يقول الشاعر المصري أشرف عامر في قصيدته: «في مساحة غير بعيدة!»: لم يعد الأصدقاء/ هم الأجمل../ وملح الوطن../ لم يعد فاتحا لشهية أبنائه!هو تقريبا/ متأكد!»، ويبدو أن هذا المقطع الشعري كان الأقرب إلى نفس الشاعر؛ مما حداه إلى اختيار عنوان لديوانه «هو تقريبا.. متأكد». من هذا المقطع بالذات، وكما في بقية القصائد التي تضمنها الديوان لم تخل القصائد من نبرة التشاؤم وعدم الرضا التي تلامس في أحيان كثيرة حالة يأس تحيط بالشاعر انعكست على شعره؛ مما أدى إلى أن غلبت على هذه المجموعة الشعرية روح القنوط واليأس والشك في أن تؤول الحياة إلى ما هو أجمل.
من المستغرب أن يصمت شاعر عشرين سنة ويختار عالم الأطفال فينشر ديوانين من الشعر الموجه للأطفال ليرجع الآن بعد طول غياب بحال من اليأس والإحباط والتباكي على الماضي. فهل هو الواقع المر الذي دفعه إلى أن ينطق؟ هل فاضت به الكأس حتى لم يملك سلطة على قلبه المهموم ولسانه المثقل كلاما؟ قد يكون ذاك وقد يكون اقتنع بعد صمت طويل أن في الكلام راحة لا يمنحها الصمت.
«هو تقريبا.. متأكد» ديوان شعري يحتوي على 94صفحة من الحجم الصغير، صدرت طبعته الأولى أخيرا عن دار ميريت بالقاهرة ويتضمن نحو 21 قصيدة من صنف الشعرالحر كتبها الشاعر على امتداد ثلاث سنوات من 2005 إلى 2007.
وعلى الرغم من تصنيفه ضمن خانة الشعراء السبعينيين، فإن عامر لم يلجأ في نظم قصائده إلى تراكيبَ لغويةٍ أو مفردات لغوية قد يعسر استيعابها من قبل قراء شعره ولكنه في الوقت ذاته لم يهمل الصورة الشعرية المميزة. بساطة اللغة في قصائد عامر حملت الواقع في صورة كلامية جميلة، على الرغم من أن الواقع في «هو تقريبا.. متأكد» لا يعدو كونه سوى واقع مر لا يحمل بارقة أمل، واقع يحنق عليه الشاعر وهو في ذلك لا يختلف عن غيره من المواطنين العرب، أموات يرتدون أثواب الأحياء ولكنهم ليسوا أحياء، بني آدميين من دون طموح،من دون أمل ومن دون مستقبل.
لا يختلف عامر في قصائده مع الشارع العربي المكبوت، المنزوع الإرادة، ولكنه اختلف مع الكثير من شعراء جيله ممن اختاروا الصمت والتباكي في ركن منزوٍ، فتقوقعوا على أنفسهم، وهجروا الشعر وقول الشعر. عامر على العكس منهم صرخ بهذا الديوان، اختار أن يتكلم حتى لو كان ذلك بنبرة انهزامية يائسة.
يقول الشاعر في قصيدة حملت عنوان «القاهرة»: «هكذا يجب أن تكون/ بدايتنا الرقيقة/ شارع ممزق/ تلال من «البني آدميين» /المتآكلين/ شجر من البلاستيك/ وإضاءات../ باعة جوالون بملابس قذرة/ وتماهٍ مربك لأصوات/ مبحوحة/ وأنا بين الركام/ والضجيج/ والصقيع/ أقفز فوق الجميع/ أتقاطر،/ أتخايل،/ أتسرسب.. أترسب/ أتحلل../ وبين الأزقة../ أضيع../ حقا.. إن العالم أضعف/ من احتمال قصيدة/ رديئة».
عندما تتصفح ديوان «هو تقريبا.. متأكد» لابد أن تلاحظ أنه لا يحتوي على مجموعة قصائد فحسب وإنما كان الشاعر يمهد لكل قصيدة فبدا من خلال ذلك وكأنه يقدم للقصيدة، وكأني به يقول من خلال هذه الجمل القصيرة أو الأبيات الشعرية المختصرة التي تصدرت بداية كل قصيدة: لهذا السبب كتبت القصيدة أو هذه هي ظروف نظم تلك القصية؛ مما يمنح قارئ مجموعة القصائد في «هو تقريبا.. متأكد» انطباعا بأن الشاعر يخاطبه مباشرة.
يذكر أن في رصيد الشاعر المصري أشرف عامر أربع دواوين شعرية منها ديواني شعر للأطفال هما «اللون والخيال» و «نجارنا الفنان»، أما الآخران فقد صاغ عامر أولهما باللغة العامية المصرية والثاني باللغة العربية الفصحى.
العدد 2022 - الأربعاء 19 مارس 2008م الموافق 11 ربيع الاول 1429هـ