الحسين عليه السلام في إنسانيته السامية، تلتقي شعلة النبوة المقدسة بالفطرة المثالية الفذة، وتزدحم المعاني والصور، ورموز العالم المجهول. فهو روحٌ إلهي في طبيعة بشرية، ومعنى غيبي في حروف من أشباح الوجود. وكذلك تُعطى يد الله الصناع بعض المعالم الحية سرا من أسرارها يكون لها به ما للأحجار الكريمة من خلب وبهجة ورواء. وتمسحه بميسم نورها، فتبدو درّة وضية في حدود المادة الطامسة المظلمة.
وهذا بعض من إعجاز الله في الخلق أو جانب من دلائل القدرة الغيبية في الناس. وهذه المعالم الحية تشتق من طينة الإنسان وطبيعة الإنسان، لتبلغ بهم العظة وتتم فيهم حجة الله.
وهؤلاء يكونون من النوع الإنساني كمعنى الإنسانية، فيهم حقيقته وفيهم معناه السامي، وهذا هو السر في إكبار الجماعة لأولئك الرموز البشريين لأن فيهم ما توزع في الجماعة على مثل عدسة البلور تجمع خيوط النور وتضمها في بؤرة لتعكس شكلا متجانسا من أشكال متفاوتة.
فهذه الحبكة والألفة التي تبدو مصورة في شخص العظيم، هي التي تجمع عليه الإعجاب، وتقدم فيه النفوذ والسيطرة والقوة.
وسر الشخصية وإن لم يتّضح في ظاهرة أو ظاهرات محدودة، ولم يتحدّد كما لو وضعت عليه اليد. فلم يزل يغزو القلوب؛ ويقتحم النفس من مناطقها الخفية، ويسيطر على الفضاء النفسي سيطرة الإسبات والإخبات.
وكبرياء الشخصية ترجع الى ما تبالغ به من وجودها بحيث تبدو وحدها فقط، ويتلاشى معها الوجود الشخصي للأفراد
العدد 190 - الجمعة 14 مارس 2003م الموافق 10 محرم 1424هـ