في ليلة من الليالي خرجت فرأيت السماء صافية وقمرها متكاملا وقد أرسل أشعته البيضاء على ربوات الأرض وتلالها، وانتثرت أنوار القمر على الأشجار الباسقة بأوراقها النضرة وأثمارها اليانعة، وقد داعبها نسيم عليل يحرك أغصانها فتميل ميلان الغيد في مشيهن اللين. كنت طروبا لهذا المنظر الخلاب الذي هز مشاعري لجمال هذه الطبيعة، فصرت من توي إلى البيت وفتحت باب المكتبة وجلست على الكرسي وفتحت شبكة الانترنت وداعبت أزرارها بأناملي، ومازلت مملوءا من الشوق لمنظر الطبيعة الخلاب، الأمر الذي دفعني إلى فتح الانترنت حتى أسبح على أمواجها واتصل بصديقي في لبنان كي أسأله عن هذا المنظر الطبيعي الذي رأيته في سماء بلدي، هل إنه خاص بها أو منتشر في سماء الدنيا كلها. أضف إلى هذا مقارضة الحديث واقتطاف أزهاره بواسطة هذا الجهاز المتطور، وسرعان ما كلمني وكنت معه سألته هل ترى ما أرى في الكون؟ فقال وما ذلك؟ قلت إني أرى تغيرا كونيا في جمال الطبيعة، لقد ألبست منظرا لا مزيد عليه من البهجة، فقال لي نعم وأنا أرى ذلك. فكنت وإياه في دهشة وإذا بي أحس بيد على كتفي ناعمة تحركني، ناديت لمن هذه اليد فتلفت في دهشة وإذا بها بنت أفكاري «ماسنلوبي» قائلة أين ذهبت وهل كنت في غفلة عن الكون؟ نجوم زاهرة تلفت الأنظار بأنوارها المتناثرة، كواكب لامعة باهرة يتصورها الإنسان كأنها الأشجار الباسقة الساحرة، ينحسر الطرف عن تصور جمالها النضر، لا أتمكن من وصفها، وفي الأفق أسراب من الطيور الجميلة وقد أطربني نوع منها، وما أطلق عليه بالعندليب أن طار حير وان غرد أطرب، أشبه صوته الأجراس لنغمات يميس الصخر منها طربا وشوقا، فذكرني بها الوصف بما يطرب السامعين كالآتي:
بعثت الصبابة يا بلبل
تبارك خالقها الأول
غناؤك يملأ مجرى دمي
ويفعل في القلب ما يفعل
سكبت الحياة إلى مهجتي
كأنك فوق الربا منهل
ترتل فن الهوى والصبا
شجيا وإن كنت لا تعقل
فضاق بك الروض في رحبه
وأنت لأجوائه مرسل
نكبت بما نكب العاشقون
وحملت في العشق ما حملوا
هدوءك في طية مرجل
وريشك من تحته مشعل
خفيف على الغصن لكنم
فؤادك من لوعة مثقل
جناحك فيك فلم لا تطير
إلى ما تحب وما تسأل
أفي عالم الطير لؤم الوشاة
ومن يتجسس أو ينقل
وهل للبلابل دين يصد
عن الحب أم أية تترل
فقالت دع عنك الشعر وأغلق شبكة الإنترنت وقم معي لنشاهد الفضاء لننظر آيات الله الكبرى وما حبى الله به هذه الطبيعة من الجمال الرائع، فقمت معها فنظرنا الكون كله ضياء السماء ضياء الفضاء ضياء، وفم الكون ضياء لا ضياء الشموس لا ضياء القمر لا ضياء النجوم الزاهرات، انه ضياء لا يشبه أي نور. ثم قالت «ماسينلوبي» انظر واني اسمع وي من هذه المرآة التي قالت وي نعم إنها حكيمة تسأل الإمام العسكري (ع) في دهشة مولاي لقد غيبت عني نرجس أين ذهبت؟ فيرد عليها (ع) لا تخافي يا عمة ستعود إليك. وبعد مضي ردح من الزمن قالت حكيمة نعم لقد ردت نرجس، ولكن هي في شبح من الأنوار القدسية لا أكاد أن انظر إليها. نعم يرد الطرف عنها وهو حسير، ونحن على هذا المنظر الساحر، وإذا قد غشى الكون وجوم حسي، ولكنه يبعث الجمال ولا يبعث على الرعب، كل متحرك سكن سكونا هادئا، كنت أتحدث مع بنت أفكاري فنسيت نفسي، آه وفي أي مكان أنا؟ هل أنا نائم أم أنا غيري؟ نعم هي الفترة التي هيمنت على الدنيا وفضائها وما كان فيها، وهيمنت على حكيمة وعلى نرجس وفجأة وإذا قد أزيح الستار وبرز الكون كله في وضوح جمال باهر، وقد بدا الإمام العظيم (ع) بمنظره البهي ملعلعا بلا إله إلا الله محمد رسول الله، وقد رمق السماء بطرفه ووضع يديه على الأرض مستقبلا القبلة، الملائكة في السماء والأرض، وفي الجنة تعج عجيجها لا إله إلا الله، الناس كلهم يقولون لا إله إلا الله... قولوا معي كلكم لا إله إلا الله، خضع الكون كله للعلي القدير، فم الكون كله تسبيح وتهليل وتقديس، وسال الأثير هيبة لهذا المنظر، وطبق نوره تلك الأنوار فلا نور إلا نوره الممتد من نور الله (الله نور السموات والأرض) هذا ما لزم بيانيه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ جعفر الخال الدرازي
العدد 1818 - الثلثاء 28 أغسطس 2007م الموافق 14 شعبان 1428هـ