المطامع التجارية والاقتصادية قد تكون الأهم التي دفعت البريطانيين إلى الهيمنة على البحرين قبل نحو قرن من الزمن كما يرى بعض الباحثين.
ويقول باحثون إن الاهتمام البريطاني بالبحرين بدأ مع بداية نشاط شركة الهند الشرقية البريطانية. عندما اقترح رئيس وكالة سورات في الهند توماس الدورث إرسال سفن الشركة محملة بالبضائع إلى البحرين والذي اقترح بدوره من بندر عباس السيطرة على البحرين.
ولم يكن مسموحا في البحرين قبل 36 عاما بأن يقوم أي تاجر كان باستيراد سلع من أي شيء كان ومن أي مكان كان، فشركة الهند الشرقية التابعة إلى بريطانيا كانت تحتكر حق استيراد السلع وخصوصا تلك القادمة من الهند، كما كان للمقيم البريطاني حق الإشراف على عمل المصارف ومراقبة النقد من أجل المحافظة على قيمة الجنيه الإسترليني ودعم التجارة البريطانية.
ولم يكن البريطانيون يستهدفون احتكار التجارة الآسيوية أو تلك القادمة من الهند شرقا إلى الخليج غربا، لكنهم أرادوا كذلك السيطرة على الموارد المالية للبحرين عبر استهدافها السيطرة على الجمارك ما يعني سيطرتها اقتصاديا على مورد اقتصادي مهم.
وفي الفترة نفسها أي قبل العام 1971 (استقلال البحرين من بريطانيا) حققت البحرين أول تنوع اقتصادي بإنشاء مصهر ألمنيوم البحرين بمساعدة الإنجليز - في فترة الحماية البريطانية التي امتدت منذ 1880 - فهم كذلك جلبوا معهم أسلوب الإدارة الحديثة لهذه الجزيرة الخليجية.
السيطرة على الجمارك وامتيازات النفط
ويذكر المؤرخون أن استحداث منصب المستشار البريطاني لحكومة البحرين في العام 1926 كان يهدف إلى الإشراف على قطاع النفط الحيوي في البحرين بعد أن بدأت شركات النفط العالمية تتدفق على الخليج من أجل الحصول على امتيازات البحث والتنقيب، إذ صدر في العام 1925 أول قانون للبحث عن النفط، ليس ذلك فحسب فقد شغل هذا المستشار منصب المستشار المالي الأول لحكومة البحرين ومشرفا على الجمارك والطابو (التسجيل العقاري).
وفي المجال النفطي كذلك، أبرمت بريطانيا في العام 1914 اتفاقا مع البحرين تم التنازل بموجبه عن امتيازات وحقوق الأفضلية المتعلقة بحقوق البحرين السيادية المتعلقة بمنح امتيازات خاصة باستخراج النفط من أراضيها إضافة إلى خدمات اللاسلكي واستثمار مصايد اللؤلؤ وعدد من النواحي الاقتصادية الأخرى، ما يعني مزيدا من الهيمنة البريطانية على البحرين في الشأن الاقتصادي.
حرية الاطلاع على الموازنة
وعلى رغم السلبيات التي ترافق الوجود البريطاني في البحرين على الصعيد الاقتصادي فإنه يسجل في هذا التاريخ الإشادة بالوضع الاقتصادي في البحرين وخصوصا فيما يتعلق بوضع موازنة يسمح للشعب بالاطلاع عليها وذلك بنشرها في الصحافة المحلية وذلك بحسب ما ينقله كتاب وثائق بريطانية في الخطاب الذي أرسله «سترلينيغ» إلى «إيه. إيه. أكلاند» بقسم الشئون العربية بوزارة الخارجية، والتي جاء فيها: «إن تقدم البحرين يعتبر نموذجيا بمقاييس الشرق الأوسط... وهذه الموازنة تعتبر علامة مشجعة على مواصلة العمل بهذا الشكل».
وقال اقتصاديون إن معادلة التنوع التي بدأت في عصر الانتداب البريطاني لم ترَ طريقها للاستمرار في عهد الاستقلال، هذا ما عبر عنه المحلل الاقتصادي محمد حبيب إذ ذكر «البحرين أعلنت انتهاجها لسياسية تنويع مصادر الدخل ولكن منذ الاستقلال عن بريطانيا، وعلى رغم تحقيق خطوات في مجال التنوع الاقتصادي وتقليل الاعتماد على النفط فإنه وحتى الآن لم نرَ خطوة مشابهة لتأسيس شركة ألمنيوم البحرين التي تعتبر بمثابة الانطلاقة الأولى نحو تنويع مصادر الدخل وتقليل الاعتماد على الإيرادات النفطية».
وتابع «فعلا حدث هناك نوع من التطور على صعيد الانفتاح الاقتصادي على دول العالم لكن المطلوب الآن هو تبني خطوات جدية لتطبيق هذه سياسية التنوع... ما يحدث الآن هو أنه بارتفاع أسعار النفط نرى أن الحديث عن تنويع مصادر الدخل يكاد يتلاشى والعكس تماما يحدث حين تقل أسعار النفط في الأسواق العالمية... هذا الموضوع نحتاج إلى إثارته باستمرار والتقدم في إنجاز التنوع الاقتصادي المطلوب».
وتروي وثائق بريطانية نشر بعض منها في كتب وأبحاث قصة نجاح تعامل الحكومة البحرينية مع إضراب العمال في مصهر الألمنيوم.
احتكار السلع
وقال رئيس اللجنة المالية بمجلس النواب عبدالعزيز أبل: «بعد الاستقلال أصبح هناك الدينار البحريني وهذه القيمة تستمد من قيمة الاقتصاد وحيويته، وقبل الاستقلال وضع الاقتصاد وحجمه يختلف... كان لدينا بعض النفط وجزء من التجارة، النفط مازال الآن موجودا ومساهماته مؤثرة في الاقتصاد لكن هناك قطاعا مصرفيا وتأمينيا واسعا جدا وضع البحرين على الخارطة الاقتصادية لدينا الآن سوق لتداول الأوراق المالية (بورصة) لدينا اليوم الكثير من التعاملات، هذا لم يكن قبل الاستقلال، كما لدينا تعاملات ونشاطات اقتصادية صناعية وتحويلية وضعت البحرين في وضع مختلف عما كان سابقا».
وأضاف أبل «أيضا الوضع الاقتصادي مرتبط بالسيادة، إذ لم تكن كل السلع مسموحا لها بالدخول إلى البحرين إذ كانت السلع التابعة لدولة المستعمر البريطاني هي الأولى بالدخول، اليوم البحرين تستورد من كل مكان وليس مقيدا إلا بحسب الأنظمة والقوانين».
ورفض أبل فكرة أن الوجود البريطاني مهد لخلق صناعة مصرفية متطورة قائلا: «كان هناك احتكار للخدمات... في السبعينات كانت المبادرة الحكومية المستقلة عن بريطانيا هي التي فتحت المجال للقطاع المالي... هذا الكلام فيه ظلم للإدارة الوطنية... ما حدث في السبعينات هو أن البحرين هي التي شجعت الشركات إذ أعطت المزيد من التسهيلات... كان البنك العربي موجودا لكن كان مقيدا من قبل البريطانيين، ولم تكن هناك مصارف من دول أخرى والدولة الحامية البريطانية كانت تركز على حماية مصالحها فقط».
وعن شركة الهند الشرقية قال أبل: «كانت الشركة تحتكر استيراد الكثير من أنواع من السلع واستيرادها من الهند... وبعد التحرر سمح باستيراد الكثير من السلع خارج هذا النطاق».
وعن توزيع الإيرادات النفطية «ليست لدي معلومات دقيقة... لكن بحسب فهمي العام كانت توزع على ثلاثة محاور على الحاكم وبريطانيا والاحتياطي... لم تكن هناك شركة نفط وطنية إذ إن الشركات الوطنية ظهرت في الثمانينات بعد ارتفاع أسعار النفط وحركة تأميم قطاع النفط التي انتشرت في الدول العربية والخليجية... الإيرادات النفطية زادت عن أيام الحماية البريطانية بحكم ارتفاع الأسعار».
جلب الإدارة الحديثة إلى البحرين
من جانبه ذكر عضو اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس النواب جاسم حسين «حقيقة لا يمكن إنكار دور الانجليز في جلب الإدارة الحديثة إلى البحرين. وربما هذا فسر تقدم البحرين في مجال الإدارة العامة (مثل إعداد الموازنة العامة) على بعض دول المنطقة في الفترة التي تلت الاستقلال. كما نجح الانجليز في تأسيس أول مدرسة منتظمة في المنطقة في البحرين».
وأضاف «بيد أنه تغيرت الأمور فيما بعد بسبب تقدم الدول الأخرى في المنطقة وتأخرنا. فيلاحظ أن دولا مثل الإمارات العربية المتحدة وقطر تتقدمان على البحرين فيما يخص جلب الاستثمارات على سبيل المثال لاتبعها سياسات اقتصادية ناجحة. فبحسب إحصاءات تقرير الاستثمار العالمي للعام 2006 المنبثق من مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (أونكتاد) استقطبت الإمارات 12 مليار دولار من الاستثمارات الأجنبية المباشرة (أي المرتبة الأولى على مستوى غرب آسيا). بدورها استقطبت البحرين 1049 مليون دولار أي ما نسبته 9 في المئة من حجم التدفقات الواردة إلى الإمارات. كما تعتبر إمارة دبي أهم مركز تجاري في المنطقة بلا منازع».
وتابع «بدورها تعتبر قطر رائدة في مجال استقطاب الجامعات العالمية بدليل تأسيس مدينة تعليمية خاصة في العاصمة الدوحة. كما نجحت قطر في استقطاب شركات عالمية لتطوير قطاع النفط والغاز. يعتقد أن قطر في طريقها لتصبح أكبر دولة مصدرة للغاز في العالم. وقال حسين: «أعتقد أن المطلوب منا جميعا - مسئولين ونوابا والمجتمع المدني - الجلوس جميعا إلى طاولة المفاوضات للتفكير جليا في مناقشة التحديات التي تواجه بلادنا مقابل النجاح الاقتصادي الذي يحدث في بعض الدول المجاورة وخصوصا الإمارات وقطر. وعليه فإنني أدعو في هذه المناسبة إلى عقد مؤتمر اقتصادي محلي لمناقشة أوضاعنا الاقتصادية بكل شفافية وروح المسئولية».
العدد 1804 - الثلثاء 14 أغسطس 2007م الموافق 30 رجب 1428هـ