اعتبر المنتدون الذين استضافتهم «الوسط» للتحاور بشأن مؤشرات الحكم الصالح التي اصدرها البنك الدولي في 10 يوليو/ تموز الجاري، أن هبوط مستوى البحرين في المؤشرات الستة (التمثيل السياسي والمحاسبة، الاستقرار السياسي، فاعلية الحكومة، جودة الإجراءات، حكم القانون، وضبط الفساد) مؤشر واضح الى ضرورة مراجعة ما تم تحقيقه من اصلاحات ومن ثم النظر في اسباب التراجع والنهوض الى الأعلى بالاعتماد على مواقع القوة التي تمتلكها البحرين.
وتطارحت «الوسط» الآراء مع كل من نائب الأمين العام للجمعية البحرينية لحقوق الإنسان عبدالله الدرازي، ونائب الأمين العام لجمعية العمل الديمقراطي عبدالله جناحي، وعضو جمعية الشفافية البحرينية خليل يوسف، والنائب جاسم حسين والنائب عبدالجليل خليل، الذين اعتبروا استعادة الثقة في المشروع الاصلاحي على سلم الأولويات التي يجب أن تضطلع بها القوى السياسية والاجتماعية التي آمنت وانخرطت في مشروع جلال الملك الذي انطلق في فبراير/ شباط 2001. وفيما يأتي الحوار:
كيف يمكن إعادة الثقة في المشروع الإصلاحي؟
- خليل يوسف: إن مسألة إعادة الثقة في المشروع الإصلاحي يجب أن تكون على أعلى سلم الأولويات في الوقت الراهن, والمشكلة تتلخص في أننا أمام مشروع إصلاحي جاد من جلالة الملك تواجهه عرقلة من المتضررين من أي خطوات جادة للمشروع.
من مؤشرات الحكم الصالح نزاهة القضاء وسرعة فاعليته وطرق تطبيق العدالة وسيادة القانون, ومع الأسف الشديد فإن كفاءة الاجراءات القضائية لدينا ضعيفة جدا بدليل تراكم المئات من القضايا والأحكام غير المنفذة وهذا باعتراف رئيس المجلس الأعلى للقضاء. كما صرح احد المسئولين في وزارة العدل بأن 10 في المئة فقط من الكم الهائل من القضايا وجدت طريقها للتنفيذ, والنظام القضائي هو المعني بتطبيق العدالة وهو المعني بتعزيز الثقة في مناخ الأعمال والاستثمار، لأنه لا يمكن أن يأتي في ظل وضع مهزوز لا يطبق العدالة وفي ظل انعدام السرعة في تطبيق الأحكام.
منذ سنوات طويلة ونحن نسمع عن إصلاح وتطوير النظام القضائي ولكن حتى الآن لم نلمس شيئا عمليا في هذا الإطار. يجب أن يتم إصلاح النظام القضائي وتعزيز استقلاليته عن السلطة التنفيذية، إذ لا يمكن وجود إصلاحات وتطويرات وتعيينات قضائية تحت مظلة وزارة العدل بما يعني تحت مظلة السلطة التنفيذية.
كيف يمكن إعادة الثقة بحكم القانون في ظل وجود من هم فوق القانون؟
- عبدالله جناحي: في الحقل السياسي أو الاقتصادي والقضائي قد تواجه جميع المجتمعات أزمات معينة، إذ قد يصل أي مجتمع إلى لحظة أزمة ويكون أمامه منهجان إما أن يكون جادا في حل الأزمة أو إدارة الأزمة, للأسف الشديد فإن نظامنا السياسي يدير الأزمات في جميع الملفات ولكنه لا يحلها. برزت لنا أزمة دستورية والنظام يدير أزمته الآن في هذا الملف.
عندما نستمع إلى الوزراء في طرحهم لضرورة تقديم رؤية واضحة فماذا يعنون بذلك؟ أفهم أن الرؤية يجب أن تكون لحل الأزمات التي يواجهها المجتمع. ولنأخذ مثلا، أزمة السكن وأسبابها واضحة فهناك استيلاء على الأراضي وردم سواحل وهناك من يستحوذ على بحار وأملاك عامة ويبيعونها لشركات وكل يوم نسمع عن مشروعات استثمارية ولكن لا نجد قيمة مضافة للمواطن، وإعادة توزيع الثروة الوطنية لا تتحقق من هذه المشروعات.
إن أزمة السكن يمكن حلها من خلال وقف تسرب الأموال العامة عن طريق الفساد, وان كنا نمتلك فعلا رؤية معينة، فإنه يجب أن نفهم أن وجود الفساد يوقف عجلة التنمية.
التقرير من منظمة صديقة
ومع أنني لا أثق تماما بالبنك الدولي لأن سياساته كانت تدمر اقتصادات العالم النامي بالذات... ولكن كمؤشر علني مطروح الآن وكمنظمة دولية تعاملت حكومة البحرين معها منذ سنوات طويلة أرى أن هذه المؤشرات وكأنها تقول للحكومة «على رغم تحفظات المجتمع المدني فإنني أرى أنه على رغم تحالفكم معنا وتجاوبكم مع سياستنا وبرامجنا الاقتصادية والنقدية والمالية فإنكم في تراجع»، وهذا الكلام يأتي من صديق، إذ إن هذا المؤشر لم يأت من منظمة عدوة أو تنظر إليها الحكومة على أنها مسيسة أو متأثرة بحركات المعارضة مثل منظمات حقوق الإنسان.
ولذلك أرى، إن كان هناك حوار عالمي، أن على الحكومات أن تستمع وتتحاور وتشارك المواطنين في اتخاذ القرار، إلا أن حكومتنا تتخذ شعار «قولوا ما تشاءون ونفعل ما نشاء» وهذا مبدأ يتعارض تماما مع التوجه العالمي. أنا لا اعلم إن كان متخذو القرار يستوعبون أن الوضع الحالي يختلف تماما عن وضع ما قبل الانكشاف العالمي.
الآن نحن ملزمون (دولة ومجتمعا) بمجموعة من الاتفاقات الدولية، وإن كان الهدف من الدخول في هذه الاتفاقات هو الترويج والتسويق فهذه قد تكون أهدافا مؤقتة، ولكن بعدها نحن ملزمون بالدخول في شبكة التزامات, حتى مواصفات السلع فإن هيئة المقاييس والمواصفات بدأت تدخل معايير الحرية والتشاركية, لقد أصبح هناك تداخل بين السياسي والحقوقي والاقتصادي في جميع مناحي الاتفاقات. إن العالم الجديد يحتاج إلى عقل جديد وهذا العقل ليس موجودا لدينا.
مصلحة الوطن فوق الجميع
- خليل يوسف: أعتقد أن مصلحة الوطن هي فوق مصلحة أي كان, ما يخص محاسبة المتنفذين فإن لدينا شواهد قريبة من مجتمعنا, ففي الكويت مثلا, تتم محاكمة الوزراء حتى أن وزيرا من العائلة الحاكمة قدم للمحاكمة وفي قطر وعمان يتم ذلك أيضا. أما لدينا فلنأخذ مثلا متنفذ المالكية, الذي جاء على لسانه في الصحافة «سأطبق القانون إذا طبق على الجميع» كما أن عملية عدم تطبيق القانون يلمسها الجميع، لدرجة أن هناك سيارات تسير على الشوارع من دون أرقام، ما يعد استثناء وإخلالا بالقانون.
وبالنسبة إلى التنمية فأعتقد أن أي تنمية لا تشكل قيمة مضافة للمواطن ولا تعود عليه بالمنفعة فهي ليست تنمية، فما الذي نستفيده من تشييد العمارات الفارهة وناطحات السحاب إذا كانت دائرة الفقر في البلد تتسع بانحسار الطبقة المتوسطة؟
لا يمكن مقارنة البحرين بالدول الإفريقية
البحرين جاءت في بعض المؤشرات في المرتبتين الرابعة والخامسة. ألا يعني ذلك أنها متقدمة على بعض البلدان؟
- عبدالجليل خليل: إذا قارنا البحرين بدول افريقية فلاشك أنها متقدمة لكن ما نقوله هو أن البحرين بلد صغير - والمشكلة أن عدد السكان لا نعرفه بالضبط لأنه لا توجد شفافية في المعلومات، والإيرادات لا نعرف حجمها بدقة - وكان عهد ما قبل العام 2001 حقبة سوداء وكانت هناك ملفات كبيرة لم تعالج وكان هناك تهويل كبير من إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإفساح حرية التعبير والإعلام، وخلال فترة الإصلاحات تم إطلاق سراح المعتقلين السياسيين وإعادة المبعدين وفي الوقت نفسه عززت حرية الصحافة، فما الذي حدث للبحرين جراء ذلك؟ لقد تقدمت ولكن بعد ذلك تراجعت بشكل كبير على رغم أن هناك إمكانية للتقدم وذلك شيء محبط جدا، كانت البحرين في السبعينات المركز الاقتصادي والمالي في المنطقة وأول دولة بدأ فيها التعليم في الخليج وكانت سباقة على جميع الأصعدة ثم تراجعت لحساب المنتفعين من المصالح الشخصية.
إن ندوة اليوم ترفع صرخة جديدة للمسئولين لمطالبتهم بتقييم الوضع بشكل موضوعي، نحن الآن نتراجع وهذا ليس شعارا للمعارضة وليس منشورا سياسيا للمعارضة وإنما هو تقرير دولي فلابد من مكاشفة الناس وضخ دماء جديدة. لا يمكن تحميل المعارضة جميع الإخفاقات على رغم أن الحكومة في يدها جميع المشروعات وبيدها تحريك دفة العملية الإصلاحية.
لا أتصور أن عيوننا سوداء وأننا لا نقيم المشروعات الجيدة فمشروع إصلاح التعليم بورك ونحن مع إصلاح التعليم كما أننا نقف مع إصلاح سوق العمل ولكننا نتحدث اليوم عن تقرير دولي للبحرين, أين تقع البحرين قياسا ومقارنة بدول الخليج التي تتماثل معها في نظام الحكم؟ لدينا مشكلة في السكن، فهل من المعقول أن البحرين لا تمتلك موازنة لحل هذه المشكلة، كما توجد لدينا مشكلة الفقر أفلا يمكن حلها ومشكلة التعليم والأجور كذلك؟
لقد تم وضع كوابح لإيقاف عملية الإصلاح وكأنما هناك من يتحرك لإعادة العملية من جديد ودفع الملف الأمني لتكون له الأولوية بدلا من ملف التنمية. تتحدث التقارير عن أن مليار دينار تذهب للرشا والفساد الإداري، وهذا المبلغ يمكن أن تنشأ من خلاله مدن لحل مشكلة الإسكان.
أتصور أنه حتى وإن صدرت قرارات لمكافحة الفساد، فإن لم تكن هناك جدية وإرادة حقيقية تقف وراءها القيادة فلا فائدة من ذلك.
نتذكر في تقرير الشفافية في العام 2005 كان ترتيب البحرين 34 وفي 2006 تأخرنا إلى المرتبة 36 وهذا التراجع له مسببات والسبب الرئيسي هو غياب جدية القرار في دفع عجلة الإصلاح إلى الأمام ومكافحة الفساد، وأتصور أن ذلك يجب أن تكون له الأولوية في هذا الظرف وعلى جميع المستويات بما فيها حقوق الإنسان، فجميعها تحتاج إلى الجدية التي بدأ بها المشروع الإصلاحي.
أجهزة الدولة لا تحارب الفساد
- جاسم حسين: هناك نقطة مهمة أشار إليها الأخوان وهي أن البحرين كانت رائدة في مجال الخدمات المالية فمازلنا نحتل المرتبة الأولى على دول المنطقة ولكننا تأخرنا، إذ إن مركز دبي المالي العالمي الذي تصل قيمته إلى ملياري دولار وهو اكبر بكثير من مرفأ البحرين المالي أصبح يطبق القوانين الدولية وليس المحلية.
والأمر لا يتوقف على أصحاب القرار في الدولة ولكنه يشمل أجهزة الدولة فمصرف البحرين المركزي يعاني من مشكلات مالية كبيرة إلى الآن وبعد مرور عدة سنوات من هروب احد المتنفذين بعدة ملايين من الدولارات إلى أستراليا ورجوعه إلى البحرين في وقت لاحق، على رغم أن المصرف الذي اقترض منه هذا المتنفذ كاد أن ينهار، وهذا الشخص إلى الآن لا توجد أي تهمة ضده ولم يقدم إلى المحاكمة كما أن المصرف لم يتخذ أي إجراء قانوني ضده.
أعتقد أن البحرين يجب أن تأخذ تجارب الدول القريبة من ظروفها نموذجا واقرب تجربة لنا هي التجربة السنغافورية وهي متقدمة الآن في مجال الحكم الصالح.
- عبدالجليل خليل: نحن في اللجنة الاقتصادية في كتلة الوفاق نعمل على وضع عدد من الاقتراحات والبرامج التي يمكن أن نبدأ بها في الفصل المقبل ووضعنا في أولوياتنا محاربة الفساد باعتباره أهم بند يجب أن نبدأ به وخصوصا في موضوع الأراضي فخلال الشهور الثلاثة أو الأربعة الماضية لاحظنا وجود معاملات في بيع أراضي وأملاك الدولة بصورة كبيرة جدا، وهذا يعتبر من الموارد الرئيسية للبحرين، فكل ما نملكه اليوم هو النفط والغاز وهذان الموردان سينضبان مستقبلا ولكن الأراضي التي تعتبر من الثروات الطبيعية بدأت أيادي المتنفذين تصل إليها ونحن الآن نعد العدة لفضح هذه الممارسات، وأشير هنا إلى أن البعض يقول إن الكثير من القوانين ستمرر خلال فترة عطلة البرلمان كما ستمرر الكثير من عمليات بيع الأراضي بصورة غير شرعية، ولكنني أقول إن أولى خطواتنا في الفصل التشريعي المقبل هو خليج توبلي والأراضي التي امتدت إليها أيادي المتنفذين، ولذلك ننصح المصارف التي ستقوم بتمويل هذه الصفقات أن تكون حذرة لأن هذه الملفات ستفتح بالتعاون مع الكتل الأخرى.
خليج توبلي أكبر دليل على هبوط الحكم الصالح
- خليل يوسف: إن ما يحدث في خليج توبلي هو احد أوجه غياب الشفافية وحكم القانون، فأحيانا يقال إنه محمية طبيعية بمرسوم صادر عن جلالة الملك وأحيانا يصرح احد الوزراء بأنه المسئول عن خليج توبلي وفي يوم آخر يصرح وزير آخر بأنه المسئول عنه، وذلك ما حدث تماما مع قضية بيع الفشوت ولا نعرف ما الحقيقة أو من المسئول الحقيقي، نتيجة غياب الشفافية.
الشفافية وجسر البحرين وقطر
- جاسم حسين: يمكن أن يكون مشروع جسر البحرين وقطر مثالا حيا فيما يخص غياب الشفافية فعلى رغم أن البرلمان كان يؤيد بشكل مطلق إنشاء هذا الجسر لما له من أهمية فإن المشروع كان مبهما بالكامل بالنسبة لنا كنواب؛ فلم نحصل على دراسة جدوى للمشروع ولم نكن نعرف كيف سيتم تمويله وكيف سيؤثر على مديونية البحرين والاحتياطي العام، إذ إن البحرين ستتحمل كلفة ملياري دولار في حين يشكل الاحتياطي العام مليارين ومئتي مليون دولار. إن مشروعا بهذه الضخامة يمكن أن يؤثر بشكل كبير على المشروعات التي ستقام ويمكن أن يؤخر مشروعات البنية التحتية ولذلك قلنا إننا نحتاج إلى معلومات ففي غياب هذه المعلومات لا نستطيع أن نتخذ قرارات مصيرية.
مسألة أخرى، فيما يخص فائض الموازنة والذي قدر بـ 201 مليون دولار لم نكن نعرف على أي أساس اتخذت وزارة المالية قرارا بتحويل 141 إلى مصروفات الدولة للعام 2007 حتى أننا سألنا وزير المالية أين ذهبت الـ 141 مليون دولار فلم يعطنا أي جواب ولكن بعد ذلك عرفنا أن من الممكن أن هذا المبلغ قد تم تحويله لشراء أسلحة ومعدات, كما أن الحكومة تقوم بتوقيع قروض ونحن كنواب آخر من نعلم.
إننا نحتاج إلى مراجعة شاملة لكثير من الأمور في البلد، وكما قلت سابقا إنه لا توجد لدينا رفاهية التأخير ولا يمكن أن نؤخر الإصلاحات بدليل الفقر الموجود, وأذكر في هذا المجال كلام الأخ إبراهيم شريف من أن المواطن البحريني يحتاج إلى 20 سنة ليستطيع أن يمتلك قطعة ارض كما يحتاج إلى 20 سنة أخرى لبنائها، بمعنى آخر فإن المواطن البحريني يحتاج إلى أن يعمل 40 سنة لكي يمتلك منزلا.
إعادة الثقة للمواطنين
عبدالله الدرازي، ما الذي تتوقعه في المنظور القريب؟ هل تتوقع دفعة جديدة للإصلاح أو تراجعا آخر؟
- الدرازي: أعتقد أن ما قيل خلال الندوة يمس حياة جميع المواطنين بصورة كبيرة، فإن تم تحقيق جميع ما تم الحديث عنه فإن ذلك سيدفع بالتنمية البشرية والتنمية الاقتصادية وسيعيد الثقة للمواطنين. لقد اتفق الجميع على أن هناك تراجعا قد حصل وأن المشروع الإصلاحي يحتاج إلى دفعة قوية أخرى، وبالتالي فإن على المسئولين الذين بدأ معهم المشروع الإصلاحي أن يفكروا بشكل جيد في هذه المؤشرات.
العدد 1777 - الأربعاء 18 يوليو 2007م الموافق 03 رجب 1428هـ