المشاهدون في النطاق الضيق على رؤية قصص الحزن والفجيعة والألم والنفي في أفلام أتوم ايغويان.
واليوم يتناول المخرج الكندي ايغويان هذه الموضوعات على نطاق واسع في تعاطيه مع جذوره الأرمنية بفيلم «ارارات» وهي قصة معقدة تنسج قصصا شخصية لأرمن معاصرين في قماشة نزوحهم الجماعي عن ديارهم خلال الحرب العالمية الثانية.
ويتعامل ايغويان مع جذور الشتات الأرمني بطريقة غير مباشرة مؤرخا تلك الحوادث من خلال فيلم داخل الفيلم عن مخرج سينمائي أرمني يصور ملحمة تاريخية عن شعبه.
إن صنع ملحمة مباشرة كهذه لم يكن دأب ايغويان الذي تتمحور اعماله السينمائية عادة حول ظلال رمادية في العلاقات الانسانية بدلا من المظهر السطحي بالأسود والابيض، بل إن ما جذبه هو التأذي الجماعي لشعب مشتت، وكيف يواجه هذا الشعب، بعد اجيال كون أن حملة الابادة التي يعتقدون أنها ارتكبت ضد اجدادهم قد نسيها غير الأرمن.
وقال ايغويان، الذي تيتم جداه من طرفي والده ووالدته خلال الحرب العالمية الأولى، في مقابلة صحافية: «كنت أريد أن أتناول هذه القضية في مرحلة من المراحل. المسألة كانت كيف سأجعل ذلك آنيا. ومعنى ذلك أنني سأتعاطي مع ما اعتقد أنه من الناحية الأكثر تحديدا في الابادة العنصرية التي ليست هي الهدف بحد ذاتها بل من ناحية نفي حدوثها».
ويصر الأرمن على أن مليونا ونصف المليون منهم قتلوا في حملة قامت بها الامبراطورية العثمانية لارغامهم على النزوح من تركيا. والأتراك يقولون إن المذابح لم تشكل ابادة عنصرية ويزعمون أن أرقام الضحايا مضخمة، وأن النزوح والضحايا هم نتيجة لمحاولات السلطات قمع اضطرابات.
وهناك حكومات كثيرة بينها الولايات المتحدة، لم تعترف رسميا بحدوث عملية ابادة جماعية ضد الأرمن. ويتضمن فيلم «آرارات» اشارة إلى قول ادولف هتلر ان المانيا النازية تستطيع ان تنفذ المحرقة اليهودية لأن احدا لم يعد يذكر ابادة الأرمن.
والواقع ان ايغويان كان يفكر منذ زمن طويل بصنع فيلم يتناول جذوره الأرمنية. وجاءه الدافع الكبير قبل سنوات عندما سأله ابنه - البالغ من العمر 9 سنوات الآن - إذا كان الأتراك قد اعتذروا عما حدث.
وقد حاولت جماعات تركية قبل عرض «ارارات» لأول مرة في مهرجان كان السينمائي في الربيع الماضي، الضغط على شركة ميراماكس الموزعة لوضع الفيلم على الرف.
وعن ذلك يقول ايغويان: «والآن، وقد ايقنوا ان الفيلم يجري توزيعه، اصبحوا أكثر ذكاء وهم يحاولون ان يكونوا هادئين إلى اقصى حد ودبلوماسيين إلى اقصى حد لأنهم فهموا أنه لا يمكن منع مشاهدة فيلم.
ويضم طاقم «ارارات» المغني الفرنسي الأرمني شارك أزنافور في دور مخرج منكب على صنع فيلم ملحمي عن مأساة الأرمن، والممثل اريك بوغوصيان ككاتب النص السينمائي، وبروس غرينوود كممثل يلعب دور مراسل أميركي والياس كوتياس كممثل تركي - كندي يلعب دور شرير تركي ينظم المذابح الأرمنية.
وتلتقي شخصيات ذلك الفيلم بمؤرخة أرمنية كندية (تلعب الدور زوجة ايغويان ارسينه خانجيان التي تقاسمت نجومية معظم الأفلام التي صنعها زوجها سابقا) وابناها وابنتها المنفصلة عنها، والعميل الجمركي (كريستوفر بلامر) الذي يصبح شاهدا شفهيا على محنة بعض الأرمن خلال استجوابهم في احد المطارات.
معروف عن ايغويان انه غالبا ما يستخدم شخصيات تربط بينهم علاقات متباعدة ويروي قصصا بتسلسل غير تتابعي، وينظم الاكشن بطريقة سعيا لإحداث وقع عاطفي أكبر مما يلزم للتقيد بالتسلسل الزمني للحوادث.
وكانت النتيجة انه صنع سلسلة من الأفلام المقلقة الحالمة منها «Exotica» «Feliciaصs Journey» و«Sweet Hereafter» الذي رشحه لجائزة الاوسكار لافضل مخرج وافضل اقتباس للنص في العام 1997.
ولد ايغويان في مصر ونشأ في فيكتوريا بكولومبيا البريطانية التي هاجر اليها والداه حيث انشأت العائلة غاليري لبيع المفروشات.
وخلال دراسته العلاقات الدولية في جامعة تورنتو بدأ ايغويان يهتم بصناعة الافلام، وفاز بالمديح في مهرجانات الأفلام الكندية بأفلامه التي صنعها في الثمانينات ومطلع التسعينات الماضية، وبينها «Speaking parts» و«Adjuster»، ثم اخذت شهرته تمتد إلى الخارج بفيلم «Exotica» في العام 1994.
في حداثته كان ايغويان يعي الكوارث التي حلت بأجداده ولكنه لم يكن يلم الماما كافيا بقصص التاريخ الأرمني، فبدأ يجري ابحاثا بهذا الشأن خلال دراسته الجامعية إثر انضمامه إلى احدى الجمعيات الطلابية الارمنية.
اما زوجة ايغويان فقد نشأت في لبنان وسط اجواء قصص مرعبة عن الاعمال الوحشية التي ارتكبها الاتراك ضد اجداده. وأجداد الزوجة الاربعة هم من ايتام المذابح.
وتقول خانجيان: «لعل جيلي هو الجيل الذي اصبح اكثر تشددا في الاعراب عن ذلك ولديه الكلمات اللازمة للتكلم عنه، إذ توافرت له المسافة والسياق، في حين ان أجدادي لم يتوافر لهم مثل هذا الامر، او ان والديّ لم يستطيعا بالضرورة الابتعاد عن هذا الثقل».
كلف تصوير «آرارات» 15 مليون دولار، وهو مبلغ صغير بمقياس هوليود إلا أنه مع ذلك كان المبلغ أكبر موازنة يحصل عليها ايغويان. وحتى بالنسبة لايغويان «ارارات» ليم مكرب خال من الفكاهة التي خففت من وطأة بعض افلامه السابقة
العدد 128 - السبت 11 يناير 2003م الموافق 08 ذي القعدة 1423هـ