعماء العرب للمساهمة في رفع الحصار ودعم صمود الشعب الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف... غالبا ما سيتضمنه البيان الختامي من دعوات ومطالبات.

غير ان السؤال الذي (لا يُسأل) في هذه المناسبة هو: كم نسبة المشاركين (في المسيرة) من يشعر حقا بأهمية فلسطين عموما والقدس الشريف خصوصا! بمعنى هل يدرك الشباب اليوم قداسة المسجد الأقصى وقبة الصخرة (الذي اصبح جلّنا لا يعرف الفرق بينهما)؟! هل يدرك الشباب سبب إصرار الفلسطينيين على الاحتفاظ بالقدس عاصمة للدولة المفترضة لهم؟! فغالبية المشاركين هم من الشباب التي تتراوح أعمارهم بين 15 و25 سنة، وهؤلاء لا يعرفون الكثير عن فلسطين ولا تاريخها ولا أهلها، واقول «الكثير» تجاوزا، إذ إن البعض لا يعرف شيئا على الاطلاق! وبالتالي فإن المشاركة في المسيرة والهتافات لا تعدو ان تكون مشاعر حماسية وانفعالا مع جو المسيرة والحشود الصارخة.

هذه الفئة من الشباب قد نلتمس لهم العذر، وذلك بالنظر إلى كونهم لم يجدوا من يحكي لهم ذلك التاريخ ويسرد لهم الحوادث التي مرّت على تلك المنطقة وكيف اصبحت على ما هي عليه الآن. باستثناء بعض البرامج الوثائقية في قنوات معدودة، فإن فلسطين أرضا وتاريخا وشعبا مغيّبة تماما عن عقول الشباب ووجدانهم، فلا مادة في كتب المدرسة ولا برامج في قناة «العائلة العربية» ولا تقديم حقيقي لتلك المحنة في صحفنا ومجلاتنا، بل كأنما هناك تعتيما متعمّدا لكي تظل المسألة بين الفلسطينيين والصهاينة هي مجرد صراع حدود لا صراع وجود. فمازلت اتذكر ان بعض الصحف المحلية والخليجية (في الثمانينيات) كانت عندما تريد ذكر «إسرائيل» في أخبارها فإنها دائما ما تعبّر عنها بـ «العدو» ولاشك في أنه تعبير رسّخ فينا مشاعر العداء والكراهية إزاء ذلك الكيان الغاصب، فضلا عن المقالات والتحليلات والبحوث التي كانت تنشر مدعمة بالصور والأرقام، وكلها تصب في بث الوعي بحقيقة ذلك الاحتلال وتاريخية الأرض الفلسطينية ومظلومية شعبها.

ولذلك فقد نشأ جيلنا يعرف أن هناك عدوا (يجب الحذر منه) والتحشيد ضده ومقاطعته ودعم الشعب الفلسطيني الصامد المجاهد بشتى الوسائل. وهذا ما يفتقده الجيل الجديد الذي صار لا يعرف إلا «إسرائيل» (الجار المزعج) التي أقامت علاقات وعقدت اتفاقات مع الكثير من العرب والمسلمين، ليصبح الأمر كله مجرد خلاف بين الفلسطيني والإسرائيلي على قضية هامشية هي بسط نفوذ على قطعة أرض أو إعلان دولة.

أعود فأقول إن الاحتفالية لا يجب أن ينظر إليها البعض على أنها أحد الطقوس السنوية ومهرجان استعراضي، والسعي للمسيرة هو «حشرٌ مع الناس...» و واجب كفائي، بل يجب أن تكون المناسبة فرصة لتعريف هذا الشباب بأهم ما يتعلق بحوادث وتاريخ فلسطين وحدودها، بحقيقة «العدو» وماضيه الإجرامي، بسيرة بعض الشهداء ومعاناة الأسرى والمحاصرين... ذلك يغني عن عشرات القصائد والأناشيد وخطب التضامن والمطالبة وبيانات الإدانة والاستنكار، التي لم تعد تقدّم شيئا جديدا ولا تضيف إلى مئات المقالات التي ستصاحب هذه المناسبة التي تفرّق الناس قبل اتمام إلقائها، بل يجب عدم الاكتفاء بهذه المناسبة لتكون القدس حاضرة وتغيب طوال العام.

جابر علي

العدد 2212 - الخميس 25 سبتمبر 2008م الموافق 24 رمضان 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً