العدد 1597 - الجمعة 19 يناير 2007م الموافق 29 ذي الحجة 1427هـ

إحرام القلوب

شهر المحرم، وما أدراك ما شهر المحرم؟ تعجز الكلمات عن وصف كنه هذا الشهر العظيم الذي عده العرب من الأشهر الحرم التي يحرم فيها القتال، وما زاد هذا الشهر تكريما وتعظيما أنه ارتبط باستشهاد سيد الشهداء الإمام الحسين بن علي (ع).

شهر المحرم، شهر الله، وشهر رسوله، وشهر أوليائه، ولو لاحظنا فإنه يتفق وشهر رمضان في مشتركات أهمها أننا فيه نتعبد الله باستذكار القيم والمبادئ والتعليمات الإسلامية، وهو موسم مناسب لتعديل السلوك ومصالحة الناس وإبداء التوبة والعزم على عدم الرجوع للذنوب والمعاصي وعدم الركون للظالمين ومعاهدة الله على السير على خطى النبي (ص) وأهل بيته (ع) في إقامة كل معروف ورفض كل منكر، فلا غرابة أن تكون أنفاسنا فيه تسبيحا وعملنا فيه مقبولا. ومن أهم ما يميز سلوكنا في هذا الشهر أنه يميل إلى الحزن لما ألمَّ بالإسلام وآل بيت الرسالة (ع) والرفض والاستنكار لما تعرض له الإمام الحسين (ع) وأنصاره بكربلاء من ظلامات من قبل أعداء الإنسان والإنسانية، فترى الحزن يرتسم على قسمات وجوهنا إذا ذُكرت عندنا مصيبة الحسين (ع)، ونمتنع في هذا الشهر عن الضحك ويوصي كل منا الآخر باحترام المناسبة العظيمة وكل فرد منا يعظم الأجر للآخر.

كما أرى أنه لا يكفي من أجل الشعور بالمصيبة أن نقوم بالشعائر الحسينية الروتينية، مع إدراكي لأهميتها، ولكن هناك شيئا مؤثرا أيضا، ألا وهو التأمل والتفكر في أسرار الثورة الحسينية الغراء في كل موقف وكل حدث وكل خطبة وكل كلمة صدرت عن الحسين (ع) وأنصاره (ع)، فلابد من الإيغال في المشاعر الإنسانية في هذا الشهر لاستدرار العَبرة وإدراك العِبرة.

يشكل هذا الشهر جوا خاصا بالنسبة إليّ، إذ إني وفي نقاشي مع أصدقائي استذكارا لأيام العشرة من محرم والحوادث التي وقعت فيه، كنت أردد أن سنة خالية من محرم ليست بسنة، ومحرم بحد ذاته سنتنا، فلو كتبت في شهر المحرم ألف مقال لما استطعت أن أصفه. عشرة شهر المحرم تختلف اختلافا كليّا ومغايرا عن باقي الأشهر، فهي بالنسبة إلينا تعتبر دورة تدريبية مدتها عشرة أيام، ولكن كل يوم فيها يحوي الكثير من الفعاليات التي تجعله حافلا، وكل يوم له طعمه الخاص، فترى الفعاليات تتنوع بين المحاضرات والحكم والمواعظ والمراثي، وتحمل هذه الفعاليات الطابع الاجتماعي فنلتقي أصدقاءنا وأهلنا ونتعرف إلى أصدقاء جدد في أجواء حميمية.

حدثني صديقي قبل عدة أيام عن ذكرياته في محرم الحرام العام الماضي، وسألني عن برنامجي هذه السنة في شهر المحرم، فأجبته: برنامجي يبدأ بعد صلاة المغرب إلى بعد منتصف الليل ومن الظهر إلى المغرب، برنامجي مزدحم ومتعب!... فرد قائلا: كل شيء يهون في سبيل الله وخدمة لمبدأ الحسين (ع).

إن كل من يسمع كلمة «برنامج» يتهمني بالتضخيم والمبالغة في إحياء عاشوراء الحسين (ع)، فأرد عليه قائلا: إن الذي قدمه الإمام الحسين عظيم من أجل إحيائنا وإحياء التعاليم الإسلامية وتحييدها عن التشوهات التي لحقتها نتيجة لمخططات الأجهزة الحاكمة في كل زمان ومكان والتي ما تفعل ذلك إلا تمسكا بعروشها... أفلا يستحق في مقابل هذه التضحيات أن نقدم جزءا من وقتنا وجهدنا؟! ليس من باب رد الجميل، فإنه ليس بمقدورنا رد جميل الإمام الحسين (ع) مهما فعلنا، فلا يعلم ما أُعدّ للإمام الحسين (ع) في الدنيا والآخرة إلا الله ورسوله (ص).

علاء الملا

العدد 1597 - الجمعة 19 يناير 2007م الموافق 29 ذي الحجة 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً