طلب الشرطي من الحضور في المحكمة، الالتزام بالصمت والهدوء خاصا بذلك أم القتيل (قتيل المعامير)، وذلك استعدادا لنزول القضاة إلى قاعة المحكمة التي خُصصت جلستها للنطق بالحكم في حق المتهم بقتل شاب منطقة المعامير.
وفعلا، التزم الجميع بالصمت، وتهيأ المحامون والصحافيون وجميع من حضروا الجلسة القضائية لسماع منطوق حكم المحكمة، وما أن نادى الشرطي بصوته العالي بالكلمة المعروفة «محكمة» حتى وقف جميع الحضور احتراما لهيئة المحكمة التي كانت برئاسة رئيس محكمة الاستئناف الكبرى القاضي إبراهيم سلطان الزايد وعضوية القاضي سامي البحيري التي أذِنت للحاضرين بالجلوس.
بعد ذلك بدأ رئيس المحكمة القاضي إبراهيم الزايد ينادي أسماء المتهمين وموكليهم من المحامين للنطق بالأحكام في قضاياهم، والصمت كان يخيم على الجلسة القضائية، فالجميع كان يترقب تلك القضية، إنها القضية التي تنحت عنها المحكمة الكبرى الجنائية، إنها قضية أم قتيل المعامير مع المتهم بقتل ابنها الذي كان جالسا بين صفوف المتهمين، وإذا بالقاضي الزايد ينادي باسمه، فمثل الأخير أمام المحكمة والجميع يتابع...
القاضي الزايد: حكمت المحكمة حضوريا بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة 5 سنوات عما أسند إليه...رُفعت الجلسة... وانصرف القضاة...
صراخ أم القتيل تدوّي في قاعة المحكمة
... نعم انصرف القضاة، لكن القضية لم تنته، فرجال الأمن أخذوا المدان وبسرعة إلى الحبس من جديد، الأنظار اتجهت إلى أم القتيل التي لم تصدق أن المحكمة قضت بمعاقبة المتسبب في قتل ابنها بالسجن مدة 5 سنوات فقط، فما أن سمعت بمنطوق الحكم حتى اعتلت صرخاتها مدوّية في قاعات المحكمة، وبدأت تلطم وجهها على فراق ابنها والصراخ والبكاء يعتليان على ابنها وعلى حالها من بعده.
حال والد القتيل لم يكن أفضل من حال أمه، فقد أجهش بالبكاء، وكذا حال أقارب المقتول.
بقيت أم القتيل في قاعة المحكمة وهي تصرخ وتضرب نفسها حزنا على ما جرى لها، معترضة على حكم المحكمة، والتفّ الناس وجميع من كانوا في المحاكم بالقرب من قاعة الجلسة التي كانت تدوّي فيها صرخات الأم الفاقدة لابنها، إضافة إلى صراخ الأهل والأقارب الذين مكثوا أكثر من ربع ساعة من بعد منطوق الحكم في قاعة المحكمة، وهم يصيحون ويندبون الفقيد، فيما كان رجال الأمن محتارين ماذا يفعلون وخصوصا مع أم المجني عليه، فالمحكمة، كل المحكمة لا توجد بها شرطة نسائية تأتي لتساعد رجال الأمن في تهدئة أم المقتول.
وهاهو زوجها وإخوتها لا يعرفون ما يفعلون، وخصوصا أنها كانت لا تقوى على المشي، وهم أنفسهم يحتاجون إلى من يساعدهم.
...الأم في وضع انهيار
خرجت تلك العائلة المصدومة بالحكم من قاعة الجلسة، وهي تحمل أم القتيل التي كانت في وضع انهيار، لكنها لم تخط سوى خطوات معدودة حتى سقطت من الأيدي على الأرض... تجمع الناس حولها من جديد ليشاهدوا ما يجري، الأم مرمية على الأرض وهي تجهش بالبكاء تضرب الأرض بيديها حزنا وتأثرا على فقد ابنها واعتراضا على الحكم.
الأم الفاقدة تفترش الأرض ولا شرطة نسائية أومكتب تمريض في المحكمة
أكثر من ربع ساعة مرت على الأم وهي تفترش الأرض وصراخها يملأ المحكمة ضجيجا،
قدِم أحد رجال الأمن بكرسي متحرك لنقل الأم الفاقدة، لكن ما إن أُجلست على الكرسي وسار بها مسافة بسيطة لم تتعدَ 5 أمتار حتى سقطت من على الكرسي مغمى عليها. المراة ظلت بهذه الحالة لم تلق من يساندها في مبنى المحكمة الرئيسي... فهو خالٍ من شرطية نسائية واحدة أو صيدلية أو حتى ممرضة!
ظلت الأم مغمى عليها، حتى استدعيت لها سيارة الإسعاف التي أخذتها إلى المستشفى.
والد المقتول ظل مستندا إلى أحد جدران المحكمة وهو يهتزُّ من البكاء على فقده ابنه.
أهل المقتول من جانبهم يصرخون في قاعة (حوش) المحكمة محتجين على الحكم.
وبعد أن أُخِذَت الأم المفجوعة إلى المستشفى وانصرف الجميع، قدِمت شرطيتان تستكشفان الأمر، وذلك بعد مرور أكثر من نصف ساعة على ما جرى في المحكمة!
محامي المدان، توجه إلى مكتب الاستئناف وقدم طلبا لاستئناف حكم المحكمة الذي لم يرتضه.
خلاف على سيارة للبيع أدى إلى قتل المجني عليه
وتتحصل وقائع الدعوى في أن المجني عليه اتفق مع المتهم على شراء سيارته وعقب قيامه بتجربتها تبين له عدم صلاحيتها، وبتاريخ الواقعة 23 مارس/ آذار العام 2006 توجه كل من «ع.ح.ع.م» و»ع.م.ع» إلى مسكن المجني عليه واصطحباه إلى مكان وجود المتهم في مزرعة (حوطة) بمنطقة سترة، وحال وصولهم إلى (الحوطة) كان موجودا كل من «ف.م.ع» و «م.ع.ع»، وعقب برهة قصيرة حضر المتهم وطالب المجني عليه بثمن السيارة، فرفض الأخير فقام المتهم بصفع المجني عليه عدة صفعات على وجهه يسارا ويمينا بيده، وتمكن بعض الموجودين من الإمساك بالمتهم لمنعه من موالاة التعدي على المجني، ثم ترجل المجني عليه خارج (الحوطة) لمسافة 20 قدما، ثم سقط أرضا على ظهره من دون حراك مع عدم القدرة على الكلام، وإثر ذلك قام المتهم برفقة «ع.ح.ع.م» بنقله إلى المستشفى بيد أنه لفظ أنفاسه الأخيرة ووافته المنية قبل وصوله إلى المستشفى.
الشهود: صفعتان إلى ثلاث على خد القتيل سقط على إثرها أرضا
وشهد شهود الواقعة بتحقيقات النيابة العامة بأن المدعوين «ع.م.ع» و «ع.م.ع» حضرا إلى منطقة المعامير بواسطة سيارة، ثم توجها سويا إلى مسكن المجني عليه واصطحباه إلى (حوطة) بمنطقة سترة خاصة بالمتهم، وعقب وصولهم حضر المتهم ودار حديث بينه وبين المجني عليه متعلق بثمن السيارة أدى إلى قيام المتهم بصفع المجني عليه من صفعتين إلى ثلاث صفعات بيده في وجه المجني عليه بين الخد والإذن، ثم ترجل المجني عليه خارج (الحوطة) صوب السيارة التي كان يرغب في شرائها من المتهم والتي تبعد قرابة 20 قدما، ثم شوهد المجني عليه يسقط أرضا على ظهره فقام رفقة المتهم بنقله إلى المستشفى لكنه لفظ أنفاسه الأخيرة قبل وصوله إلى المستشفى.
التقارير: انفجار تمدد شرياني بالمخ أدى إلى الوفاة
أما تقرير الصفة التشريحية فأوضح أن السجحات الموصوفة بالكشف الظاهري مقابل أعلى خلفية يمين العنق وحيوان الإذن اليمنى هي عبارة عن إصابات ذات طبيعة احتكاكية حدثت من المصادمة والاحتكاك بجسم أوأجسام صلبة ذات سطح خشن أيا يكن نوعه في تاريخ يعاصر تاريخ الوفاة، ومن مثل التصور الوارد لها بالأوراق، إما من الضرب عليها مباشرة أو من جراء السقوط أرضا نتيجة الضرب على الوجه، وفي كلتا الحالين فإن تلك الآثار الإصابية بسيطة وسطحية ولا تؤدي إلى الوفاة في الشخص العادي، ولكن ما تبيناه من أنزفة غزيرة تحت الأم العنكبوتية حول المخ وما جاء بالرأي بعد فحص المخ مجهريا بأن مظاهر الأنزفة تلك تتفق مع انفجار تمدد شرياني بالمخ، فإننا نرى أن الآثار الإصابية المشاهدة والموصوفة من جراء الضرب على الوجه أو الارتطام أرضا من جراء الضرب على الوجه أدى إلى الوفاة من جراء انفجار تمدد شرياني بالمخ (وهو حالة مرضية بالمخ) بسبب الارتجاج الدماغي أو الانفعال النفسي المصاحب للضرب أو الارتطام أرضا.
محامي المتهم: لا علاقة بين فعل موكلي والنتيجة (الموت)
وفي جلسة الدفاع الأخيرة مثل المتهم برفقة المدافع عنه وقدم الأخير إلى هيئة المحكمة مذكرة بدفاعه التمس في ختامها القضاء ببراءة موكله مما أسند إليه تأسيسا على الدفع بانقطاع رابطة السببية بين فعل المتهم والنتيجة وعدم توافر المسئولية الجنائية في حق المتهم لعدم توافر أركان جريمة الضرب المفضي إلى الموت.
المحكمة: تعدي المتهم على المجني عليه ساهم في الوفاة
وردت المحكمة بالقول: كان الثابت بحق المتهم أنه تعدى على المجني عليه بصفعه عدة صفعات على وجهه يسارا ويمينا بيده أعقبه سقوط المجني عليه أرضا على ظهره وحدثت به إصابة بالأذن اليمنى، وأورد الحكم على ثبوتها في حق المتهم من أدلة قاطعة من اعتراف المتهم ذاته بالتحقيقات وما أدلى به شهود الواقعة وتقرير الصفة التشريحية.
وأضافت «دلل الحكم على توافر رابطة السببية بين الفعل المسند إلى المتهم ووفاة المجني عليه بما شهد به الطبيب الشرعي بالتحقيقات وأمام المحكمة وما أورده تقرير الصفة التشريحية من أن الآثار الإصابية كانت من جراء الضرب على الوجه... مما يفيد أن تعدي المتهم على المجني عليه ساهم في إحداث وفاة المجني عليه ارتباط السبب بالمسبب والمعلول بالعلة فإن ذلك ما يحقق مسئوليته في صحيح القانون عن هذه النتيجة التي كان من واجبه أن يتوقع حصولها لما هو مقرر من أن الجاني في جريمة الضرب أو إحداث جرح عمدا يكون مسئولا عن جميع النتائج المحتمل حصولها نتيجة سلوكه الإجرامي ولو كانت عن طريق غير مباشر، ما لم تتداخل عوامل أجنبية غير مألوفة تقطع رابطة السببية بين فعله وبين النتيجة، وهو ما خلت منه واقعة الدعوى الماثلة.
...وتلتفت عن إنكار المتهم وعن دفاع موكله
وانتهت المحكمة بالقول: وقد اطمأنت المحكمة إلى أدلة الثبوت في الدعوى فإنها تعرض عن إنكار المتهم أمام المحكمة، وتلتفت عما أثاره الدفاع من أوجه دفاع أخرى قوامها إثارة الشك في أدلة الثبوت، ولا يسع المحكمة سوى إطراحها وعدم التعويل عليها، وإذ إنه لما تقدم يكون قد ثبت يقينا للمحكمة أن المتهم في يوم 23 مارس/ آذار العام 2006 بدائرة أمن المنطقة الوسطى اعتدى على سلامة جسم المجني عليه بأن لطمه على وجهه فأسقطه أرضا فحدثت به الإصابات والأعراض الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية، ولم يقصد من ذلك قتلا، ولكن الضرب أفضى إلى موته، الأمر الذي يتعين معه عملا بالمادة 256 من قانون الإجراءات الجنائية عقابه بالمادة 336/1 من قانون العقوبات، ولهذه الأسباب حكمت المحكمة حضوريا بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة 5 سنوات عما أسند إليه.
مطالبات مُلِحّة بإيجاد مكتب للشرطة النسائية ومقر طبي للطوارئ
إلى ذلك، أبدى عدد كبير من المحامين والمواطنين وعدد من المقيمين أيضا استغرابهم الشديد من عدم وجود مكتب خاص بالشرطة النسائية في مبنى المحكمة الرئيسي للبلاد، والذي ينظر في اليوم الواحد المئات من قضايا الناس المواطنين والأجانب، وخصوصا في ظل وجود قضايا كبيرة مثل القتل أو ما شابه تحدث بها مواقف من قبل نساء يتعذر على أفراد الشرطة من الرجال التدخل فيها، كحالة يوم أمس، إضافة إلى حالة أخرى كانت حصلت يوم أمس الأول (الأحد) من صراخ وبكاء لمواطنة عربية صُدمت بحكم شرعي، تم تهدئتها من قبل بعض النساء والمحاميات اللاتي كن في المحاكم، مشيرين إلى أن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، إذ هناك الكثير من الحالات التي تحدثها النساء بسبب عاطفتهن ويتعذر التصرف مع تلك الحالات لعدم وجود شرطة نسائية.
كما استغرب المتحدثون من عدم وجود مكتب تمريض في المحكمة، أو حتى ممرضة واحدة لحالات الطوارئ، في حين أن وزارة التربية والتعليم تخصص ممرضات للمدارس، مؤكدين حاجة المحكمة إلى مكتب للشرطة النسائية ومقر طبي للحالات الطارئة التي تحدث بين الفينة والأخرى من إغماء وما شابه.
العدد 1643 - الثلثاء 06 مارس 2007م الموافق 16 صفر 1428هـ