العدد 180 - الثلثاء 04 مارس 2003م الموافق 30 ذي الحجة 1423هـ

إنما خرجت طلبا للإصلاح في أمة جدي محمد

الحسين بن علي (ع):

ولد الإمام الحسين بن علي (ع) في العام 626م، وأسماه جده رسول الله (ص) حسينا. عاش مع أخيه الحسن في أحضان الرسول (ص) والإمام علي (ع)، وكانا من جنود الإسلام وشاركا في الجيش الإسلامي في عهد الخليفة عمر بن الخطاب (رض). كما عاصر انتصارات الإسلام وعاصر حروب الفتنة في عهد والده الإمام علي، والخيانة التي تعرض لها أخوه الإمام الحسن.

توفى أخيه الحسن في العام 670م، وبعد ذلك بعشر سنوات، في العام 680م توفي معاوية بن أبي سفيان. في ذلك العام (680) كتب يزيد بن معاوية الى واليه في المدينة المنورة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان يأمره بأخذ البيعة من الإمام الحسين لحكم يزيد، وألا يتأخر في الأمر مهما كانت الظروف.

بعث الوليد إلى الحسين يأمره بالحضور إلى مجلسه على عجل، إلا أن الحسين علم بما يريده الوليد فأخذ معه عدد من أهل بيته وأتباعه وأمرهم بالاستعداد للقتال. ذهب الحسين إلى الوليد وكان مروان بن الحكم في المجلس. وبمجرد وصول الحسين باشر الوليد حديثه مبلغا الحسين بوفاة معاوية بن أبي سفيان، وقرأ رسالة يزيد التي تطلب منه أخذ مبايعة الحسين.

غير أن الحسين قال للوليد إن المبايعة تتم في العلن وليس في السر، متسائلا عن السبب في الاستعجال... فوافق الوليد على طلبه تأجيل الأمر إلا ان مروان بن الحكم قاطع الحديث مشيرا إلى الوليد ان خروج الحسين من دون بيعة يعني عدم حصول بيعته أبدا، واقترح سجن الإمام الحسين حتى يعطي البيعة...

إلا إن الحسين صرخ في وجه مروان بن الحكم معطيا بذلك إشارة لأصحابه الذين اختبأوا بأسلحتهم لحمايته، فدخلوا المجلس معلنين استعدادهم للقتال إذا تطلب الأمر... ما حدى بالوليد أن يتنازل ويترك الإمام الحسين يخرج من المجلس.

بعد يوم واحد بعث الوليد بعض أصحابه إلى الحسين طالبين البيعة، إلا أن الحسين ردّهم قائلا: تعالوا في الصباح. وخلال الليل خرج الحسين إلى مكة ومعه أولاده وأبناء أخيه الحسن وعدد من أهل بيته ما عدا محمد بن الحنفية الذي كان مريضا وحاول منع الحسين من الخروج خوفا عليه.

وصل الإمام الحسين إلى مكة في اليوم الثالث من شعبان، وما أن عرف أهل مكة بوصوله توافدوا عليه لزيارته والتزود من علمه...

في هذه الأثناء وصلت أنباء يزيد بن معاوية إلي الكوفة، وعلم أهل الكوفة ان الحسين رفض البيعة ليزيد، فاجتمع أعيانهم في منزل سليمان بن صرد الخزاعي، وقرروا مبايعة الإمام الحسين حاكما عليهم فكتبوا إليه يناشدونه المسير إلى الكوفة لقيادة الجيش الذي اجتمع وأعلن المبايعة للحسين بموافقة جميع قبائل العرب هناك وجميع الذين يقطنون الكوفة.

استجابة لهذه الرسائل قام الحسين بإرسال سفير له إلى أهل الكوفة، وهو مسلم بن عقيل وأعطاه إرشادات لتنظيم الحكم والجيش في الكوفة استعدادا لقدومه.

ذهب مسلم إلى الكوفة وسكن في منزل المختار بن عبيد، وبدأ أهل الكوفة يتوافدون عليه، وكلما اجتمع لديه عدد من الناس قرأ عليهم رسالة الحسين إلى أهل الكوفة، وبعد ذلك يعلن المجتمعون بيعتهم للحسين حاكما عليهم. وبعد أيام قلائل بعث مسلم رسالة إلى الحسين يخبره ان ثمانية عشر ألف كوفي أعلنوا بيعتهم ويحثه على الإسراع إلى الكوفة.

حاول النعمان بن بشير (الحاكم الأموي على الكوفة) منع الناس من الاستمرار في تقديم البيعة للحسين ولم يستطع، فقام عبدالله بن مسلم (أحد أعوان الحكم الأموي) بالكتابة إلى يزيد يخبره بما يحدث في الكوفة وعن عجز النعمان عن السيطرة على الامور. وصلت الرسالة إلى يزيد وكان معه أحد مساعديه (ويدعى سرجون، وهو من بقايا الدولة البيزنطية التي كانت تحكم الشام قبل الإسلام)، فطلب استشارته لأنه كان خبيرا مقربا منذ بدء الحكم الأموي، فأشار بإزالة النعمان وتعيين رجل شرس بدلا عنه، واقترح اسم «عبيدالله بن زياد بن أبيه».

وهكذا ارتحل عبيدالله بن زياد إلى الكوفة لابسا عمامة سوداء، ودخل الكوفة بعد أن أمر بتجهيز جيش للقتال. دخل الكوفة وحسبه أهلها أنه الحسين (ع)، فاستقبلوه استقبالا حارا بـ «السلام عليك يا بن رسول الله»... ولذا عندما حاول عبيد الله دخول قصر الحاكم (النعمان) منعه الحرس لاعتقادهم بأنه الحسين وكان النعمان داخل القصر خائفا. ولم يستطع عبيدالله الدخول إلا بعد ان اقتنع النعمان انه ليس الحسين.

وفي الصباح دعى الناس للصلاة جماعة، وحسب الناس ان الحسين يناديهم... وإذا بعبيدالله بن زياد يخطب فيهم معلنا حكم يزيد بن معاوية وانه الوالي عليهم، مهددا إياهم بأن جيش الشام على الأبواب وانه ستتم معاقبة كل من لا يعطي البيعة ليزيد.

تسلم عبيدالله بن زياد زمام الأمور والناس خائفون من محاصرة الجيش الأموي الذي لم يكن موجودا في تلك الفترة، وبدأ يبحث عن مسلم بن عقيل، ووعد بالمال كل من يوفر معلومة عن مكان وجوده... وهكذا انقلب الوضع بعد أن تخلى أهل الكوفة عن مسلم بن عقيل وسلموه لعبيدالله بن زياد لقتله وقتل أعوانه الذين وقفوا معه حتى آخر لحظة...

يقول الفرزدق إنه ذهب للحج في العام 680م، وفي الطريق إلى مكة التقى بالحسين بن علي وهو خارج من مكة، فذهب وسلّم عليه، فسأله الحسين عن أخبار الكوفة وأهلها، فأجاب الفرزدق: «قلوبهم معك وسيوفهم عليك». إلا أن الحسين قرر المسير إلى العراق لأن الوضع كان يتحرك باستمرار، ولم يكن بعد يعلم بانقلاب أهل الكوفة.

استمر الحسين في مسيرته والتقى بعض الأشخاص في الطريق وسألهم عن الكوفة فأجابوه بأنهم لم يستطيعوا دخولها لأنهم منعوا من ذلك... وبعد ذلك عرف من بعض المسافرين عن مقتل مسلم بن عقيل.

جمع الحسين أصحابه وأنصاره وأخبرهم بمقتل مسلم وانقلاب أهل الكوفة، وان الوضع انقلب، والخطة تغيرت من تسلم حكم الكوفة إلى مواجهة الجيش الأموي، فرحل عن الحسين أناسٌ كثيرون وبقي معه سبعون مقاتلا من أهله وأعز أنصاره.

وبينما الحسين يسير وإذا بألف فارس بقيادة الحر بن يزيد الرياحي (التميمي) يتصدون لقافلته ... أمر الحسين أنصاره بالاستعداد ونصب الخيام والتزود بالأكل والماء... واستعد الطرفان للمواجهة... غير أن الإمام الحسين رأى جنود الحر عطشى فأمر لهم بالماء...

قَدُم الحرّ من القادسية بألف فارس ووقف أمام الحسين، حتى حان وقت الصلاة... فأمر الحسين بالأذان أن يرفع، وخرج لإمامة الصلاة، وإذا بالحر وجنوده يصطفون خلف الحسين للصلاة...

بعد ذلك طلب الحسين الرسائل التي تسلمها من الكوفة ليقرأها الحر وأصحابه... إلا أن الحرّ قال إنه لم يكن يعرف بوجود مثل هذه الرسائل، بينما قال بعضهم إنهم ليسوا معنيين بها لأنهم لم يوقعوا عليها...

أمر الحسين صحبه بالمسير إلا أن الحرّ اعترض الطريق قائلا إن لديه أوامر بمنع الحسين وأصحابه ... تقدم الحسين مع صحبه إلى الأمام وساروا فسار بجنبهم الحرّ وجيشه ما اضطر الحسين لتغيير وجهته حتى وصلوا إلى منطقة تسمى «نينوى» هي نفسها «كربلاء»...

ولدى وصول الجميع إلى نينوى وصل فارس إلى المكان فسلم على الحر ولم يسلم على الحسين، وسلم رسالة موجهة من عبيدالله بن زياد إلى الحر تأمره باصطحاب الحسين إلى مكان معين ليس فيه ماء أو بشر.

وما إن علم أصحاب الحسين بهذا الأمر حتى استعدوا للقتال، إلا ان الحسين أمرهم بعدم البدء بالقتال لأن ذلك ليس من أخلاق الإسلام. كان ذلك في اليوم الثاني من محرم العام 61 هـ (680م).

في اليوم التالي خرج عمر بن سعد بن أبي وقاص بجيش عدده أربعة آلاف فارس ووصلوا إلى نينوى وبدأ بإدارة الوضع ومراسلة عبيدالله بن زياد. وكتب الأخير إليه يأمره بتخيير الحسين بين البيعة لعبيد الله بن زياد او القتل. وبعدها وصلت رسالة اخرى تأمر عمر بن سعد منع الحسين من شرب الماء، واستمر الوضع حتى يوم العاشر من المحرم.

في يوم العاشر وبعد ان صلى الحسين الظهر والسهام تنهال عليه بدأت معركة غير متكافئة في العدد وانضم الحر الى الحسين بعد ان رأي الغدر والخيانة ولم يشأ ان يكون مع الظالمين فسقط شهيدا في الصف الحسيني.

قتل انصار الحسين الواحد تلو الاخر حتى بقي وحيدا فريدا على رمضاء كربلاء معلنا انه خرج طالبا للاصلاح في امة جده محمد (ص)

العدد 180 - الثلثاء 04 مارس 2003م الموافق 30 ذي الحجة 1423هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً