العراق أكثر أمنا لكنه منقسم
قالت صحيفة «لوس أنجليس تايمز الأميركية في تقرير مطوّل لها إنّ زيادة القوات الأميركية في العراق استطاعت أنْ تحد من العنف، ولكنها أخفقت في إرساء التعاون في أوساط السياسيين، وبدا العراق أكثر بلقنة، طائفيا وعرقيا.
ففي الجنوب - تقول الصحيفة - المليشيات الشيعية المسلمة تخوض حربا حول الموارد النفطية في منطقة البصرة، وإلى الغرب في الأنبار العرب السنة الذين قاتلوا في السابق مع القوات الأميركية يساعدون في إشاعة الأمن في الشوارع والطرق السريعة المؤدية إلى الأردن وسورية.
وفي الشمال الأكراد والعرب والتركمان يتصارعون على مناطق كركوك والموصل، ولا يختلف الوضع في بغداد إذ تقسم الجدران الأحياء التي تحميها الجماعات السنية المساعدة والمليشيات الشيعية.
ونسبت «لوس أنجليس تايمز» إلى جوست هيلترمان المسئول في مجموعة الأزمات الدولية قوله إنّ «العراق يتجه نحو دولة فاشلة وتشرذم مع وجود مراكز للقوة تدار من قبل أمراء الحرب والمليشيات».
وأضاف «هيلترمان» أن «الحكومة العراقية المركزية لا تملك سيطرة سياسية على كل ما هو خارج بغداد، وربما خارج المنطقة الخضراء».
وتابعت الصحيفة أنّ زيادة القوات الأميركية كانت تهدف إلى مساعدة القادة العراقيين على التغلب على اختلافاتهم ومنحهم مساحة لتمرير إجراءات للتسوية بهدف إنهاء الحرب الطائفية، بيد أنّ صنّاع القرار مازالوا منقسمينَ وماضينَ في التشكيك حول دوافع بعضهم بعضا.
ففي الصيف الماضي، تخلت الأقلية من العرب السنة عن التحالف الحكومي وتركت الشيعة والأكراد بغالبية محدودة في البرلمان، ما جعلهم عاجزينَ عن تمرير أيّ قرار لحل مشكلات البلاد، سواء كان قانون النفط الوطني، ومراجعة الدستور العراقي الجديد أو التشريعات التي تحدد نفوذ المجالس المحلية.
وقالت الصحيفة إنّ كل الجهود الرامية لتوضيح معالم العلاقة بين بغداد والأقاليم الأخرى لم تراوح مكانها.
من جانبه قال دبلوماسي أميركي، حبذ كغيره عدم ذكر اسمه: إنّ «غياب الحكومة في العديد من المناطق سمح للكثيرين بالدخول سواء كانوا من المليشيات أو غيرهم».
وأضاف الدبلوماسي أنّ «على الحكومة العراقية في العام المقبل أن تتدخل وتؤكّد وجودها كقوة مهيمنة»، وأشار إلى أنّ هدف رئيس الوزراء نوري المالكي الأساسي للعام 2008 يجب أنْ ينصب على الخدمات، على رغم «أنّ ذلك في غاية الصعوبة ولكن الفرصة مازالت متاحة».
رئيس مركز الثقلين للدراسات الاستراتيجية الشيخ فاتح آل كاشف الغطاء شبّه الوضع في العراق بأنه «طفل حديث الولادة يعاني ويصرخ».
وأكّد كاشف الغطاء ضرورة قيام الحكومة العراقية بتفعيل التشريعات كالتي تتعاطى مع عائدات النفط ونفوذ الأقاليم قبل الربيع؛ أي عندما تبدأ خطة انسحاب القوات الأميركية من بغداد، وإلاّ فإنّ الجمود في البلاد سيبقى على حاله.
كركوك منطقة قابلة للانفجار
اعتبرت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أن مدينة كركوك هي أكثر المناطق القابلة للانفجار في العراق بسبب التعقيدات الناجمة عن تشابك الثروات النفطية بالسياسة والتوترات العرقية.
وذكر مقال نشرته الصحيفة للكاتب ستيفن فاريل أن مصير المدينة يعد من القضايا الفاصلة في الجدل الدائر بين جميع الأطراف حول ما إذا كان تقسيم العراق بين الأكراد والعرب السنة والعرب الشيعة سيصبح أمرا واقعا في نهاية المطاف.
وتناول فاريل في مقاله التنافس المحموم للسيطرة على نفط كركوك بين ألوان الطيف العرقية والسياسية العراقية, مشيرا إلى اكتظاظ ملعب كرة القدم بالمدينة بنحو 2200 كردي جلبوا من خارج المدينة، بعضهم من أتباع الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه الرئيس جلال الطالباني.
وقال: إنّ هؤلاء الذين حولوا الملعب إلى «مدينة لاجئين» لم يستجلبوا لحضور مباراة في كرة القدم بل لغرض سياسي هو الإدلاء بأصواتهم في الاستفتاء الشعبي القادم المنتظر إجراؤه في 31 ديسمبر/ كانون الأوّل للبت في إتباع محافظة التأميم الغنية بالنفط وعاصمتها كركوك لإقليم كردستان الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي.
غير أنّ المقال أبدى شكوكا في إمكانية إجراء الاستفتاء في الموعد المحدد الذي نصّ عليه دستور البلاد.
ففي بلد اشتهر ببطء العملية السياسية فيه، كما يرى الكاتب، فإن من الأشياء القليلة التي يتفق عيها أكراد كركوك وعربها وتركمانها هي أن موعدا سياسيا آخر على وشك أن يحدد.
ويمضي الكاتب إلى القول «إنّ هذه المدينة غير المستقرة لا يمكنها تحمل مزيد من التأجيل والغموض، ذلك أن تشابك النفط والسياسة والتوترات العرقية يجعل كركوك أكثر المناطق القابلة للانفجار في البلاد, وإنّ مصيرها يعد مسألة فاصلة في الجدل الدائر بين كل الأطراف حول ما إذا كان العراق سيقسم في نهاية المطاف بين الأكراد والعرب السنة والعرب الشيعة.»
وقال إن أكثر ما يضايق الأكراد المكتظين داخل الاستاد هو أنه في الوقت الذي يستنشقون فيه الروائح الكريهة المنبعثة من المنطقة المحيطة فإن بعض العرب على الجانب الآخر من المدينة والذين انتقلوا إلى كركوك مايزالون يعيشون في أحياء مريحة.
وأشار الكاتب في مقاله إلى أن مازاد الطين بلة رغبة تركيا في حماية الأقلية التركمانية في كركوك ونزعتها العدائية تجاه استئثار الأكراد بحقول النفط هناك، إذ تخشى إسطنبول من أن يؤدي ذلك إلى أنْ يتجرأ الأكراد إلى إعلان دولتهم المستقلة ما سيشجع بدوره الانفصاليين الأكراد شمال شرقي تركيا لأن يحذو حذوهم.
وإذا كان الصراع يحتدم بشأن من تؤول إليه السيطرة على النفط في باطن الأرض وعلى البشر فوق سطحها فإنّ السلوى الوحيدة هي أنّ معظم العرب يجمعون على أنّ احتمال أنْ تصبح كركوك كردية واحدة بين السنة والشيعة وخفف من حدة التوتر بينهم
العدد 1933 - الجمعة 21 ديسمبر 2007م الموافق 11 ذي الحجة 1428هـ