تنامي مسلسل السرقات في السنوات الماضية وانتشاره في الوقت الراهن كالوباء، لنقلها صريحة دونما مواربة أو خجل، سلوك اجرامي يفقد المجتمع ركيزة الأمان والاستقرار وأن مجتمعنا لم يعد بخير.
من دون تهويل في هذا الشأن، فإنك ستجد مثل هذا الخطاب البسيط الذي يعرض لمشكلة «عويصة» بأبسط الكلمات على لسان رجل الشارع البحريني المتضرر الأول في هذا المسلسل العجيب الغريب.
في السنوات الماضية من ثمانينات القرن الماضي، أسهل السرقات التي تتعرض لها قرى البحرين، كانت سرقات عشش الحمام!
وما أدراك ما الولع بالحمام الذي يحفز الشباب المراهقين المغامرين، على ارتكاب جنحة السرقة.
واليوم، تنقلب الأمور بقدرة قادر ويتفنن اللصوص في تكتلاتهم الإجرامية موجهين طاقاتهم نحو السلب والاستيلاء على متاع وممتلكات الغير بمختلف الطرق والأساليب.
فقط، لا ينقصنا اليوم سوى الاسلوب الأميركي في نمط أفلام هوليوود من عنف السطو المسلح على المصارف والمخازن الكبرى، ويارب استر علينا.
فإن كان هنا من يفكر اليوم في شراء سيارة جديدة «بالقروض» حتى يثبت لنفسه وللناس أنه يستحق الأفضل وأنه ليس أقل من غيره ومن حقه الطبيعي أن «يكشخ» وإن كانت كشخة إفلاس، فعليه أن يتريث وليقنع بسيارة نصف عمر، ربما تسلم من السرقة، فكيف الأمر بسيارة آخر موديل تفتح شهية اللصوص!
وهنا المشكلة... «شهية اللصوص» في البلد مفتوحة على أقصى اتساع هذه الأيام وتتخطى الحدود، والنقاش السائد عن المشكلة يركز الأضواء على ابن البلد بينما هو يغفل أو ينسى أن هناك سرقات تمت على أيادي أجنبية مشتركة في هذا المسلسل وإن كانت مجرد «كومبارس» لكنه يقوم بدوره الإجرامي. وان اقتضى الأمر أن يعرف اللصوص ألوان ملابسي الداخلية، فسيعرفون... فهناك فرق استطلاع وجمع معلومات تعتمد عليها العصابات، تتشكل بعضها من فرق مراهقين تجوب الأحياء السكنية على «سياكل» بحثا عن أهداف منتقاة بعناية للإغارة عليها.
المشكلة تسير إلى استفحال مخيف يعم أغلب مناطق البحرين، المقلق في الأمر أني لحظت مدى تنامي لغة الاستياء والتذمر في أوساط الشباب «العاطل» المتجمهر كل أسبوع في أروقة وزارة العمل، ورأيت كم هي جرأة البعض في مشاكسة رجال الأمن وتذمرهم من حال البطالة وتدني الحال المعيشية والأشغال «التعبانة»... الخ.
ألا ترون معي أن هذا التذمر الشبابي، يشكل مصدرا معقولا قابلا للتشكل في هيئة تمرد على المجتمع يتخذ درب الانحراف لإشباع الحاجات.
نعم... فشحنة التمرد هنا قابلة للانفجار، لا نعني أنه بالضرورة كل شاب ساخط على مجتمعه مستعد حتما للتحول إلى مشروع «لص» لكن ليبقى ذلك في الحسبان، فعنصر الشباب في أي مجتمع إنساني ما هو إلا «طاقة».
إذن، فإن كانت هذه الطاقة لم تجد البيئة اللازمة لاستيعابها أو قصرت في استثمارها، فستحدث حال فلتان تخرج فيه هذه الطاقة عن حدود السيطرة بحيث تغذيها الفوارق الطبقية والاقتصادية في هذا المجتمع أو ذاك وتنشأ عندها المشكلات.
لنعترف أن مدارسنا تخرج في مقابل الناجحين، أعدادا من الفاشلين الذي يحمّلون مجتمعهم مسئولية فشلهم ويعملون في وظائف متدنية الدخل غارقين في العزوبية ساخطين على ظروفهم المعيشية، تهتز في أعينهم القيم التي ينادي بها المجتمع عندما لا يحاسب كبيرا سرق الجمل بما حمل»؟! فلا فرق عندها بعدئد في احتراف السرقة، لأنها ببساطة تريد أن تعيش وتحيا مثل غيرها.
هناك ظواهر كثيرة تمثل قنابل موقوتة صامتة في نسيج المجتمع، والمكرمات الملكية - مع سخائها - لا تشكل حلا ناجحا دائما، فما زال في الشارع «مواطنون» يجمعون علب الألمنيوم وآخرون محاصرون بديونهم المالية.
والأسوأ أنك ترى من يبيع مبادئه لأجل المال الحرام، وخصوصا مع انتشار عصابات تهريب المشروبات الكحولية إلى الدول الخليجية المجاورة من أجل الكسب السريع.
من سيبالي بالقانون ويخشى سطوته بعد ذلك؟ الأمر ليس تضخيما للأمور ولا تهويلا لها، لكن إن لم تجد كل هذه القضايا كامل جهود الدعم والإصلاح بالأفعال السريعة، فإن كوارث السرقة وباقي الظواهر السلبية الموجودة في المجتمع لن تجدي معها نفعا مهدئات «الحكومة» المؤقتة ولتكن قضية عامة تهم الرأي العام البحريني نناقش أبعادها وأسبابها ونضع الحلول لها.
أحمد المؤذن
العدد 133 - الخميس 16 يناير 2003م الموافق 13 ذي القعدة 1423هـ