العدد 1961 - الجمعة 18 يناير 2008م الموافق 09 محرم 1429هـ

عزاء الطويريج... عزاء الفاجعة والألم

لا يوم كيوم الحسين، يوم أقرح جفوننا حزنا، وألهب صدورنا كمدا. انه اليوم الذي لم تطوه ذاكرة التاريخ، ولن يموت أبدا، ففي ظهيرة ذلك اليوم، وفي استحضار مؤلم للفاجعة، تخرج جموع غفيرة من المعزين وهم في دهشة من أمرهم كأنهم فقدوا للتو، يهرولون حفاة نحو الروضة الحسينية صارخين واحسيناه. عزاء لا يتكرر، ولن ترى له مثيلا. انه عزاء الطويريج، الذي لن يطل يوم عاشوراء بدونه.

عند مشهد مثير للألم والحسرة، تبدأ الهرولة بعد صلاة ظهر يوم العاشر وهو التوقيت الذي استشهد فيه الإمام الحسين (ع)، إذ يجتمع المعزّون متشحين بالسواد، وهم حفاة حليقي الرؤوس على المدخل الشرقي لقضاء الهنديّة في منطقة تسمى باب طويريج، ((عشرين)) كيلومتر تقريبا من كربلاء، هذه المسافة يعبرها هؤلاء المعزون جريا على الأقدام، لمدة تزيد عن ثلاث ساعات حتى يدخلوا الروضة الحسينية. ويرجع المؤرخون هذا العزاء الى نساء بني أسد، حين وصل الى مسامعهن خبر مقتل الإمام الحسين (ع)، تراكضن دون شعور تاركين رجالهن وأطفالهن هولا من شدة المصاب، فأخذت رجال بني أسد الحمية على نسائهن فلحقن بهن ركضا حتى وصل الجميع الى حيث رأوا جسد الإمام ملقى على الأرض، حينها بدأ العويل والبكاء بحرقة.

بنو أسد قبيلة من مضر وقبيلة من بني ربيعة وكلهم قرشيون يرجع نسبهم الى عبد العزى الذين شهدوا حلف الفضول، تقدموا بمساعدة جيش سعد بن أبي وقاص في حرب القادسية عند فتح العراق، إذ يشار أن قاتل كسرى الفرس رستم في تلك المعركة من بني أسد، وكان لهم دور في دفن أجساد شهداء الطف وفقا لما ذكره ابن الأثير في كتابه «الكامل في التاريخ»، ودفن الحسين وأصحابه أهل الغاضرية -اسما آخر عرفت به كربلاء- من بني أسد بعد قتلهم بيوم.

هذه الحادثة، تم إعادة ذكراها بروح الفاجعة، لكن هناك اختلاف في تاريخ إعادتها، فيشار الى إنها ترجع الى زمان الشريف الرضي عام 456هـ، ويرى آخرون إنها تعود الى عصر السيد مهدي بحر العلوم المتوفى عام 1212هـ، بينما يؤكد البعض ان الموكب انطلق عام 1298 هـ على يد السيد ميرزا صالح. في العام 1966 حدثت فاجعة عزاء الطويريج، إذ تعرض الموكب لاختناقات أدت لوفاة ثلاثة وثلاثين شخصا، وعلى اثر ذلك تم تغير مسير الموكب من سوق العرب الى قنطرة السلام، فشارع الجمهورية مارا بشارع القبلة، ثم دخول باب القبلة المؤدي إلى صحن الحسين (ع)، ثم يخرج من باب الشهداء مارا بشارع علي الأكبر، فدخوله من باب الإمام الحسين الخارج عن صحن العباس وبعد الطواف في الحضرة العباسية يخرج إلى المخيم عن طريق شارع العباس فشارع الجمهورية ثم شارع المخيم، وفي هذا الوقت يتم تمثيل حرق الخيام.

وقد منع حزب البعث بعد وصوله السلطة هذا العزاء، ما جعل العراقيين المهجرين إلى إيران يحيون هذا التمثيل، إذ يخرج موكب لهم في مدينة قم يتقدمهم شباب من منطقة الطويريج في يوم العاشر متجهين الى قبر المعصومة فاطمة بنت الإمام موسى الكاظم. وعندما أُطيح بنظام البعث عاد هذا العزاء مرة أخرى، وعلى اثر هذه العودة الكبيرة، بدأت بعض العواصم العربية كمدينة المنامة تحيي هذا العزاء، ويتقدم الموكب مجموعة من علماء ومشايخ الدين رغبة منهم في إحياء عزاء الطويريج، اذ يقول احدهم حينما سئل عن هذا العزاء ان «الهرولة مع الجأر باسم الحسين (ع) من مظاهر التعبير عن الحزن، فهو جائز لعدم ترتب أي محذور شرعي على ذلك، والظاهر أنه يساهم في إلهاب الشعور بالارتباط والعلاقة بسيد الشهداء (ع)». هكذا خُلد عزاء الطويريج ليكن شاهدا على هول المفأجاة وشدة الصدمة، التي تتجدد كلما مرت الذكرى، إذ لا يغير الزمن من ذلك الشعور الحزين الباقي ببقاء الحسين (ع).

@ كاتبة بحرينية

العدد 1961 - الجمعة 18 يناير 2008م الموافق 09 محرم 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً