العدد 2507 - الجمعة 17 يوليو 2009م الموافق 24 رجب 1430هـ

أيها السادة... القرار ليس بيد الرئيس أوباما!

خطاب فخامة الرئيس الأميركي أوباما التاريخي في جامعة القاهرة، المليء بالعواطف الجياشة، والكلمات المفعمة بالتمنيات التي تدغدغ العواطف، وتبعث الحماس لدى من يتأثر بالمديح والثناء، ولقد حوى ما حوى من مدح وإطراء، وسرد تاريخي لوقائع وحوادث مرت، وجعل من نفسه خبيرا في مجال الديانات السماوية، ونابغة في علم الفلسفة والاجتماع وعلم النفس والتاريخ، ولم يخلو خطابه من تناقض واضح ومغالطات صريحة، تنم عن تحيز تام وحذر شديد من التعرض أو انتقاد الجانب الصهيوني.

إذ حذر الفلسطينيين من استخدام العنف، وهو يقصد مقاومة الاحتلال المشروعة، وتجاهل كل ما يقوم به الكيان الصهيوني من إبادة وقمع وتهجير، واستخدام القوة المفرطة على مدى 60 عاما، وآخرها وليس آخرها محرقة غزة التي فاقت محرقة الهولوكوست التي يتبجحون بها، وهو لم يلمح بهذا العدوان الغاشم لا من قريب ولا من بعيد، في حين سرد سردا تاريخيا، لما تعرض له اليهود من قمع واضطهاد وإبادة، فكانوا ضحايا محرقة الهولوكست المزعومة، وغرف الغاز في عهد هتلر والنازية الألمانية.

ولم يجرأ ذكر أو التطرق لما قامت به بريطانيا العظمى وحلفاؤها من تقديم فلسطين - ككبش فداء – لليهود بإقامة وطن قومي لهم، مكافأة وتعويضا لهم لما تعرضوا له من ظلم وإبادة على مدى التاريخ، وبذلك عرضوا فلسطين وأهلها للمعاناة المريرة والقاسية، وتحمل تبعات أبشع جريمة في تاريخ البشرية، وأرغموهم لدفع الثمن باهضا، لقضية لم يكونوا طرفا فيها، وليس لهم فيها ناقة ولا جمل.

وكل ما وعد به سيادة الرئيس هو العمل على عودة مفاوضات السلام المتعثرة مع العدو الصهيوني، مع التأكيد على إقامة دولة للفلسطينيين بجانب الدويلة العبرية، والتي لم يحدد نوعية هذه الدولة الموعودة ولا معالمها، ولم يحدد مساحة الأرض التي ستقام عليها، وتجاهل ذكر عاصمة هذه الدولة، التي يطالب بها الفلسطينيون، وهي القدس الشريف، ولم يأتِ على ذكر عودة اللاجئين الفلسطينيين في الشتات، في حين فضح المتطرف الصهيوني - نتنياهو وحاشيته الإرهابية، وعلى رأسهم وزير خارجيته المتوحش ليبرمان - وأعلنوا عن رفضهم لكل هذه المطالب جملة وتفصيلا.

ما عدا موافقتهم على مضض، السماح بإقامة دولة منزوعة السلاح، وليس لها أية سيادة أو شرعية قانونية، وستكون تابعة للكيان الصهيوني، والحل والربط سيكون بيد الزعماء الصهاينة، مع التشديد على يهودية الدولة الصهيونية، ليتسنى لهم تبرير طرد وتهجير ما تبقى في الداخل من فلسطينيي 48 وهدم منازلهم، وعدم السماح بعودة اللاجئين من الشتات، ورفض التنازل عن أي جزء من القدس الشريف، لكونها العاصمة الأبدية لدويلتهم اللقيطة، كما يزعمون وبه يصرحون.

فهل يستطيع سيادة الرئيس أوباما، عمل المستحيل للضغط على القادة الصهاينة المتطرفين، وهو ما يعد من رابع المستحيلات والخطوط الحمراء، التي لا يحق لكائن من كان أن يقترب منها، وحتى أصحاب الفخامة الرؤساء الأميركان، المتعاقبون على سدة الحكم، وإنما القرار الأول والأخير، هو بيد الزعماء الصهاينة المتطرفين في تل أبيب، واللوبي الصهيوني ومنظماته المتطرفة في أميركا، وفي بقية الدول الأوروبية الاستعمارية.

ولقد ذكر فخامة الرئيس أوباما في خطابه التاريخي، المبادرة العربية وقال إنها قابلة للنقاش، وتطالب تلك المبادرة بانسحاب الاحتلال الصهيوني من الأراضي التي احتلها في حرب 67، وقيام الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، ولكنه على ما يبدو يسير وفق مخطط معد مسبقا - فلقد أرسل في الوقت نفسه - مبعوثه إلى الشرق الأوسط جورج ميتشل، من أجل فرض التطبيع مع الكيان الصهيوني أولا، ومن ثم إجراء مفاوضات السلام، لتسهيـل وتمرير تلك العملية المزعومة، لتسير حسب الرغبات والمخططات الصهيونية، ووفق المخطط الموضوع والمعد سلفا.

ونحن هنا لسنا بصدد البحث ونقاش خطاب فخامة الرئيس، والخوض في تفاصيله، ولكن لمجرد التذكير ببعض التفاصيل التي مرت به، أو جاءت في ذلك الخطاب الموجه للعرب والمسلمين من جامعة القاهرة العريقة، وما له من مدلولات ودلالات استراتيجية وأهداف ونوايا ومعطيات سياسية، تصب بالطبع في صالح ومصالح الكيان الصهيوني.

وفخامة الرئيس أوباما منذ بداية عهده، والذي صادف وقوع العدوان الصهيوني على غزة، لزم الصمت ولم يدل بدلوه بشأن همجية ووحشية العدوان، بحجة أنه لم يتسلم السلطة وزمام الحكم في تلك الفترة، وهو ما يجانب الحقيقة والواقع، ولكنه آثر الصمت ليجنب نفسه من تبعات ذلك، أو التعرض لغضب اللوبي الصهيوني.

والقرار النهائي في حل قضية الشرق الأوسط وكل ما يتعلق بها، من قضايا وأمور كبيرة، تمس الكيان الصهيوني ومصالح ، وإضفاء الشرعية لتكريس احتلاله وممارساته القمعية، هي ليست بيد فخامة الرئيس أوباما، فهو لايملك الخيار في الوقوف على الحياد وفرض الحلول العادلة، أو محاولة الضغط على ذلك الكيان الغاصب في سبيل إيجاد المخرج له، فالإدارات الأميركية المتعاقبة لا يمكنها أن ترفض أو تعارض رغبات ومخططات الكيان الصهيوني، وهي ترضخ وتنفذ كل ما يطلب منها من قبل اللوبي الصهيوبي ومؤسساته العتيدة، وكل شأن أو أمر يرفضة القادة والزعماء الصهاينة، يكون خارج عن يد وإرادة فخامة الرئيس، وكل رجال إدارته في البيت الأبيض أو في الكونغرس والبنتاغون، وغيرها من مؤسسات إداراته الرسمية.

محمد خليل الحوري

العدد 2507 - الجمعة 17 يوليو 2009م الموافق 24 رجب 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً