العدد 160 - الأربعاء 12 فبراير 2003م الموافق 10 ذي الحجة 1423هـ

الحرية ليست موسمية... الخشية من أن يصبح قانون المطبوعات أمرا واقعا

عصمت الموسوي في ندوة «جمعية المنبر التقدمي»:

أوصت ندوة أقيمت يوم الأحد الماضي في جمعية المنبر الديمقراطي بالإسراع في تحريك قانون المطبوعات والنشر والاتجاه إلى تعديله بما يتناسب ومناخ الحال السياسية التي تعيشها البحرين والمتجهة نحو الإصلاح والتقويم والانفتاح. وطالبت الكاتبة الصحافية عصمت الموسوي برفع كل القيود عن حرية الرأي والتعبير، وإلغاء كل أشكال الرقابة على النشر وتداول المطبوعات، وإفساح المجال لحرية تداول المعلومات، وإضفاء روح الثقة والطمأنينة من جانب المشرّع القانوني على الصحافي البحريني الذي انتابته المخاوف بسبب حجم العقوبات والحبس والغرامات التي تضمّنها القانون الجديد. وطالبت الموسوي ـ التي كانت تتحدث في ندوة عن قانون المطبوعات والنشر ـ بتوفير البيئة الحاضنة والملائمة للإبداع وسن التشريعات المنسجمة مع روح العصر، ورأت أن الإعلام المسئول هو جزء من الأمن الوطني الذي «يشترك المواطن والصحافي والوزير والغفير في إرسائه وترسيخه مع ضرورة أن يُنظر إلى الصحافي شريكا في هذا الأمن لا عدوا».

بدأت الموسوي حديثها عن القانون الجديد بالعودة إلى عام ونصف العام مضت، ففي ظل أجواء سياسية واعدة بأجمل الأيام جلست مجموعة من الصحافيين والكتاب والمختصين لوضع قانون المطبوعات والنشر سميت اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة تفعيل ميثاق العمل الوطني والتي رأسها سمو ولي العهد وأنيط بها الاشتغال على وضع أهم القوانين التي تحتاج إليها مملكة البحرين للانطلاق نحو الحياة الديمقراطية والتي دشنها صاحب الجلالة الملك حمد بن عيسى بإطلاق ميثاق العمل الوطني.

لقد انتقلت البحرين من حال إلى حال، ورأينا الحركة غير المعتادة التي صاحبت هذا النشاط من ندوات انطلق فيها الكلام بلا حدود، وصحافة رفعت سقف حريتها ومواقع الكترونية جديدة ومتفاعلة ومطبوعات تتخلى عن ثوبها القديم وتتواكب مع الزمن الجديد، فهل سار كل شيء على ما يرام؟ عندما دخلنا مرحلة الاستحقاق، جاء الدستور المعدل وتبعه سيل من القوانين، وجدنا في هذه الفترة كتابات تُراقب وندوات تُمنع، ومراسلون صحافيون يضيق عليهم الخناق، وانبرت أصوات تذكِّر بالحرية المسئولة في إشارة إلى الخطوط الحمر التي لا يجوز تجاوزها.

وتقول عصمت: على رغم كل هذا الصعود والهبوط والأماني المتذبذبة فإن كل شيء في المشروع الإصلاحي يجري بتوقيت وميعاد، وذلك من أجل إنجاح كل خطوة وحتى لا يؤثر حدث على مسيرة حدث آخر... في هذه الفترة وعلى مدى شهرين أنجزت اللجنة الفرعية المنبثقة عن تفعيل ميثاق العمل الوطني قانون المطبوعات والنشر، وعندما انتهى إلى الدائرة القانونية لمجلس الوزراء كانت قوانين عدة صدرت بمراسيم ملكية، وعندما انتهت الانتخابات التي شهدت سجالا بين المشاركين والمقاطعين، بين الحكومة وبين المعترضين على الدستور المعدل، بعد أسبوع من الانتخابات الجدلية صدر قانون المطبوعات والنشر وذلك في نهاية أكتوبر/ تشرين الأول 2002.

قراءة إعلامية

وأضافت عصمت الموسوي أن القانون الجديد أنجز على عجل بدليل أنه حفل بالأخطاء القانونية والطباعية والمسميات (المحاكم المختصة) وبعض التعبيرات الواردة فيه تعود إلى قانون المطبوعات والنشر القديم (قانون 1979)، وتسود القانون إجمالا روح الخوف من الصحافة والصحافيين ومن الكلمة فهو يضع قيودا صارمة على منح تراخيص إصدار الصحف، يمنح صلاحيات كبيرة لوزارة الإعلام (السلطة التنفيذية)، ولجمعية الصحافيين المختلف عليها، تمتلئ مواده بالحبس والغرامات والعقوبات التي تزيد على ما ورد في القانون القديم، بعض نصوصه مبهمة، وكل ما ورد من تسهيلات للصحافي ليست إلا من قبيل توفير الماء والخبز للكائن الحي حتى يستطيع الحياة، لأنه من دونها لا يستطيع الصحافي أن يمارس دوره.

وعلى رغم كل ما قيل عنه وحتى بعد إعلان الحكومة تشكيل لجنة للنظر في تعديله فإن المسئولين الرسميين منذ يوم إصداره وحتى اليوم لم يحيدوا عن النظر إليه على أنه قانون قائم، وساري المفعول منذ صدوره، وبعد أن أقرت الملاحظات التي أبدتها اللجنة أرسل إلى الشئون القانونية ثم إلى اللجنة الوزارية المعنية بالقوانين ثم إلى مجلس الوزراء ثم إلى مجلس الشورى، وبعد أن قيل إن أحد نواب الشورى سيطرحه على المجلس عدل عن رأيه، وما يقلق أن المسئولين في الحكومة لا يستخدمون حتى صيغة القانون المجمد أو المعدل محبذين التعبير بـ (قانون أعيد النظر فيه)، ولذلك هناك ثمة خشية من أن تمر الأيام ويصير أمرا واقعا، وكلنا يعلم أن المرسوم بقانون لا يتغير هكذا بسهولة... إنما يتغير بمرسوم بقانون آخر.

وعلى خلاف ما يتصور الكثيرون فإنني أرى أن السلطات الممنوحة لجمعية الصحافيين في القانون ليست أمرا سيئا لو أن هذه الجمعية نالت توافق الصحافيين، فالمشكلة أن ثمة اختلافا عليها.

وعليه، فإنني أثمن الدور الذي سيعطى لأي كيان أو مؤسسة للصحافيين في القانون سواء أكانت نقابة أم جمعية بشرط أن تمثل الجسم الصحافي تمثيلا حقيقيا وتكون موضع تراض من جميع الأطراف.

حرية التعبير والنشر

وتوضح الموسوي أنها أصيبت بخيبة أمل كبيرة، حين قرأت القانون شعرت بأن قانون أمن الدولة تسلل خلسة ومن الأبواب الخلفية إلى القانون الجديد، وفي حين ردد المسئولون الرسميون أنه يجب النظر بحسن نية إلى القانون رأيت أن المشرّع الذي وضعه رأى الصحافي البحريني على أنه «بعبع» وعدو، والصحافيين كأنهم جيش غازٍ تنطبق عليهم الآية القرآنية الكريمة «وأعدو لهم ما استطعتم من قوة».

إن القانون سعى إلى حماية كل الأطراف التي قد تصيبها الكلمة بسهامها وصنفت في القانون بعدة مواضع، الذات الملكية، الأديان، الوحدة الوطنية، الهيئات التشريعية، ممثلو الشعب، موظفو الجهاز التنفيذي، السلَّم العام، الآداب، باختصار قانون أمن حرية التعبير والإعلام والمطبوعات من شأنه بكل هذه القيود أن يضمن السيطرة الماضية التي يتذكرها البعض.

وحين يردد المسئولون أن في تاريخ المحاكمات في البحرين لم يُحاكم أحد (أيام قانون أمن الدولة) فإن الصحافي كان يُفصل ويظلم حتى من دون محاكمة، فإن بلغها فلن ينصف فيها... أما اليوم فيراد للصحافيين أن يمتثلوا لقانون ومحاكمات وغرامات وحبس و«بالقانون» كان القهر يجري عرفاَ على رغم أننا نعلم أي مستوى من الصحافة عشناه في تلك الحقبة... يصعب القول إنها صحافة، بل أوراق هزيلة المضمون والمخبر.

الحالة الراهنة

وتضيف الموسوي، قائلة: إن حرية التعبير بخير قياسا بما كنا عليه في السابق، فالناس اليوم تقرأ الصحف وتثق بها، ولأن قارئا جديدا أيضا نشأ في أعقاب صدور صحيفة ثالثة ولأن المطبوعات الجديدة التي تصدرها الجمعيات والمواقع الإلكترونية تخلق أيضاَ قراءة من نوع معين، إذ لم تعد صحفنا التقليدية هي المصدر الوحيد للخبر والرأي والمعلومة، ولأن التجاذبات والحوارات التي يعيشها المجتمع البحريني والتي تجد تعبيرا لها في الصحافة تدل على أننا نعيش حالا صحية إعلاميا ونمارس بعضا من اللعبة السياسية التي كانت مفتقدة في الماضي.

وان الفزعة التي قوبل بها قانون المطبوعات الجديد والتي كنت أتمنى ألا تقتصر على الصحافيين والإعلاميين باعتبار أن حرية التعبير مكسب حققناه طوال العامين الماضيين، ويجب عدم السكوت عن أي انتقاص له، بل نصرّ على مواصلته والاشتغال على رفع سقفه.

والتنافس الحيوي الذي نشهده بين الصحف اليوم جميل وواعد، أين نحن الآن من زمن كانت الصحيفة فيه تقرأ من الخلف، أو من المقالات، ولا تستغرق سوى ثلاث دقائق، بينما يتصدر الخبر اليوم أهم مادة لدى القارئ، وهو ـ أي الخبرـ ما تتنافس عليه الصحف فيما بينها.

والتنافس الإعلامي والتجاري بشقيه هو الذي جعل بعض الصحف تتلحلح قليلا وترفع عنقها وتسمح لنفسها بهامش أكبر من الحرية... وان امرأة متظلمة في إحدى محاكم الشرع قد تتصدر صورتها الصفحة الأولى وتنتقد المحاكم وتشير إلى بعض مسلكيات القضاء وهي التي كانت في الماضي لا تجد مساحة في بريد القراء

العدد 160 - الأربعاء 12 فبراير 2003م الموافق 10 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً