كان القلق باديا عليها وقد بدأت في قضم أظافرها قضما، وعينيها ترنوان للأسفل تارة، وتارة أخرى ترمق السماء بانكسارو قد أرقتها تلك الجملة فكانت ترن في أذنيها فتعذبها أيما تعذيب.
تمتمت بقلق: ما بكِ يا أمل... أتراه غاب عنكِ الأمل؟!
واستسلمت لنوبة بكاء اجتاحتها بعد أن طرقت الذكريات بابها فسبحت معها محتضنة تلك الصور القديمة المتناثرة على سريرها.
كان المكان يعمه السكون وقد وقفت أمام مشهد لطالما كان الأروع بالنسبة لها إذ الأمواج الهادئة تبتعد عن الشاطئ في فينة لتحتضنها في فينة أخرى في تناغم مع زقزقة العصافير والنوارس محلقة فوق البحر في كبد السماء.
التفتت للناحية الأخرى فوجدت عينين تشعان بالأمل والتفاؤل ترمق ذلك المشهد باستغراق، كانت تلك عيني جدها المريض فها هو وجهه تكسوه الصفرة والشحوب، وعلى رغم ذلك تراه مفعما بالأمل متناسيا بذلك الألم، قبلته واحتضنته:أحبك أبتاه...
و استيقظت من دفق ذكريات ذلك اليوم الذي مضى عليه ثلاثة أشهر فكفكفت دموعها راجية ربها شفاءه العاجل.
مرت أيام العيد رتيبة ليست كعادتها يكسوها الحزن مكللة بالدموع، كانت المرة الأولى في حياتها في أول أيام العيد تجلس من دون حلل جديدة فقد كانت تقضي اليوم بأكمله في منزل جدها، أما في هذا العيد فقد كبلها الضيق والألم فغدا كالسلاسل التي تقيد السجين، وشعورها باقتراب الرحيل يكاد يصيبها بحال من الجنون!
ذهبت لزيارته ففجعت بدموعه المنهمرة و هويحدق فيهم بصمت واحدا تلوالآخر ولكأنه يودعهم!
ألقت عليه نظرتها الأخيرة لترحل ولم تعلم أنها آخر زيارة ففي الصباح حدث الرحيل وفاضت تلك الروح الجميلة لتتركها في صدمة لا تصدق، وعلى رغم أنها بكت بجانبه وقبلته قبلة الوداع إلا أنها ما زالت لا تصدق خبر الرحيل وقد مضى أسبوع على ذلك.
وقفت في ذلك اليوم بجانب نافذتها ترمق الفضاء: تخيلت روحك يا جداه نجمة عادت للسماء، آه يا جداه الآن فقط فهمت نظرة الاستغراق تلك، أظنك كنت تشعر بأنها المرة الأخيرة، فياليت ذلك اليوم يعود للحظة بل يا ليت لحظة الوداع تعود لثوانٍ كي أراك فقد اشتقت إليك و تكبلني الذكريات فيجرفني ذلك للحنين إليك، رحمك الله يا أبتي.
زهراء أحمد العم
العدد 1891 - الجمعة 09 نوفمبر 2007م الموافق 28 شوال 1428هـ