لم يسبق العرب قوم جعلوا للخيل مكانة تستحقها ولم يأتِ بعدهم قوم أوصلوها إلى ما وصلت إليه الخيل عند العرب، أما المفاخرة بالخيل الأصيلة وفضلها وشرف نسبها وشجاعتها وجريها وجمالها قد سادت بين العرب، فقد كان الفرس فردا مفضلا من العائلة وزادت في صدر الدعوة الإسلامية التي أعزت بها الخيل فأصبح ارتباط العربي برفسه ماديا وروحيا.
يفخر مشاهير فرسان العرب بأن يكنوا بأسماء أفراسهم كأن يلقب الفارس بخيال الشقرة وخيال العبية وخيال ذي اللمة وهكذا من المشاهير الذين تفاخروا بخيلهم شداد بن معاوية العبسي والد عنترة ويعرف بخيال "جروة" قال فيها:
فمن بك سائلا عني فإني
وجروة لا تباع ولا تعار
مقربة الشتاء ولا تراها
أمام الحي يتبعها المهار
أقوتها بقوتي إن شتونا
وألحفها ردائي في الجليد
لها بالصيف جرجار وجل
وست من كرائمها غزار
والمعنى أنه اقتناها للحرب فلا تباع ولا تعار ولا يطلب نسلها كما أنه يعطيها قوته ويلحفها رداءه معزة بها ويقدم إليها الجرجار نوع من النبات صيفا ولها من كرائم الإبل ست نوق تشرب من ألبانها.
أما مالك بن عوف النصري الملقب بالأسد الرهيص ويعرف بفارس محاج يقول يوم حنين:
أقدم محاج أنه يوم نكر
مثلي على مثلك يحمي ويكر
قال عنترة فارس الأبجر:
لا تعجلي اشدد حزام الأبجر
إني إذا الموت دنا لم أضجر
ولم أُمَنِّ النفس بالتأخر
حدث طلاق من أجل بيتين من الشعر في وصف فرس، فقد نزل الشاعر علقمة بن عبدة ضيفا على امرئ القيس فتذاكر الشعر وادعى كل واحد منهم على صاحبه فقال علقمة لأمرئ القس: قل شعرا تمدح فيه فرسك وأقول أنا مثله ونترك الحكم في المفاضلة بينهما إلى أم جندب زوجة امرئ القيس فوافق وقال قصيدته البائية المشهورة وقال في مطلعها:
خليلي مرّا بي على أم جندب
لتقضي لبانات الفؤاد المعذب
ووصف فرسه:
فللساق الهوب وللسوط درة
وللزجر منه وقع أهوج متعب
ويعني امرئ القيس أن للفرس بالساق والجزر بالكلام تأثير شديد على فرسه.
ثم قال علقمة بائيته المشهورة في ومطلعها:
ذهبت من الهجران في كل مذهب
ولم يك حقا كل هذا التجنب
ووصف فرسه:
فادركهن ثانيا من عنانه
يمر بحمر الرائح المتحلب
فحكمت أم جندب لعلقمة إذ قالت لزوجها إن فرس علقمة أجود من فرسك لأنك رفست فرسك بساقيك واستعملت سوطك وزجرته بينما لم يفعل علقمة شيئا من هذا بل كان فرسه يدرك الصيد ثانيا من عنانه أي بطلبه ويجري كالمطر المتدفق المنهمر.
فغضب امرؤ القيس وطلق زوجته أم جندب وتزوجها علقمة ولهذا سمي علقمة الفحل.
هناك قول للعرب "تسبى ولا يردلها بليق" مستنداَ إلى قصة رائعة عن مفاخرة العرب في نسب جيادهم وسرعة جريها، والقصة: أحد فرسان البدو له فرس كريمة ومشهورة وكان صاحبها يعزها معزة عظيمة ويميزها عن باقي الجياد بعنايته ويحرص عليها من السرقة حرصا شديدا فيجعل القيد في أطرافها دائما. كان هناك فارس من قبيلة أخرى قد عقد العزم على امتلاكها فكلف أحد اللصوص المحترفين لسرقتها. كان هذا اللص يعمل مستخدما لدى أحد أفراد قبيلة صاحب الفرس ليرعى أبله، ومن خلال عمله كان يترصد الفرص لسرقة الفرس وفي ذات يوم تخلف صاحب الفرس عن منزله فشفقت ابنته على الفرس وفكت قيدها لإعطائها فرصة التجول بحرية وهي لا تعلم شيئا عن أمر اللص الذي ما ان رأى الفرس طليقة حتى أسرع وقفز على ظهرها وركلها بساقية فعدت تنهب الأرض نهبا، فضج الحي وركب فرسان القبيلة يطلبونه وكان ابن صاحب الفرس ممتطيا الفرس في الوقت المناسب وتحته فرس كريمة من خيله فاشترك بمطاردة السارق، ولما تزاحمت الخيل في أثر السارق وطال عليها المسير وتعبت ابتدأ الفرسان بالتقهقر ولم يبق سوى صاحب الفرس المسروقة وابنه اللذين كانا وراء اللص حتى اقتربا منه عند العصر وكان الابن أقرب إليه من والده وكاد أن يدركه ويطعنه في ظهره فلما رأى صاحب الفرس ذلك فضل أن ينجو السارق بفرسه من أن يسترجعها. ويقول العرب إن الكديش بليق لحق بها ودرها كان اللص قد اقترب من أرض موحلة فناداه صاحب الفرس بأعلى صوته قائلا دونك والغبط، أي سر في الأرض الموحلة وإلا فضحت الكحيلة فعمل اللص بمشورة صاحب الفرس ووجهها إلى الأرض الموحلة فذهبت لا تعبأ بصعوبة، وأراد الابن اللحاق به غير أن الكديش خانه في الأرض الموحلة وهكذا نجا السارق بالفرس ورجع الفتى إلى أبيه يلومه على عمله فأجابه والده "تسبى ولا يردها بليق" فأصبح قوله مثلا.
الخيل العربية عند العرب المسلمين
استمر المسلمون في العناية والخدمة وتعزيز الخيل بل اقتنائها والمحافظة عليها لارتباطها بجهاد الأعداء عند صدر الإسلام وخصوصا أن الرسول الكريم (ص) يحرم الخيل العراب وأعزها بل وأحبها وقد كانت توجيهاته ليس بتربية وسلوك الخيل بل حتى أصحابها.
كل ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة عن الخيل لهو دليل واضح على الاهتمام الرباني بالمخلوق الذي أدهش الخلق بخلقه ومواصفاته وسلوكه. وقد ورد في الشعر الإسلامي ما يعزز ويكرم الخيل، قال الشاعر إبراهيم بن عمران:
الخير ما طلعت شمس وما غربت
معلق بنواصي الخيل مطلوب
أما مكحول فقال:
تلوم على ربط الجياد وحبها
وأوصى بها اللهُ النبي محمدا
ذريني وعدي من عيالك شطبة
عنودا ومشمول الجوانح أقودا
وقال صعصعة بن معاوية:
بنات أعوج تردى في أعنتها
خير خراجا من القثاء والتين
الخيل من عدة أوصى الإله بها
ولم يوصى يرغس في البساتين
لقد كان للمسلمين في رسولهم الكريم (ص) أسوة حسنة وهم كما يذكرون اجتمع لهم فيها حبان، حب من جهة الشرع وحب من جهة الطبع، فلأجل ذلك كانت عندهم كقطع الأكباد ويحفظونها ولو بضياع الأولاد حتى كان الرجل يبيت طاويا ويشبع فرسه ويؤثره على نفسه وأهله وولده. وكما اهتم الفرسان بالخيل فقد أحبها الشعراء واستأثرت باهتمامهم وقد وصفوها بشعرهم وكذلك اهتم علماء اللغة بالخيل وجمعوا مفرداتها وأشعارها وأنسابها، وقد قال همدان الأجدع بن مالك في فرسه سكب:
تؤنبني فيما رأت من صيانتي
سكاب ومن خير الجياد صيانها
وقد كانت فرس الحمزة بن عبدالمطلب (رض) يقال له الورد قال فيه:
ليس عندي الإسلاح وورد
قادح من بنات ذي العقال
لقد رثى الشماخ بكير بن شداد قائلا:
وغيب عن خيل بموقاني
أسلمت بكير بني الشداخ فارس أطلال
وقد قال سانع بن عبدالغري العامري في فرسه النعامة:
والله لا أنسى النعامة ليلة
ولا يومها حتى أوسد معصمي
لذلك كان المسلمين محبين مكرمين للخيل العراب...
@ جراح، وباحث عراقي متخصص في الخيل.
العدد 1676 - الأحد 08 أبريل 2007م الموافق 20 ربيع الاول 1428هـ
جميل جدا