قبل أيام اطلعنا على حال بعض المعلمات اللاتي قضين أعواما طويلة في مهنة التعليم تتراوح بين 25 و32 عاما، وقد رأيناهن محبطات جدا ومستاءات من وضعهن المهني بشكل واضح، وتكلمن عن معاناتهن وهن في حال يرثى لها، لم يستطعن إخفاء غبنهن من عدم تقدير إدارة التعليم الابتدائي بوزارة التربية للخدمات التي قدموها في المجالين التربوي والتعليمي، وكن يتوقعن أن تكون لهن ميزة خاصة تجعلهن يعشن بقية عمرهن في التعليم بمعنويات عالية، لم يتوقعن إطلاقا أن يتم التعامل معهن بهذه القسوة المفرطة، التي لا تتناسب مع ما يطمح إليه وزير التربية والتعليم، الذي دائما ما ينادي في مختلف المحافل التربوية وغيرها من المحافل باحترام المعلم وبتقديره معنويا، على أقل تقدير.
وحاولنا الاقتراب إلى معاناة تلك الفئة من المعلمات التي أحسسنا أنها تضغط على نفوسهن بقوة وتهبط من معنوياتهن بتناسب عكسي، كلما زادت الضغوط المهنية عليهن ضعفت معنوياتهن بصورة كبيرة، قد تفقدهن الكثير من صحتهن البدنية والنفسية، وإذا ما استمر التعامل بهذه الكيفية القاسية سيسهم في رفع مستوى ضغط الدم لديهن طوال اليوم الدراسي، ما يجعلنا نخشى عليهن من أن يصبن بأمر خطير لا تحمد عقباه.
لمسنا من حديثهن أنهن في وضع مأسوي بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لن نطيل في هذا الجانب وسنكتفي بعرض بعض الحالات التي تنذر بحدوث كارثة إنسانية في أية لحظة لتلك المعلمات، لن نتجول في جميع مدارس البحرين، سنتحدث عن وضع بعض عناصر هذه الفئة في مدرسة ابتدائية بمدينة عيسى في المحافظة الوسطى.
الحالة الأولى: معلمة قضت 32 عاما متواصلا في مهنة التعليم، ويشهد لها بالكفاءة والإخلاص في أداء عملها طوال عمرها المهني، فوجئت العام الجاري بإعطائها ستة مقررات دراسية لمراحل مختلفة، وذلك يعني أنها بحاجة إلى أن تبذل جهودا كبيرة ومضنية، حيث أن عليها أن تتابع أكثر من 720 دفترا وكتابا إذا ما قدرنا عدد تلميذات كل فصل بـ30 تلميذة، بالإضافة إلى الالتزامات الأخرى التي توكل إليها، لن نتكلم عن حجم تلك الالتزامات الإضافية، وإنما سنتحدث عن وضعها المهني البائس الذي كلفها أن تقوم بتحضير ستة مقررات دراسية مختلفة في الأسلوب والمعارف والتي تحتاج إلى تنوع هائل في الوسائل التعليمية التي تتناسب مع المناهج الحديثة، ويحتاج منها أن تقيم وتقوم مستويات أكثر من 360 تلميذة.
وفي الوقت ذاته توفد وزارة التربية والتعليم معلمة لغة إنجليزية وتعطيها بمعدل حصتين أسبوعيا، حتى جعلها تشفق على حال المعلمة المذكورة، وتطلب منها أن تتحمل عنها مقررا واحدا.
وعلى رغم أن الخطوة الأخيرة لا تعنينا بالدرجة الأولى، إلا أننا نسأل وزارة التربية والتعليم، هل ما يحدث لهذه المعلمة الكريمة ومثيلاتها يتناغم مع متطلبات التعليم في زواياه الإنسانية والتعليمية والتربوية والحقوقية؟ ننتظر الإجابة من إدارة التعليم الابتدائي؟
الحالة الثانية: معلمة لم يكن حالها أفضل من سابقتها حيث أنها قضت 30 عاما متواصلة بكل جد ومثابرة في مهنة التعليم كبقية زميلاتها، فهذه المعلمة الفاضلة التي تربت على يديها المئات من الطالبات اللاتي وصلن إلى مختلف المراكز التربوية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية، تكافأ بـ3 مقررات دراسية وبإشراف إداري وبالمختبر، والبقية تأتي من الالتزامات المخطط إليها وغير المخطط إليها التي غالبا ما تكون وليدة اللحظة.
كانت تمشي بين أروقة المدرسة وهي تجر رجليها مما تعانيه من تعب وإرهاق، ومن يتابع حال تلك المعلمة المهني يتحسر على وضعها ويشفق عليها في وقت واحد، وخصوصا إذا ما رأها وهي تكلم نفسها من دون أن تشعر بذلك، وكأنها تندب حالها البائس البعيد عن الإنسانية الذي لا يرحمها ولا يضع اعتبارا لسنها ولا إلى سنوات خدمتها الطويلة.
المصيبة الكبرى أن وزارة التربية والتعليم على يقين لا يداخله الشك أن هذه المعلمة التي اقتربت من سن التقاعد لا تتمكن أن تتحمل كل تلك الأعباء الثقيلة بعد أن تآكلت عظمامها وتهرأ لحم جسدها وضعفت قواها، ولكن السؤال الذي لم نجد له جوابا واضحا: هل هذا هو التقدير المطلوب لهذه الفئة؟
الحالة الثالثة: معلمة لغة إنجليزية خبرتها في مهنة التعليم 25 عاما، أعطيت 3 مقررات دراسية، في الوقت ذاته توفد وزارة التربية والتعليم معلمة لغة إنجليزية أخرى وتعطيها بمعدل حصتين أسبوعيا، حتى جعلها تشفق على حال المعلمة المذكورة، وتطلب منها أن تتحمل عنها مقررا واحدا.
وهنا لسنا بحاجة إلى أن نتحدث عن عدد الدفاتر والكتب التي من واجبها تصحيحها، ولن نتحدث عن عدد التلميذات اللاتي تتحمل المعلمة متابعتهن تعليميا وتربويا، لأننا على ثقة تامة أن من أعطاها أو طلب تحميلها هذا الثقل الكبير ومن أوفد المعلمة الجديدة يعرف كل تلك الأرقام بدقة، ويعلم أن طاقة تلك المعلمة الصحية والنفسية والمعنوية بتفاصيلها وحيثياتها من خلال التقارير الطبية الرسمية الصادرة من اللجان الطبية التي أوصلتها المعلمة إلي الجهات المعنية، التي تكشف عن وضعها الصحي الذي يندرها بالخطر في أية لحظة، فهي مصابة بارتفاع ضغط الدم وارتفاع مستوى السكري في الدم، ومصابة بشبكية العين التي تمنعها من رؤية الأشياء بوضوح، وأمراض أخرى، بإمكان الجهات المعنية بهذا الأمر بوزارة التربية والتعليم الرجوع إليها إذا ما أرادت النظر إلى قضية هذه المعلمة بعين إنسانية وتربوية.
لم نتمكن من حصر عدد المعلمات أو المعلمين الذين يعانون من ضغوط نفسية بسبب وضعهم المهني غير المناسب لوضعهم الصحي والنفسي، ولكن اكتفينا بذكر عينة بسيطة من هذه الفئة التي بحسب علمنا حفيت قدماها من كثرة مراجعتها مختلف الجهات المعنية بوزارة التربية والتعليم، من دون أن تحصل على بصيص أمل لحل مشكلاتهن، نقول لعلنا نتمكن من خلال هذه الزواية المفتوحة من إيصال معانات تلك الفئة إلى أسماع من بيدهم الحل والعقد بوزارة التربية والتعليم وديوان الخدمة المدنية الذي بيده أن يضع إطارا خاصا لهذه الفئة من المعلمين والمعلمات وغيرهم من الموظفين، نحن على يقين أن هذه المسألة ستكون ضمن اهتمامات وزير التربية والتعليم الذي عرف بإنسانيته الكبيرة، وبحسب علمنا أنه يتابع كل القضايا التي تهم التربية والتعليم ويجتهد في وضع حلول ناجحة في زمن قد يفوق كل التصورات، هذا ما ننتظره وتنتظره هذه الفئة من المعلمين والمعلمات من وزير التربية والتعليم قبل أن تكون مهنة التعليم سببا في هلاك عنصر واحد من هذه الفئة لا قدر الله.
سلمان سالم
العدد 2230 - الإثنين 13 أكتوبر 2008م الموافق 12 شوال 1429هـ