على رغم أن تزايد نسبة البطالة بين النساء مؤشر سلبي إلا أن الجانب الإيجابي لهذه النسبة هو أن المرأة أصبحت تبحث عن عمل وتدون في سجلات الباحثين عن عمل وهو مؤشر على اندماجها المتزايد في العمل الاقتصادي. وصدقت مملكة البحرين في العام 2000 على الاتفاق 111 لمنظمة العمل الدولية (بشأن التمييز في الاستخدام والمهنة)، وهو من الاتفاقات المشمولة بإعلان المبادئ للحقوق الأساسية في العمل. ويعرف الاتفاق التمييز كمصطلح بأنه «أي تفريق أو استبعاد أو تفضيل يقوم على أساس اللون أو العرق أو الجنس أو الدين أو الرأي السياسي أو الأصل الوطني أو الأصل الاجتماعي ويكون من شأنه إبطال أو إضعاف تطبيق تكافؤ الفرص أو المعاملة في الاستخدام والمهنة».
إن الاتفاق 111 ينص على أن أشكال التمييز التي ينطبق عليها الاتفاق، تحددها الدولة العضو في بالتشاور مع منظمات أصحاب العمل والعمال إن وجدت وهو ما لم يحدث حتى الآن، إذ لم يعقد اجتماع ثلاثي لبحث أشكال التمييز التي تتعارض مع نصوص الاتفاق والتي تعتبر في حكم القانون الوطني بعد مصادقة المملكة عليها.
كما يلزم الاتفاق الدول المصدقة عليه بأن تسن من التشريعات والقوانين وتضع من الإجراءات ما يحد من أشكال التمييز وما يضمن تكافؤ الفرص وخصوصا في الوصول إلى التدريب المهني والوصول إلى الاستخدام في مهن معينة. كما يلزم الاتفاق الدول المصدقة بأن تضمن تقاريرها السنوية كل ما قامت به لجعل أوضاعها تتطابق مع الاتفاق 111.
أشكال التمييز
للتمييز شكلان مهمان يمكن تصنيفهما كالآتي:
1 - التمييز المباشر (أو التمييز المقنن): لم ينص القانون 23 للعام 1976 على عدم التمييز، لكنه نص على حالة محددة هي عدم فصل المرأة أثناء إجازة الحمل. وعلى رغم أن الاتحاد العام أثناء مناقشته تعديلات قانون العمل في مشروع القانون الجديد طالب بتضمين القانون مادة تنص على أن العمل حق تكفله الدولة للمواطنين من دون تمييز، إلا أن الطرف الحكومي احتج بأن هذا الأمر يكفله الدستور.
2 - التمييز غير المباشر: إن مشكلة التمييز غير المباشر أنه نتاج ثقافة مجتمع ويتم ارتكابه عبر إجراءات غير موثقة وغير مكتوبة. كرفض توظيف المرأة في مهن معينة، أو صعوبة وصولها للتدريب والترقي المهني وتحسين الكفاءة والإنتاجية، أو منع توظيفها أحيانا بسبب الزواج أو الحمل أو الرضاعة أو غير ذلك من الممارسات التي تكرس التمييز وتجعله في حكم العرف الذي يصل إلى حد القانون غير المكتوب.
أهم الأشكال المرصودة للتمييز غير المباشر:
1 - التمييز في العلاوات الاجتماعية: تمنح بعض الشركات في البحرين علاوة اجتماعية للمتزوجين الذكور فقط بينما تمنح الإناث علاوة العازب حتى لو كانت متزوجة. ويعود ذلك بشكل أساسي إلى العرف الاجتماعي القاضي بأن المرأة ليست مسئولة عن مصروفات المنزل والعائلة. وعلى رغم أن الأعراف تغيرت إلا أن الفكرة لم تأخذ قسطها من التغيير.
2 - تركز المرأة في القطاعات متدنية الأجر: كان لدخول المرأة سلك التعليم متأخرة عن الرجل لعدد من السنوات أن أدى ذلك لتأخرها في دخول سوق العمل أيضا، وكذلك تأخرها في الحصول على فرصتها من التعليم الجامعي. فيما بعد سيؤدي ذلك إلى اقتصار المرأة متوسطة أو متدنية التعليم على العمل في قطاعات هي الأدنى في الأجر والامتيازات مقارنة بالرجل الذي في مستواها نفسه.
3 - التمييز ضد المرأة بسبب الحمل أو الرضاعة أو الزواج أو التحجب أو السفور:
أ - عدم تنفيذ القانون: على رغم وجود نص صريح في قانون العمل بحق المرأة العاملة في إجازة أمومة تشمل فترة الوضع وما قبلها وبعدها ومدتها 45 يوما مدفوعة الأجر، فإن بعض أصحاب العمل خصوصا في المؤسسات البعيدة عن رقابة وزارة العمل والتفتيش أو تلك غير المحددة لأي قطاع تنتمي مثل رياض الأطفال التي يتقاسم فيها المسئولية كل من القطاع الخاص والقطاع الحكومي لا تتمتع المرأة بهذا الحق وهناك حالات مؤكدة خصمت فيها إجازة الأمومة من الإجازة السنوية أو أعطيت مدة أقل من القانون.
ب - التمييز بسبب الحمل والحجاب أو السفور: على رغم أنه لا توجد إحصاءات دقيقة لهذا النوع من الممارسات، إلا أن حالات ليست بالقليلة قد تعرضت لرفض الاستخدام بسبب الحمل أو بسبب الرضاعة وإذا كان القانون ينص على عدم إقالة المرأة أثناء إجازة الحمل والرضاعة فإن القانون سكت عن عدم الاستخدام وهو ما يتعارض صراحة مع نصوص الاتفاق 111 التي صدقت عليها مملكة البحرين والتزمت بوضع تشريعات وقرارات تتطابق معها. كما تقوم بعض المصارف برفض توظيف المنقبات والمحجبات.
4 - التحرش الجنسي: إن وجود المرأة في مجتمع محافظ يهيمن فيه الرجل بطبيعته على مركز القرار الاجتماعي يجعل المرأة عرضة للتحرش الجنسي تحت طائلة الفصل من العمل أو التهميش والحرمان من فرض الترقي في السلم الوظيفي. إن ما يجعل من هذا التحرش ممكنا حتى في بيئات العمل المحافظة هو أن المجتمع ينظر لهذه الأمور بتسامح كبير طالما كانت في إطار الشرع الديني مثلما لو كانت في شكل طلب الزواج أو الارتباط، من دون الالتفات إلى أنه حتى في حال الطلب الشرعي دينيا فإن احتمال تعرض الضحية لضغوط تتعلق بعملها أمر ممكن جدا، وبالتالي فإن التحرش هنا ليس فقط هو محاولة خلق علاقة غير شرعية بل حتى في حال خلق علاقة شرعية دينيا.
كيف نعالج هذا التمييز؟
من أهم الأولويات في هذه الفترة تشكيل لجنة ثلاثية للمادة 111 تقوم برصد حالات التمييز بكل أشكالها وخصوصا التمييز على أساس الجنس، ناهيك عن اقتراح التشريعات اللازمة لتمكين البحرين من مواءمة أوضاعها مع الاتفاق، من خلال إزالة التمييز المباشر وغير المباشر. وتقديم تقريرها الدوري للحكومة مبينة فيه إنجازاتها وإخفاقاتها ليرفع ضمن التقرير الدوري عن الاتفاقات المصدق عليها إلى منظمة العمل الدولية.
كما نعتقد بصفتنا اتحاد عام بأهمية انضمام المملكة للدول التي صدقت على اتفاق منظمة العمل لحماية الأمومة 183 للعام 2000 وما يميز هذا الاتفاق أنه حديث الإنشاء. وبالنسبة إلى الحركة النقابية فنعتقد جازمين أن هناك قصور كبير في تأهيل وزيادة العضوية النسوية وفي تمكينها من القيادة في النقابات العمالية مع عدم تجاهل حقيقة أن موقع المرأة في العمل النقابي هو الأفضل قياسا بالعمل السياسي والاجتماعي، إذ حازت ثقة الناخبين في القواعد النقابية منذ زمن طويل في الوقت الذي لم توفق في ذلك نيابيا. ومع ذلك، يجب العمل على زيادة التمثيل النسوي في هذه الحركة ضمانا لأن تحمل المرأة على عاتقها مواجهات الإشكالات المتعلقة بالتمييز ضدها في مواقع العمل في الاستخدام والمهنة.
*الأمين العام المساعد لشئون التشريع والدراسات في اتحاد النقابات
العدد 1698 - الإثنين 30 أبريل 2007م الموافق 12 ربيع الثاني 1428هـ