العدد 2157 - الجمعة 01 أغسطس 2008م الموافق 28 رجب 1429هـ

لنا من الرضوان

إن النصر التاريخي الذي تمكنت من تحقيقه المقاومة الإسلامية في الجنوب اللبناني كان ذا أصداء وأبعاد، فهو بمثابة النور الذي يمد شعاعه إلى ما لا نهاية، لكن لمن يتمكن من استيعاب ذلك النور، وكل بحسب حجمه من النهر يغترف.

الكثير الكثير من نقاط العزة والفخر يمكننا استشعارها في ذلك التوفيق بل والتأييد الإلهيين، لكن ما يعنينا بالدرجة الأولى هو استيراد ونسخ حال الانصهار المجتمعي من ذلك البلد المتعدد الطوائف إلى هذا البلد الذي هو أقل تنوعا من هذه الناحية، وما أشير إليه هو نبذ مسألة التمايز والطائفية، فبلد كلبنان في تنوعه الغريب يتمكن من تحقيق نوع من التوازن والتوافق بين مختلف فئاته وطبقاته، ونحن في بلدنا هاهنا مازال البعض يلوي من وراء ظهره سلاح الطائفية ليرمي به متى سنحت الفرصة بذلك.

إن هذا الشعب الطيب بأصله أحوج ما يكون اليوم إلى استشعار حال كهذه من الذوبان والانصهار فئة بأخرى، أما إذا كانت كل فئة ستتخذ لها مسلكا قوميا متفردا فسنخلص إلى نتيجة لا تسر أيا من الفريقين. ولتحقيق الذوبان هذا لابد من البدء من أعلى عتبات السلم نزولا نحو أدناها، فنحن إذا تمكنا من نبذ الطائفية والتمييز بدءا من المناصب ونزولا إلى الوظائف ومن ثم التحدر إلى المستوى المجتمعي، فبطبيعة الحال سنتمكن من تحقيق ليس فقط حال الانصهار المجتمعي، وإنما سنتمكن من تحقيق ما عجزت عنه مجتمعات عربية ودولية أخرى مازالت تعيش العصبية وبكل أسف.

وإذا نظرنا وأمعنا فسنجد أن هنالك من يحاول دوما أن يصطاد في الماء العكر، وأن يطرح أطروحات تكون بالدرجة الأولى (كلمة حقٍ يراد بها باطل) مع العلم أن المساعي والجهود المبذولة من قبل الحكومة واضحة وصريحة في هذا الجانب، لكن يظل لخبث النوايا مجال وسبيل، وكذلك تظل إرادة الصلاح أقوى وأمضى حدا في كل جيل.

النصر الاستراتيجي الذي حققه لبنان بمقاومته وصمود شعبه لم يأت هبة سماوية ولا هدية على طبقٍ من ذهب، وإنما جاء نتيجة صبرٍ وعناء وجاء نتيجة تضحياتٍ لا حصر لها أو تعداد، وهو قبل ذلك كله جاء وليد إرادة الشعب الواحد لأن يظهر بمظهر الشعب الواحد... وذلك هو ما نحتاج إلى نسخه وتطبيقه في مجتمعنا قبل أن تفتك الفتنة به وبنا، وقبل أن يستشري نعيق الغربان بأمتنا فيسلبها صدقية إرادة شعبها.

من الرضوان يجب علينا أن نتعلم، إذ إن المفقود لدى شعبنا ومجتمعنا ليس هو ثقافة الوحدة والترابط، وإنما المفقود هو ثقافة التطبيق لإنجاز وإبداء كل مضامين هذه الوحدة، ولعل مجتمعنا يعد ذا سابقة بالنسبة إلى مجتمعاتٍ أخرى، لكن ذلك لا يعفينا أبدا من ضرورة السعي نحو إرساء القواعد الصحيحة والأسس السليمة التي منها يمكن لنا جميعا أن نستقي ثقافة بلا تمييز، ووحدة بلا طائفية، وتعاضدا بلا اختلاف، كشعبٍ لا كجماعات، وكبلدٍ لا كطوائف... عند ذلك فقط يمكن لنا أن نقول إننا على الأقل استفدنا قطرة من ساكب الرضوان.

مريم الملاح

العدد 2157 - الجمعة 01 أغسطس 2008م الموافق 28 رجب 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً