العدد 1778 - الخميس 19 يوليو 2007م الموافق 04 رجب 1428هـ

مجتمع «معلمن» يدعي الإسلام

الكثير منا، إن لم تكن الفئة الغالبة، تدرك بأن العلمانية هي إقصاء الدين والمعتقدات الدينية وما يترتب عليها عن أمور الحياة. وكوننا مجتمعا مسلما بحرينيا ندعي رفضنا التام وموقفنا السلبي الصارم لهذه العلمانية التي تقضي بفصل الدين عن الحياة، إلا أنه ما أسهل الكلام والقول وما أصعب الالتزام والفعل! فالمتأمل والمطلع على مجتمعنا من حيث العلاقات البشرية، وعلى صعيد المستوى الاجتماعي لابد أن يلحظ أن ديننا الحنيف ما عاد ليحكم تلك العلاقات الاجتماعية، أو يغدو حلا للخلافات بين أفراد مجتمعنا. وهذه بعض الحقائق التي لا يمكن تجاهلها باعتبارها برهانا وثيقا:

يقول الله تعالى في كتابه الكريم في سياق النهي: «ولا يغتب بعضكم بعضا»، وفي التفصيل عن الرسول الأكرم (ص): «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم؛ قال: ذكرك أخاك بما يكره؛ قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته». أنستطيع أن نجزم بأن جميع مجالسنا لا يكون فيها حديث عن الآخرين بما يكرهون في غيابهم؟ أم هل نقوى على أن نراهن على أن الجلسة في معظم مجالسنا لا تحلو إلا بانتقاص الغائبين والأكل من لحمهم؟

عندما نأتي للفقه الإسلامي نجده قد قسم إلى بابين واسعين: عبادات ومعاملات. أليس الدين المعاملة؟ ألسنا من أنصار العلمانية حين فصلنا الدين عن المعاملة؟ الدين ينهانا عن الغيبة ونحن على النقيض إذ نتفنن ونتلذذ بها!

قد غدا سؤال الفتاة عن المتقدم لها بشأن كم يملك أو كم راتبه وما السيارة التي في حوزته وغيرها من المادة البحتة. وإن وجدت تلك الفتاة المثالية العاقلة التي تذهب إلى تقوى وخلق ووعي الشاب لابد ان يعترض طريقها أهلها أو لعلهم أهل الشاب نفسه، إذ أصبح المقياس للزواج هو المادة والمادة لا غير، وكما يقول أهل البنت إنا نخاف على مستقبل ابنتنا، أو أهل الشاب يجب أن تعمل أولا.

إن أردنا الحق ومسايرة الواقع المر فهذه الفئة التي تمثل شريحة واسعة من مجتمعنا «المعلمن» تفكر عين الصواب، ولكن اللبيب يدرك بأن هذه هي العلمانية بذاتها، إذ لم يشترط الإسلام المادة في الزواج؛ فيقول الرسول الأعظم (ص) الذي يفترض أن يكون أسوتنا: «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ألا تفعلوا ذلك تكن فتنة في الأرض وفساد كبير». فأين نداءات «لبيك يا إسلام» و»تسقط العلمانية»؟

عادت بنا الأيام إلى الجاهلية، بل لعل الأمر أسوأ من ذلك لتستفحل القبلية بأجلى صورها وبجميع مصاديقها، وليفاخر الناس بالأنساب. طبعا إني لا أشير إلى ما أقهر المجتمع عليه حين غدا من يقرر مقاديرهم فئات معينة، ومن يتولى ولايتهم كبار القبائل – كبار الدنيا طبعا - ويشغل المراكز جهات خاصة، ولكن الحسرة على ما حكمه المجتمع على نفسه. فالسائد أن القوم لا يزوجوا ابنتهم إلا إلى ابنهم كما يقولون، ومعظم القوم يصيح بمن كان أباه وإلى أين ينتمي، فآل بنا الحال إلى أنه لم يعد للكفاءة مكان بقدر ما هو إلى الإنتماء. صلى الله عليك وعلى آلك يا رسول الله: « كلكم لآدم وآدم من تراب»، أين قوله تعالى: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»؟!

وهذا غيض من فيض، فالقارئ لصفحات مجتمعنا يجد أنه من دون أدنى شك يضمر العلمانية الجزئية التي تذهب إلى فصل الإسلام عن بعض أمور الحياة، ولعلها تلك الأمور التي يكون حكم الإسلام فيها مخالفا للأهواء والنفوس، ولذلك تقدم الغرب وتخلفنا نحن، فيقول عز وجل: «لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا» و»كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر» حين كنا مجتمعا إسلاميا، أما بعد أن تحولنا إلى مجتمع ظاهره الإسلام وباطنه العلمانية غدونا آخر أمة، وفي ذلك آيات لأولي الألباب.

علي الحجيري

العدد 1778 - الخميس 19 يوليو 2007م الموافق 04 رجب 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً