قراءتان تاريخيتان على الأقل ليوم عاشوراء تتقاسمهما الطائفتان المسلمتان الكريمتان، وإن بدتا منفصلتين في محوريهما الأساسيين إلا أنهما تشكلان تمازجا رائعا باستطاعته لو عُزز من قبل الطائفتين أن يخلق جوا ترابطيا كبيرا في مفهوم الإحياء، وخصوصا أنهما تتفقان في الإطار العام على عظمة هذا اليوم.
القراءة الأولى تركز على الاحتفاء بهذا اليوم عبر صيامه، اعتمادا على عدة روايات تشير إلى أن الرسول (ص) أمر بصيامه، لأن فيه نصر الله تعالى النبي موسى (ع) وأتباعه وأغرق فرعون وجنوده. أما القراءة الأخرى فبقدر ما تجعل من مقتل الإمام الحسين بن علي (ع) مرتكزا أساسيا للاحتفاء بهذا اليوم فإنها توسع الدائرة بمساحة أكبر لتجعل منه منطلقا للكثير من المبادئ الإنسانية والمطالبة بالحقوق في مقابل البعد المأسوي الذي قد يستغرق فيه كثيرون ويتناسون المبادئ الأولى للثورة الحسينية.
اللافت في الأمر أن الفاصل الكبير الذي يوسّع الهوة بين القراءتين هو سلبية تناول بعض المنتمين من الطائفتين ليوم عاشوراء من زاوية محدودة واختزاله في استحبابية الصوم من جهة واستحبابية البكاء من جهة أخرى. غير أن تناولا متأنيا وعقلانيا للمسألة بإمكانه أن يأخذ من القراءتين نظرة توحيدية بعيدة المدى تجمع الإحياء العاشورائي في قالب واحد، وهو ما بدأ يعمل به كثيرون من عقلاء الطائفتين.
شد انتباهي وأنا أتصفح الإنترنت قبل أيام مقال للكاتب رشاد محمد لاشين كتبه قبل عامين بمناسبة ذكرى عاشوراء، بعنوان «عاشوراء احتفالية النصر على الطغيان»، قال فيه: «تأتينا عاشوراء كل عام لتعلمنا الدروس وتسوق لنا العبر والعظات من نجاة سيدنا موسى وأتباعه وهلاك الطغيان الرهيب المتمثل في فرعون وجنوده»، وتحدث لاشين عن قوانين النجاة والنصر عند عدم تكافؤ القوى الظاهرة، مستشهدا بقصة موسى عليه السلام (المحتفى بها). وذكر من تلك القوانين اتباع القيادة ورفض سيطرة الباطل والتخطيط والأخذ بالأسباب وأخيرا القوة النفسية باستشعار معية الله تعالى، فمن يتعامل مع الله لا يزن القوى بالموازين الظاهرة ولا يرتب على أساس التكافؤ المادي بل يرتب على أساس الغلبة بقوة الله تعالى.
جرأة الكاتب وقدرته على تحريك عاشوراء من صورة (الصوم والفرح) الجامدة إلى استنساخ صورة المواجهة والصمود من قصة موسى (ع)، تتشابه كليا مع قراءات يعكف على تطويرها القائلون بـ»كربلائية» عاشوراء، من حيث المضمون والأهداف. فلو نظرنا إلى عاشوراء موسى والحسين (عليهما السلام) على أنه عاشوراء واحد يشترك ضمن المساحة الأكبر منه في «احتفالية النصر على الطغيان» كما أرادها الكاتب لاشين سنجد أننا أقرب في قراءاتنا المتعددة إلى الهدف المنشود من النهضتين (الموسوية) و(الحسينية). فهل نحن فاعلون؟.
عبدالله الميرزا
العدد 1960 - الخميس 17 يناير 2008م الموافق 08 محرم 1429هـ