أتعلمون؟ قمة الجمال أن نزرع وردة بالحب ونسقيها بالأمل ثم نراقبها وهي تنمو وتنمو، وفي وقت قطافها تكون يانعة متألقة...
هكذا هي الموهبة إن تمت رعايتها وتنميتها وصقلها فإنها تعطي ثمارها، ولكن الملاحظ في بلادنا أن هناك بطئا وتراجعا وترددا في رعاية ذوي المواهب الصغيرة منها والكبيرة، فبلادنا مليئة بالفنانين والكتّاب والشعراء والملحنين والمؤلفين والمفكرين والمخترعين ولكن أين هم من أعين الرعاة وأيدي المهتمين وعقول المدبرين؟
إن ما يثير الحزن أننا نجد أمثال هؤلاء في الدول الأوروبية يلقون كل الرعاية والاهتمام والتقدير بشكل ملفت، أما في بلادنا فالملفت للنظر هو انغماس تلك المواهب في جني لقمة العيش على الأرصفة في بلاد أعطت خيرها لغيرها؛ فإذا كان هذا الموهوب بالكاد ينحني بحثا عن لقمته ليعيش فكيف له أن يرعى موهبته وينميها في غياب دور المسئولين والمهتمين بمثل هؤلاء الموهوبين الذين أذلهم الفقر وغياب السند؟
والمؤسف في هذا الأمر برمته هو وجود هؤلاء الموهوبين بوضوح أمام أعيننا، إذ يعيشون بكل ما يستنشقونه من عطاء وموهبة بين أحضاننا، ونحن إن لم نكن غافلين فنحن بالتأكيد نتغافل لأننا ندرك مدى الجهد الذي تحتاجه رعاية أية موهبة بغض النظر عن نوعها أو مستواها...
أليس من الجميل أن نتبنى الموهوبين ونكرس وقتنا وجهدنا وعطاءنا من أجل رعاية قدراتهم وعطاءاتهم التي هي إن صقلت سيكون رد فعلها إيجابيا على الأهل والوطن؟
إن رعاية المواهب تبدأ أولا من المحيط الأسري، وهنا يظهر دور الأبوين أولا في تشجيع أطفالهم على ممارسة هواياتهم بشكل مستمر... وهنا أحب أن أذكر لكم حكاية تلك الأم التي كان لها عظيم الأثر في صقل موهبة طفلها الصغير في الرسم... فمنذ طفولته وهو يعشق عالم الألوان والأشكال وكان الرسم شغله الشاغل، أما هي فقد تركز دورها في أنها كانت تعلق لوحاته وخربشاته الصغيرة على جدران المنزل حتى كادت الجدران تصرخ من ازدحامها بتلك الرسومات والأم تردد «الله ما أجملها!»... واستمرت الأم على هذا المنوال لتمر الأعوام ويكبر الطفل ويدخل معهد الفنون ليقوّم موهبته بالعلم، وفي أيامنا هذه نجده يقيم معارض للوحاته هنا وهناك وأمه لاتزال تسانده بكل فخر... فكم كان دورها عظيما ومؤثرا وبناء...ألستم معي في ذلك؟
ثم يأتي دور المؤسسات الاجتماعية بدءا من مراحل الدراسة الأولية... الروضة، المدرسة، فالجامعة، وهنا يأتي دور التربية قبل التعليم ليكون دور المعلم في التربية سلوكا وليس وظيفة تنتهي بانتهاء اليوم الدراسي، فكما أن الطفل بحاجة إلى دور الأهل في تشجيعه لينهض بموهبته الصغيرة هو كذلك بحاجة إلى دعم أساتذته وزملائه ليستشعر أهمية وجوده أولا ووجود موهبته ثانيا...
ثم يأتي دور المؤسسات الحكومية والفردية، ويتمثل دورها في الدعم المعنوي والمادي للموهوب لينطلق بحماسه في طريق التحدي والصبر والعطاء واللاتراجع... فهذه كلها خطوات تقوده إلى تحقيق النجاح الذي هو ثمرة يقطفها الموهوب ويقدمها على طبق من ذهب لأهله وموطنه (من أعطي الحب أعطاه وزاد عليه امتنانه).
إذا فالدور هنا الذي تلعبه الأسرة أولا ثم المؤسسات الاجتماعية - التي بات دورها شبه مرئي- في هذا المجال مهم؛ إذ باتت تلك المواهب في طريقها إلى الاندثار وهي تسير بخطوات متسارعة إلى هذا المصير، ولن يوقفها أحد ولن ينقذها أي كان إن لم تتحرك وتتكاتف الأيدي لوقفها ورعايتها قبل الانهيار في مستنقع الإهمال والإحباط الذي بات سمة ولون وملامح الموهوب البحريني إن كان فنانا أم ملحنا أم كاتبا أم مفكرا أم شاعرا أم مخترعا...
ورحمة بالطفولة العبقرية التي تتخبط في الحياة بين جدران الروضات والمدارس وهي تردد أغنيات طفولية أكل عليها الدهر وشرب، ورسومات تنتهي أهميتها بانتهاء الدرس، وأيد صغيرة تخط بالحروف المرتعشة تفتقد حس الهجاء تحاول أن تقص حكاية طفولية لن يستطيع أن يخط نهايتها إن لم تضع الرعاية يدها على يده لينهيها نهاية مشرقة فحواها النجاح... فهل نحن أهل لرعاية تلك المواهب أسرة ودولة؟
نوال الحوطة
العدد 2247 - الخميس 30 أكتوبر 2008م الموافق 29 شوال 1429هـ