«ما يراه الجسم الصحافي من بديهيات، يعتبره الآخرون من الكبائر»، بهذه العبارة وصف عضو مجلس الشورى وأحد مقدمي اقتراح قانون تعديل قانون الصحافة إبراهيم بشمي موقف السلطتين التشريعية والتنفيذية من فرض عقوبة الحبس على الصحافي من منطلق كونه مواطنا يطبق عليه ما يطبق على غيره من دون أية اعتبارات أخرى، مؤكدا أنه ومقدمي الاقتراح بصدد إعداد ورقة قانونية تفند الشبهات الدستورية التي أثيرت بشأن استثناء الصحافيين من الحبس.
ووصف بشمي الاقتراح الذي تقدم به وأربعة شوريين آخرين بأنه «نقطة الوسط بين كل الأطراف»، معبرا بثقة عن أن قانون الصحافة الكويتي لا يرقى إلى مصاف اقتراح الشورى في جانب دعم الحريات الصحافية، مفترضا «حسن النية» في تعامل الحكومة مع اقتراحهم، على فرض أن الحكومة لا تنوي الدخول في اشكالات مع الصحافة والصحافيين.
وفيما يأتي نص الحوار الذي أجرته «الوسط» مع بشمي بشأن السيناريوهات المتوقعة لمناقشة قانون الصحافة في دور الانعقاد المقبل.
ما توقعاتك للآلية التي سيتم التعامل بها مع اقتراح قانون الصحافة الذي تقدمتم به، والمتوقع مناقشته في دور الانعقاد المقبل؟
- في مجلس الشورى وعلى رغم أطروحات بعض الأعضاء من المجلس بشأن ما إذا كان يجب أن ينظر القانون إلى الصحافي باعتباره مواطنا عاديا، كان من الواضح أن هناك لبسا حاولنا أن نوضحه وسنحاول أن نعد ورقة قانونية ودستورية تبين أنه لا يوجد ما يثار في قضية الشبهات الدستورية باستثناء الصحافي من قانون الحبس.
الصحافي في عمله كما القاضي في عمله، كما النائب... ولاعب الكرة في الملعب وعندما يكسر قدم اللاعب الآخر فلا عقوبة عليه، والطبيب الذي يخطئ في عملية قد توصل المريض إلى الموت فلا يعتبر موته مقصودا، بينما لو قتل هذا الطبيب مريضه خارج العملية فالأمر يختلف.
لكل مهنة خصوصيتها، والصحافي عندما يخطئ في عمله، فيجب أولا أن نتفهم الدور المطلوب منه من قبل الجمهور نفسه، فإذا كنا نطالب الصحافي بكشف قضايا الفساد وأن يلبس لباس الشجعان، فبالتالي من غير المعقول في المقابل أن نسلط عليه عقوبة السجن.
فالصحافي يقوم بمهمة خطرة خطورة العملية الجراحية التي يقوم بها الطبيب وغيره. فكيف نستثني كل هؤلاء الأشخاص في أداء مهماتهم؟
وهذا لب الموضوع الأساسي الذي نعتقد أن هناك كثير من القانونيين ممن يريدون أن يتبنون وجهة النظر الصحيحة إزاء هذا الموضوع.
ما الذي عنيته بتقديم ورقة قانونية بشأن حبس الصحافي؟
- ما حدث من نقاش وجدل بشأن عقوبة حبس الصحافيين رأى البعض أنه استثناء لفئة من المواطنين عن العقوبات التي تطبق على الآخرين، وأن المواطنين سواسية أمام القانون، وينظرون إلى هذا الأمر على أنه تكتنفه شبهة دستورية. لذلك اتصلنا بأكثر من طرف قانوني مهتم بقضايا الحريات العامة والصحافية لكي نبني ورقة قانونية قادرة على الرد على مثل هذه الأسئلة والشبهات التي تثار، ونسعى لوضع ورقة قائمة على أسس دستورية وقانونية تثبت خطأ مثل هذه الأطروحات.
ما توقعاتك إذا في تعامل الحكومة مع اقتراحكم، وخصوصا أن الحكومة كررت وللمرة الثانية سيناريو تقديم تعديلاتها على القانون بعد تقدمكم باقتراح قانون؟
- أتمنى وكما طرح في الجلسة التي تم فيها مناقشة وإقرار الصحافة المقدم من مجلس الشورى ألا تعيد السلطة التنفيذية السيناريو نفسه الذي تم التعامل فيه مع القانون الذي قدم في الفصل التشريعي الأول.
يجب أن يؤخذ في الاعتبار قانون مجلس الشورى، وهو في الأخير قانون واقعي حاولنا أن نلم فيه بمختلف وجهات النظر وأن نعطي لكل ذي حق حقه، إذ لم نسلب السلطة التنفيذية حقوقها، وأعطينا الصحافيين حقوقهم، لكي يكون هذا القانون نقطة الوسط التي تتفق عليها الأطراف المختلفة سواء في مجلس النواب أو الشورى أو السلطة التنفيذية.
وفي حال أن السلطة التنفيذية أبدت تعاونها كما هو متوقع بحسن النية الذي نتعامل فيه معها، فمن المفترض أن يقدم هذا القانون في بداية دور الانعقاد المقبل في أكتوبر/ تشرين الأول المقبل، هذا ما أعتقد أن كل الجسم الصحافي يتابعه ويلاحقه ويرى ضرورة أن يتم الأخذ به.
الحكومة احتفظت بتعديلاتها على قانون 47 في اللجنة الوزارية المختصة لاعادة دراستها، فماذا تتوقعون أن تتضمن هذه التعديلات؟
- هذا ما سمعنا به، ولكن أعتقد أنه حسب القانون واللائحة الداخلية أصبح اقتراح مجلس الشورى هو الاقتراح الرئيسي، وأية تعديلات أخرى على القانون تحال إلى الاقتراح المقدم من قبل المجلس.
توقعت على حد تعبيرك «حسن النية» من قبل الحكومة في التعامل مع الاقتراح الذي تقدمتم به بالصورة المطلوبة، ماذا لو لم تكن الحكومة ايجابية في تعاملها مع اقتراحكم؟
- إذا وضعنا السيناريو الأسوأ، وإذا أخذنا سوء النية وأنا أبرئ السلطة التنفيذية من سوء النية، فستكون هناك أيضا إشكالات قانونية ودستورية حتى في التعامل مع السلطة التشريعية، وأيضا هناك إشكال في التعامل مع الصحافة البحرينية التي تشكل الآن كعاملين فيها أو كعدد صحف رقما لا يستهان به، ولا أعتقد أن السلطة التنفيذية تنوي الدخول في مثل هذه الاشكالات.
من خلال تجربة النواب الماضية أثناء مناقشتها لفانون الصحافة في الفصل التشريعي الأول، كيف تتوقع ردة فعل النواب مع الاقتراح الذي قدمه مجلسكم، في حال أحيل للمجلس لمناقشته في دور الانعقاد المقبل؟
- من خلال التجربة الماضية مع القانون المقدم، كان بعض النواب وللأسف الشديد يسقط أوضاعه الخاصة مع الصحافة وتعاملها معه كتيار سياسي وكأشخاص، ووصل بالبعض منهم إلى خلط بين الموقف الشخصي وبين وضع قانون لتشريع العمل الصحافي.
بمعنى ان بعض النواب وصل به تغليب الجانب الشخصي في تعاملهم مع الصحافة والقانون الصحافي والصحافيين إلى درجة دفعت بهم للقول إنه «لو كانت هناك عقوبة جلد للصحافيين لوضعناها في القانون»، وهذا ما نعتبره قصر نظر ونوعا من إسقاط الذات على جوهر الموضوع، ومن المفترض بالنواب أن يربأوا بأنفسهم عن مثل هذا الخلط، لأننا عندما نضع قانونا فلا نضعه لأشخاص معينين أو حالات معينة، وإنما نضعه لكي يكون قانونا يتم الاستهداء به على مدار السنوات.
مجلس النواب الحالي حدثت في تشكيلته بعض التغييرات وإن لم تكن جذرية، وبالتالي يجب على هؤلاء الأعضاء الجدد الذين لا نريدهم أيضا أن يخلطوا بين أهوائهم السياسية ورؤاهم الشخصية وبين أن نضع للصحافة قانونا متقدما ليس على مستوى البحرين فقط، وإنما على مستوى الوطن العربي بأكمله، وأن يكون رائدنا في هذا الأمر مقولة جلالة الملك التي أكد فيها أنه لا يرضى بحبس الصحافيين.
هل تعتبر الاقتراح الذي قدمتموه اقتراحا نموذجيا لوضع الصحافة في البحرين؟ أم أنكم سعيتم من خلاله إلى ايجاد صيغة توافقية تناسب كل الأطراف؟
- في طول تجربة السنوات السبع الأخيرة، سواء كنا في المجلس أو في لجان المجلس أو الندوات أو ورش العمل، سواء داخل البحرين أو خارجها، تبين أن ما يراه الجسم الصحافي ويعتقده من البديهيات ينظر إليه الآخرون على أنه من المستثنيات، فكيف يمكن الخروج من إطار الشرنقة الذاتية كجسم صحافي وأن يتم الاطلاع على وجهات النظر الأخرى من خلال الكتل السياسية المختلفة، أو الطرف الرئيسي في اللعبة السياسية وهي السلطة التنفيذية، أو من قبل الناس العاديين؟
فما نراه من البديهيات يرونه من الكبائر، فعلى سبيل المثال في الاقتراح الأول الذي تقدمنا به أشرنا إلى أن من يرفع قضية لكي يتهم الصحافي بأنه كتب الموضوع بسوء نية فإنه مطالب بأن يثبت سوء النية لا أن يثبت الصحافي حسن النية، وهذا ما لم تتم الموافقة عليه أثناء مناقشته في مجلس النواب، وتم الرجوع إلى النص المتداول في كثير من القوانين التي يتم فيها المطالبة بحبس الصحافي وعدم إعفائه من عقوبة الحبس.
أعود لأقول إن القانون المقدم من قبل الشورى هو بمثابة نقطة الوسط بين المناقشات التي دارت بين كل الأطراف للمرور بهذا القانون، الذي نعتقد أنه من أفضل القوانين الموجودة في الوطن العربي ونأمل أن يحتذى به كقانون متقدم في الصحافة العربية.
هل أنتم راضون عن اقتراحكم؟
- كل ما يمكنني قوله إنه إذا استطاع أن يمر هذا القانون، فهو إنجاز للتشريعات البحرينية وسيضع البحرين في مصاف الدول التي تكفل الحريات.
ما رأيك في قانون الصحافة الكويتي الذي أشاد به النواب أثناء مناقشة قانون الصحافة في الفصل التشريعي السابق في أكثر من موضع؟
- قانون الكويت الجديد لا يوجد فيه جديد عدا الموافقة السياسية على رفع حظر إصدار صحف جديدة، وهذا القانون لاتزال عقوبة الحبس مطبقة فيه، وقد طُبل وهُلل له لأنه كسر حكر الصحف، ولكنه كقانون لا يرقى إلى مصاف القانون الذي قدمه مجلس الشورى.
البعض انتقد إلغاءكم الصحافة الالكترونية في قانون الصحافة المقترح من قبلكم، فلماذا أقدمتم على فصل هذا النوع من الصحافة من اقتراحكم؟
- في اقتراحنا لم نفصل الصحافة الالكترونية فقط وإنما فصلنا أيضا السينما والمسرح والفنون؛ لأن مجالها ليس المطبوعات والنشر، وكذلك الصحافة الحزبية لأننا لم نتطرق في هذا القانون لهذا الجانب.
هذه الأمور حين تدرج في قانون الصحافة والطباعة والنشر فلا يوجد ما يتعلق بها. والصحافة الإلكترونية موضوع قائم بذاته ولم نكن نود الدخول في مزالق وصراعات واتهامات متبادلة وفي عالم له قوانينه الخاصة، ومن هذا المنطلق لم نضع في اقتراحنا الصحافة الالكترونية.
هل تعتقد أن هناك حاجة لقانون منفصل لهذا النوع من الصحافة؟
- ليس هناك قانون خاص بالصحافة الالكترونية في العالم كله، ليس هناك قوانين تمنع التعدي على الآخرين في مجال استخدام الانترنت، فهذا موضوع كبير بحد ذاته، والدول الكبرى مازالت تضع البدايات الأولى التي تحكم القوانين في هذا المجال المذكور، لذلك فإن الدخول فيه سيؤدي لطرق مسدودة، وعليه استبعدناه من القانون الذي تقدمنا به.
وفيما يتعلق بالصحافة الحزبية ارتأينا عدم الدخول فيها، لأنه ذلك سيخلق إشكالا فيما إذا سيكون تابعا لقانون الجمعيات أو أن قانونا لوحده.
هل اطّلعتم على مرئيات جمعية الصحافيين التي قدمت بشأن القانون؟
- اطّلعنا على كل المرئيات التي قدمت في هذا الجانب، سواء كانت جمعية أو نقابة الصحافيين، أو الكتاب أو دور الطباعة، وكل ما كتب في الصحافة ونوقش في ورش عمل على مدار السنوات السبع، وما كنا مقتنعين بصحته تم الأخذ به ووضعه في هذا القانون، فالقانون عملية اجتماعية مشتركة حاولت أن تعبر عن كل المناقشات التي قدمت في هذا الشأن.
بعض النواب يعتبر أنك دفعت باتجاه تقديم مثل هذا الاقتراح لتعديل أوضاع الصحافيين كونك واحدا منهم؟
- دوري كعضو مجلس شورى جزء من شخصيتي كصحافي ومن حقي الدفاع عن زملاء المهنة كلهم، والقانون لم يقدم مخصوصا لابراهيم بشمي، أولا قدمه سمو ولي العهد قبلي من خلال لجنة تفعيل الميثاق التي انبثقت من مشروع الميثاق الوطني الذي أرساه جلالة الملك. وحين قدم الاقتراح مجموعة من أعضاء الشورى كان إيمانا منهم بمبادئ القانون الذي قدم، وإيمانا منهم أن إحدى أهم مكونات المشروع الإصلاحي هي الحريات العامة التي من أهمها حرية الصحافة والتعبير.
ويشرفني كمواطن وصحافي وعضو مجلس الشورى أن أقدم مثل هذا القانون، وعلى العكس فأنا أسعى لأن أقدم قوانين أخرى تعزز الحريات العامة والمشروع الإصلاحي.
العدد 1804 - الثلثاء 14 أغسطس 2007م الموافق 30 رجب 1428هـ