العدد 180 - الثلثاء 04 مارس 2003م الموافق 30 ذي الحجة 1423هـ

«مهزلة العقل البشري»

قراءة سوسيولوجية في كتاب علي الوردي

لم يكد معاوية يموت حتى حدثت حادثة هزت المجتمع الاسلامي هزا عنيفا، تلك هي مأساة كربلاء التي قتل فيها الحسين بن علي. وهذه الحادثة انتجت آثارا اجتماعية بالغة، قلما نجد لها مثيلا في التاريخ، ونحن اليوم لا نستطيع ان نتبين آثارها تلك بوضوح، فقد دس المحبون والمبغضون عواطفهم في تصويرها فأخرجوها عن حقيقتها الاجتماعية الاصيلة.

كان شهادة الحسين تتمة لشهادة ابيه العظيم، وقد يصح ان نقول ان مأساة كربلاء اضافت إلى مأساة الكوفة لونا جديدا. ولولاها لما أحس الناس بأهمية تلك المبادئ الاجتماعية التي نادى بها عليٌّ في حياته. فقد صبغ الحسين مبادئ أبيه بالدم وجعلها تتغلغل في اعماق القلوب تغلغلا عميقا.

صارت مأساة كربلاء بمثابة الصرخة المدوية، إذ اخذ المسلمون يلهجون بها ويبالغون في تصويرها، شأنهم في ذلك شأن كل أمّة تشعر بالحيف من حكامها وتبحث عن سبب للنقمة عليهم. واتخذت المعارضة مقتل الحسين شعارا لها تنادي به في كل مكان. وقد شعر بنو أمية بالغلطة الكبرى التي تورطوا بها في مقتل الحسين، فحاولوا مداواة الجروح، ولكن محاولتهم جاءت بعد فوات الاوان.

ومن مفارقات التاريخ ان تتخذ الدولة الاموية مقتل عثمان شعارا لها، ثم تأتي المعارضة بعد ذلك فتتخذ من مقتل الحسين شعارا مضادا. وصار التاريخ الاسلامي يتأرجح بين هذين المقتلين زمنا. فكان كل فريق يبالغ في تصوير شعاره وفي إذاعته بين الناس. أحدهما يبكى على عثمان، والآخر يبكي على الحسين. يصح ان نقول ان هذا البكاء المتبادل ليس إلا صورة من صور ذلك النزاع الخالد بين الحاكم والمحكوم.

كاد الناس ينسون مقتل عثمان. ولكن مقتل الحسين باق يجالد الأيام والليالي. وسبب ذلك ان الحسين يمثل الثائر المظلوم وهو اذن دائم ما دام في الدنيا ظالم ومظلوم. يجب ألا ننسى ان الحسين ويزيد يتنازعان الحياة في كل زمان ومكان. فهما رمز التدافع الاجتماعي، ولن يخمد لهذا التدافع أوار

العدد 180 - الثلثاء 04 مارس 2003م الموافق 30 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً