العدد 210 - الخميس 03 أبريل 2003م الموافق 30 محرم 1424هـ

إقصاء الذاكرة

يبدو أن التعاطي مع أدبنا الشعبي عموما، والشعر منه خصوصا، يعاني من عقدة نقص غير خافية على الكثيرين ممن هم على صلة مباشرة بمستويات ذلك الأدب. وتكاد منطلقات ذلك التعاطي تكون ممتدة في الثقافة العربية ذاتها عبر رفضها وحذرها وأحيانا خجلها من التعامل مع الثقافات الفرعية... والأدب العامي... وهو عين الطرح الذي عالجه الباحث السعودي سعد الصويان في كتابه «الشعر النبطي... ذائقة الشعب وسلطة النص»... الصادر عن دار الساقي، إذ يتساءل في مقدمة كتابه: «لماذا ترفض الثقافة العربية، من دون غيرها من الثقافات العالمية، التعامل مع الثقافات الفرعية وآدابها العامية برحابة صدر وموضوعية؟ لماذا نتعامل، من دون غيرنا من الأمم، مع هذا الموضوع بهذا القدر من التشنج؟».

رفض الأدب الشعبي والتنكر له من قبل الكتّاب والمفكرين في عالمنا العربي ظاهرة تكاد تنفرد بها الأمة العربية. هذه الظاهرة الفريدة يمليها ما للشعوب العربية والإسلامية من خصوصيات حضارية تضرب بجذورها في أعماق التاريخ العربي والإسلامي من ناحية، وما تعاني منه الأمة العربية في وقتنا الحاضر من تخلف فكري وثقافي من الناحية الأخرى».

مثل ذلك التساؤل والطرح الذي يجلي أبعاده وملابساته الصويان في كتابه آنف الذكر... يؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن مثل ذلك التعاطي الخجول أو ذلك الذي يعمد الى الإقصاء والترفع، انما يكشف عن خلل جلي ينتاب البنية الثقافية العربية، وهي ثقافة تكاد تعمد الى إقصاء الذاكرة من نسيجها... باستبعادها ذلك الكم الهائل والعميق من بنيتها وأحد مرتكزاتها الثقافية .

بالنظر الى طبيعة تعاطي بعض دول العالم مع الموروث المكتسب وإن لم يمثل الغالبية العظمى من سكان تلك الدول... (استراليا وأميركا )... وتوزع ذلك الموروث بين السرد والأهازيج والأغاني الشعبية، اضافة الى الشعر، من دون أن نغفل الحرف والمقتنيات والمشغولات... أقول بالنظر الى ذلك التعاطي من خلال اقامة المتاحف ومراكز البحوث والدراسات والدعم السخي للمحافظة على كل ما يتعلق بالثقافة في جانبها الشعبي، نكتشف الهوة والفارق الكبير، بل والفاضح، في تناول أدبنا على استحياء وكأنه وصمة عار في جبين رفاهيتنا ولكناتنا بل ويذهب كثيرون الى أبعد من ذلك باعتبارها - أي الثقافة تلك - تهديدا لمجموعة الثوابت التي أقرها الدين... بل تمثل تهديدا للدين ذاته... وهو عين ما أشار اليه الصويان في الكتاب ذاته ومن خلال «الارتباط العضوي بين اللغة والدين بشعائره ونصوصه المقدسة»... وفي ظل هذه الاعتبارات «لا غرو أن تنظر المؤسسات الدينية إلى اللغات العامية وآدابها بشيء من التحفظ لأنها مظاهر وأعراض تتنافى قناعاتها وأهدافها لذلك ينبغي التصدي لها ومحاولة الحد منها»

العدد 210 - الخميس 03 أبريل 2003م الموافق 30 محرم 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً