كثر عقد المؤتمرات العلمية وورشات العمل عن كيفية زيادة سلامة طاقم الملاحة والركاب لتكنولوجيا النقل الجوي والبري والبحري، في العام الماضي. وكانت هذه اللقاءات العلمية متناغمة مع التطورات التكنولوجية في ميدان الحافلات المستقلة (أو الثقافية) المجردة من السائقين وطواقم الملاحة.
وكانت المجموعات العلمية العاملة في هذه التقنية ترغب ولسنوات كثيرة في انزال افكار السفر التلقائي، للسيارات الذكية (من دون سوّاق) أو ملاحة الطائرات لنفسها في اعالي السماء أو سفن من دون ملاحين في أعماق المحيطات إلى الواقع العملي.
وقد قطعت وسائل النقل، الجوية والبرية والبحرية ، المجردة من الملاحين اليوم شوطا كبيرا ومهما نتيجة التطور الهائل في مجال «الاتمتة».
دور تكنولوجيا المعلومات
احدثت تكنولوجيا المعلومات انقلابا شاملا في تكنولوجيا «الأتمتة» واستعاضت عن دور الانسان في العمل والحركة والقرار، وهو أمر كان يحلم الانسان بتطبيقه منذ زمن طويل لكنه لم يستطع ادراكه في عصر الماكنة، وهو اليوم قادر على الوصول إليه.
ساعد اكتشاف التراتزستور والتقدم الواسع في ميدان اشباه الموصلات (Semiconductor) على انجاز أول رقيقة للسليكون والتي كان لها الأثر الأكبر في ظهور المعالج الصغري (Microprocessor) فيما بعد.
أعلنت هذه التطورات ابتداء عصر المايكرو أو الدقيق (Micro) وظهور تكنولوجيا المصغرات «Miniaturisation» التي ساهمت بشكل هائل في تنظيم السيطرة في عمليات التصنيع وسمحت بإحداث نوعية وانتاجية كفوءة ذات ادامة عالية وسعر منخفض، وتختصر الحاجة إلى خطوات أكثر كتلك المستخدمة في نظم السيطرة التقليدية. والأكثر من ذلك هو امكان تشخيص الفشل أو الخطأ في المراحل الأولى من التصنيع ثم المحافظة على عملية الاستمرارية الصناعية. وهذا ناتج من كثرة الاختبارات الاوتوماتيكية والفحوص الشاملة التي تتم خلال التصنيع من خلال استخدام طرق اختبار معقدة تقلل الطلب على المهارة الفائقة للمشغلين. اي ان ابعاد عملية الانتاج تفحص وتدقق ذاتيا باستمرار خلال التصنيع، والقياسات الكثيرة تحلل من قبل نظام المعالج الصغري. وهذا ما طور مفهوم وطبيعة الاوتوماتيكية ودورها المتميز في انتاجات متقدمة ستدخل الأسواق في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين. وربما الأهم أن الاوتوماتيكية اعطت زخما هائلا للمكونات الأساسية في تكنولوجيا السفر التلقائي (من دون طاقم ملاحة) والمتضمنة للكاميرات الرقمية (Digital Cameras) وماسحات الليزر (Laser scanners) والمجسسات تحت الحمراء (Infrared Sensors) فضلا عن تطور برمجيات هذه التقنية.
طائرات «سمتية» من دون طيارين
يبدو ان تكنولوجيا الطائرات من دون ملاحين قد وصلت الى مرحلة متطورة جدا، إذ تمثل تقنية الطائرات المروحية التلقائية واحدة من أكثر وسائل النقل تقدما في هذا المضمار. وقامت النماذج التجريبية لهذا النوع من المروحيات بعدة رحلات جوية ناجحة فوق القطب الشمالي حديثا.
وايجابيات الطائرات المروحية من دون طيارين هي في قدرتها على القيام بعمليات المراقبة، او البحث والانقاذ، وتعقب ورصد المجرمين من الجو وفي ظروف استثنائية. وربما الايجابية الأخرى الأكثر أهمية هي بلوغها نقاطا أو مناطق لا يتجرأ ملاح الطائرة على الوصول إليها والحوم فوقها. وعلى سبيل المثال التحليق فوق حريق في الغابات، أو التحليق بعيدا في أعماق اجواء المحيطات وغيرها.
وبدأ التخطيط لتصميم طائرات مروحية مجردة من الطيارين في بداية السبعينات من القرن العشرين. وكانت تصورات المهندسين والتكنولوجيين آنذاك ان تتم قيادة الطائرة من قبل مجموعة كمبيوترات وكاميرات وأجهزة ملاحة. وكان التحدي الجوهري لترجمة افكار ومفاهيم هذه التقنية من طاولة الرسم والتخطيط إلى النماذج التجريبية العملية هو في كيفية تصميم نظام ملاحي يحدد موقع الطائرة من الجو.
وكانت التصورات الأولية لتحسس حركة الطائرة في الجو من خلال الاعتماد على نظام القصور الذاتي (Interial Sensing) الأرضي أو النظام الشامل للأقمار الصناعية (GPS).
ورأى فريق التصميم فيما بعد ضرورة تقليل دور الاقمار الصناعية، او نظام التوجيه الأرضي، وذلك بهندسة نظام رؤية للطائرات المروحية المتكون من كاميرات تحت الحمراء وأجهزة ليزر ورادارات. ويمكن لهذا النظام المسمى بـ «Visual Odometer» والمتكون من الأجهزة المذكورة، الاقفال على اشياء محددة على الأرض، باستخدام الوقت الحقيقي، تحسس موقع المروحية النسبي. وعندما تبتعد هذه الأشياء عن انظار الطائرة بالنظام هذا، الموجود على متن الطائرة، يختار معالم أخرى لتحسس حركة الطائرة وهكذا تستمر العملية إلى أن تنتهي رحلة الطيران وتنجز المهمة.
وعلى رغم قيام فريق البحوث باختبار المروحية في رحلات عديدة، فإنه لاتزال هناك بعض المشكلات العالقة مثل مستوى التشويش، ومحدودية المدى بالنسبة إلى الكاميرات تحت الحمراء. وبدأ العلماء باختبار اجهزة جديدة ككاميرات سي. سي. دي (CCD) واستعمالها «كعيون» للطائرة. واثبتت التجارب العملية فيما بعد أن كاميرات «CMOS» الرقمية المؤلفة من الترانزستورات المستعملة في معظم الرقائق الإلكترونية التجارية هي الحل الأمثل لتميزها بقدرات أفضل من الكاميرا السابقة. ويسعى الأميركيون واليابانيون إلى تطوير كاميرات تلتقط صورا بسرعة عالية للغاية ذات كفاءة وجودة ونوعية، فضلا عن تمتعها بمرونة في السيطرة والتواصل مع البرمجيات والأجهزة الأخرى الخاصة بنظام الرؤية.
ويخطط فريق البحوث، بعد حل بعض المشكلات الطفيفة لنظام الرؤية، عرض الطائرة على الأسواق التجارية. ويشير مسئول فريق البحوث إلى موضوع السلامة باعتباره الموضوع الأهم عن عرض الطائرة المروحية على الأسواق التجارية بسبب الحاجة إلى تطبيق اجراءات السلامة الصارمة لادارة الطيران الأميركي. ويضيف المسئول «ان الطائرة معوّل عليها وهي أفضل من طائرات الطاقم خصوصا في رحلات السرعة العالية وعلى مستويات منخفضة».
السيارات الذكية
طرحت شركة سيارات ديميلر بنز (Daimler Benz) في الأسواق الكبيرة للفترة القصيرة الماضية رادارات تستخدم سيطرة الأتمتة (Automatic Cruise) للسيارات التي تجوب الشوارع بسرعة أكثر اقتصادا للوقود.
وتبحث واحدة من كبريات الشركات اليابانية لصناعة السيارات في كيفية استخدام ماسحات الليزر لاداء الغرض نفسه. اضافة إلى ذلك تطور شركة «اسستانس ويرتكنولوجي» (Assistance Ware Technology) نظام سوفت وير يقوم بتنبيه سوّاق الشاحنات الكبيرة اثناء النعاس أو الزيغ عن شارع (مسار) السفر.
كما وجد اسطول شبه اوتوماتيكي من باصات هيوستن مترو وزوج من شاحنات صغيرة من طراز بونتياك «Pontiac Bonneville» واولدزمبيول «Oldsmobile» طريقهم لأول مرة، قبل سنتين، في شوارع مدينة سان دييغو الأميركية.
وتشكل الأمثلة المذكورة علامات واضحة على مواصلة التقدم في تكنولوجيا النقل البري الأوتوماتيكي (حافلات من دون سواق) التي يتوقع لها زيادة سلامة الركاب فضلا عن تقديمها حلا حاسما لزحمة المرور في القرن الواحد والعشرين. وتجسد الخطوات الواسعة في هذا المضمار سلسلة أبحاث مختبرات الملاحة لجامعة ملين «Carngie Melline» التي جرّبت حديثا نظاما اوتوماتيكيا على متن حافلات برية يعتمد على كاميرات رقمية وكاميرات ليزر ورادارات متطورة. وتمكن هذه الأدوات الأساسية الحافلات من قيادة نفسها تلقائيا وبسرعات عالية بشرط اتباعها الاتجاه نفسه على المسار وتجنبها للعواقب امامها.
وتتمتع حافلات الأتمتة البرية بسمة ايجابية لا يمكن توافرها في المروحيات الأوتوماتيكية وهي تماسها بالأرض بشكل مستمر ما يوفر مرجعية (Reference) لتحسس حركة السيارة. وهذه الصفة الايجابية كانت غير موجودة لمجموعة ابحاث معهد الربوت من الجامعة نفسها وعندما بدأت أول مشاريعه الاوتوماتيكية من دون طاقم ملاحة بشري هو كفاءة نظام الرؤية على متن السيارات او الباصات المستخدمة لنظام سوني لانجاز عمليات التحسس وجمع الصور عبر كاميرات متطورة طوال مسار السفر. وتقدم عمليات برمجة الوقت المتطورة في النظام لمعالجة الصور عن الشارع المستخدم وتطبيق، بموجب معلومات وتفاصيل الصور، نظام القيادة الاوتوماتيكي للسيطرة على عجلة القيادة أو الفرامل لكبح سرعة عجلات الحافلة.
وتوجد تطورات اولية لتحسس ممرات السير من قبل برمجة خاصة في نظام الرؤية التي تقوم بتمييز العلامات (Markings) خصوصا، في الممر الوسطي، واعتمادا على المواقع النسبية لهذه العلامات يحدد السوفت وير أفضل مسار تتبعه الحافلة.
وتوجد تحديات تقنية في الوقت الحاضر عن كيفية تشخيص ممرات السير على الشوارع عند عدم وجود علامات بارزة على ممرات الوسط، كولاية كاليفورنيا الأميركية على سبيل المثال للشوارع السريعة في كثير من المدن والبلدان.
واثبت فريق بحوث «Jochem» الالمانية بقدرات كاميرات CMOS الرقمية وافضليتها عن البديل المستعمل لبعض الانظمة المستخدمة ولكاميرات سي. سي. دي (CCD).
ومحدودية كاميرات (CDD) وعدم حساسيتها للعلامات البارزة على مسارات السفر للشوارع السريعة كانت متطابقة مع فرق بحوث سيارات Argo لجامعة بارما الايطالية. ويتفق معهد Traunhofer في المانيا كذلك على قدرات كاميرات CMOS وكفاءتها العالية عند دمجها في نظام الحافلات الاوتوماتيكية.
ويعتبر تعقب مسارات السفر وعلاماتها جزءا واحدا من معادلة ملاحة سيارات وشاحنات اللاطاقم في شوارع المستقبل.
وتتضمن الأمور الأخرى تحسس العوائق ثم تحاشيها اضافة إلى المحافظة على سرعة السفر والتمييز بين الجماد والانسان وكيفية تنبيه نظام القيادة الآلي إلى وجود انسان أمام الباص أو السيارة.
وتقوم التجارب الآن على نصب كمبيوترات مع كاميرات Sterovision في مقدمة الباص أو السيارة التي يعتمد عملها على أخذ صور للانسان وارسالها إلى برامج تشخيص، تأخذ في الاعتبار الحجم والهيئة والثلاثة أبعاد، لتعطي بعدها تعليمات لنظام القيادة.
وينصب رادار ثان في مؤخرة السيارة أو الباص لتحسس السيارات السريعة عقبها عند وصول الحافلات الأخرى لمسافة ما تقارب 100 متر خلف الشاحنة. وعندما يتحسس الرادار فشل نظام القيادة بعمل شيء او تفادي قرب المسافات بين الحافلة والسيارات التي تعقبها يبعث اشارات انذار ضوء متقطع مع اطلاقة زمّار قوي. ويجمع فرق البحوث في الدول التي تقوم بهذه المشروعات على أهمية الرادار وكونه الخيار الأفضل لمعظم تطبيقات الملاحة للحافلات الأوتوماتيكية. هذا طبعا لا ينفي أهمية ماسحات الليزر لكن ربما دورها سيكون صغيرا في سيارات المستقبل. ويعتقد معظم الخبراء أن الشاحنات البرية الكاملة الأتمتة ستأخذ بعض الوقت حتى تصل الأسواق التجارية بكلفة معقولة وأداء عال. وستنبثق سيارات أو شاحنات الأتمتة، كالمروحيات الأوتوماتيكية، في املاء فراغ كبير في الأسواق التجارية وهي قادرة على القيام بمهمات يصعب على الحافلات التقليدية اداءها فضلا عن دورها المهم في حل مشكلة المرور والزحمة الشديدة التي ستكون سمة القرن الواحد والعشرين
العدد 172 - الإثنين 24 فبراير 2003م الموافق 22 ذي الحجة 1423هـ