وجد عدد من المفتشين الجمركيين في الجانب البحريني بجسر الملك فهد ضالتهم عندما وقعت بين أيديهم «فريسة سمينة»! فالتحدث على الصحافة في وضع من أشد الأوضاع صعوبة في العمل، يعد بمثابة تنفيس عظيم لا يختلف عن «تنفيس» مئات الآلاف من المغادرين والقادمين عبر الجسر منذ مساء الأربعاء حتى مساء الخميس، حيث يعيش الجسر في جانبيه ما يمكن وصفه بأنه أشد الفترات ضغطا منذ الصباح حتى المساء.
وحتى لا تسلب الطوابير والشكاوى والمسارات الغاضبة حق المفتشين في الحديث لابد من قراءة وجوههم بتعابيرها الحقيقية حتى قبل أن يبدأوا في الحديث، ولكن كيف بدا المشهد؟ الإجابة هي أن المفاجأة تتضح للقادمين من المملكة العربية السعودية عندما تسير مركباتهم متوجهة لقضاء «ويك إند» في ربوع البحرين مرتفعة في اتجاه المنحنى الكبير لتبدأ السيارات في النزول، وليصاب من فيها بالهلع حين يشاهدون الطوابير هذه المرة تبدو واضحة قريبة منهم جدا.. وبعيدة جدا جدا حتى عن أول نقطة في جزيرة الإجراءات، في مسارات ثلاثة غصت بمئات الآلاف من السيارات.
ووسط ذلك الذهول، كان بعض القادمين من المنطقة الشرقية يتحينون الفرصة للبحث عن فتحة في الطريق ليعودوا أدراجهم إلى الشرقية من جديد هاربين من جحيم الانتظار، فيما تسلح البعض الآخر بالكثير الكثير من الصبر وإقناع النفس بمدة انتظار متوقعة تتراوح بين 4 و5 ساعات، فيما يحاول الموظفون أن يربطوا جأشهم ويتسلحوا هم أيضا بالصبر لنيل ثوابه، ولكن هذا الوضع لم يمنع عددا من مفتشي الجمارك في الجانب البحريني من البوح بما في أنفسهم: «لعل الصحافة تنقل معاناتنا إلى المسئولين، في هكذا وضع لن نغضب ولن نتردد في تيسير الإجراءات، ولكن أوضاعنا صعبة كما ترون، هنا في منطقة التفتيش وسط هذا الكم الهائل من السيارات سنتحمل الغازات المنبعثة منها وسنتحمل حرارتها وحرارة الطقس ورطوبته، وسنتحمل أيضا مدة من الوقت ينظر فيها المسئولون إلى أوضاع المفتشين الجمركيين حيث يأملون في تحسين بيئة العمل، وزيادة العدد وتخصيص بدلات مالية ومكافآت تشجيعية والإسراع في الجلوس معنا للاستماع إلى مقترحاتنا وأفكارنا التي يمكن أن تكون مفيدة في إضافة تسهيلات جديدة تساهم في تحقيق خدمة أسرع».
ولعل المفتشين راضون بأن يبادر المسئولون بالجلوس معهم ليتواصل طرح المطالب والملاحظات، ولكن المسارات الغاضبة التي ميزت الوضع في الجسر والأوقات العصيبة التي عاشها القادمون والمغادرون تكشف مطلبا أكبر يدعو المؤسسة العامة لجسر الملك فهد لأن تبادر في ترجمة خطوات عملية حقيقية للنظر في مشكلة تعثر الإجراءات وتأخير المسافرين، بمن فيهم سواق الشاحنات وأزمتهم الأزلية، وركاب الحافلات سواء كانوا من المسافرين برا لدول أخرى أم من المتجهين لأداء العمرة، ويصبح الأمر أكثر صعوبة حينما تبحث عن أحد المسئولين لتستفسر منه عن حقيقة ما يحدث رغم الاجتماعات والزيارات الميدانية التي تعقد على أعلى مستوى من الجانبين، ويتم خلالها التباحث بشأن خطة التطوير «الاستراتيجية»، ثم تنتهي الزيارة وينفض الاجتماع وتبقى الأوضاع على ما هي عليه.
هل من بيانات إحصائية عن أعداد القادمين والمغادرين عبر جسر الملك فهد يومي الأربعاء والخميس؟ وهل سيستمر الوضع اليوم (الجمعة) ويوم غد (السبت)؟ ليس من اليسير الحصول على إجابة، ولكن تنطلق التقديرات هنا وهناك ليشير موظف في قسم استمارات الجمارك في الجانب السعودي إلى أن الوضع السيئ يوم الأربعاء الماضي بدأ منذ الصباح، وبناء على ذلك فإن تقديراته تفوق الثمانين ألف سيارة، فيما تتفاوت تقديرات موظفي الجمارك والجوازات في الجانب البحريني لتتراوح بين 100 و150 ألف سيارة، ولكن الرقم الحقيقي سيكون لدى المؤسسة العامة لجسر الملك فهد فلربما تعلنه اليوم أو غدا إذا بادر قسم إعلامها بإصدار بيان يتعلق بالأزمة الكبيرة التي شهدها الجسر هذا الأسبوع.
وكان التعبير الواضح لتذمر المسافرين هو انطلاق مزامير السيارات في هيئة جلبة مدوية، لتعلن للموظفين المغلوبين على أمرهم أصلا أن هذه الآلاف من الطوابير المنتظرة لم تعد تتحمل المزيد من الصبر والانتظار، فيما كان مشهد بعض الأمهات والأشخاص الذين يركضون بحثا عن دورة مياه لطفل «متورط» بين طوابير السيارات يعكس صورة من صور المحنة التي قد تدفع البعض إلى شتم الساعة التي فكروا فيها في السفر في يوم مشؤوم شديد الزحام.
وتسببت الكثير من الأزمات المتكررة والمزمنة كأزمة سواق الشاحنات وارتفاع معدل المسافرين عبر الجسر في رفع الأصوات الخليجية المطالبة بالعمل على تحسين الوضع على هذا المعبر الحيوي الذي تعود فكرة إنشائه إلى العام 1965، عندما بحثت قيادتا البلدين فكرة إنشاء الجسر، وترتب على ذلك تشكيل لجنة مشتركة بين البلدين لدراسة إمكانية تنفيذ مشروع جسر يربط بين البلدين. وقد بدأ العمل الرسمي في بناء الجسر في 29 سبتمبر/ أيلول 1981، وتم تثبيت أول قاعدة من قواعد الجسور يوم الأحد 27 فبراير/ شباط 1982، فيما تم افتتاح الجسر يوم الأربعاء 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1968 بحضور المغفور لهما الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود والشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة رحمهما الله.
وطوال عقدين من الزمان، شهد الجسر تطويرات جذرية ألغت الاستمارات والأوراق واستعانت بالأنظمة التقنية، ولكن كلما أضيفت تطويرات ازداد الضغط على الجسر الذي يرجعه المتابعون إلى تسارع وتيرة النشاط التجاري، واستقطاب مواطني دول مجلس التعاون لتنشيط السياحة البينية بين دول المجلس، وأصبح الجسر يستقبل وبشكل يومي بين 45 و50 ألف مسافر كمتوسط يومي.
ولكن وضع الجسر اليوم - وفقا للمشاكل المتزايدة في العبور - يستدعي إجراءات عملية تخرج عن حدود التصريحات الصحافية والبيانات الإعلامية، لتتم ترجمة خطوات مشروع توسعة جزيرة الإجراءات والبحث عن حلول سريعة عاجلة، وأخرى طويلة المدى لإنهاء تكرار الأزمات المتعبة التي ترهق كاهل مواطني دول مجلس التعاون والمسافرين القادمين من مختلف الدول العربية عبر هذا المنفذ الشهير
العدد 2157 - الجمعة 01 أغسطس 2008م الموافق 28 رجب 1429هـ