إن الحملات المسعورة المبرمجة التي تشن بين وقت وآخر على الإسلام بمختلف الأساليب والوسائل ومن جهات متعددة قد تفوق الحملات السابقة آلاف المرات، وكأن المسألة مخطط شيطاني كبير وواسع يحاك في الظلام ضد الإسلام بمفاصله المختلفة واتجاهاته المتنوعة، ولا يستبعد أن تكون وراء تلك الهجمة العنيفة أيادٍ صهيونية بغيضة وحاقدة كما ثبت ذلك وبالدليل القاطع أنهم وراء الرسوم المسيئة للرسول (ص) في الدنمارك.
بالأمس أحد الأحزاب العلمانية في الدنمارك شن حربا إعلامية شرسة ضد النساء المسلمات المحجبات سلك القضاء، مع كل تلك التحديات لمشاعر أكثر من مليار مسلم، لم نسمع ردود فعل من ما يسمى بالعالم الحر الذي يرفع شعارات رنانة عن حقوق الإنسان العالم، ولم نلمس أن هناك تحركا عربيا أو إسلاميا في هذا الاتجاه، ولكن نرى بعضا من المسلمين يعطون لأصحاب تلك الحملات التبريرات والذرائع لما يدعونه ضد الإسلام، ويصورون للشعوب الغربية التي لا تدري عن الإسلام شيئا غير الذي تشاهده على شاشات التلفاز، القيام بعمل غير مدروس ولا يمثل شعارا للإسلام وأدعي عمليا أنه من الإسلام، هذا الفعل أو القول لابد أن نقف عند أصحاب هذه الفكرة طويلا.
ونسأل أنفسنا، لماذا قام أولئك بهذا الفعل أو نطقوا بهذا القول؟ أما أنهم يجهلون حقيقة الإسلام أنه جاء رحمة للعالمين وليس لقطع الرؤوس، وأما أنهم من الناس الذين يريدون أن ينفعوا الإسلام فيضرونه من حيث لا يشعرون وهؤلاء وضعوا في زاوية خاصة في المجتمعات الإنسانية التي تجعل الناس لا يثقون بعقولهم، من الذي قال إن الإسلام شعاره قطع الرؤوس؟
هذه أخلاقياته وأدبياته بين أيدينا لم نجد في زاوية من زواياه يدعو إلى هذا الفعل المشين في كل الأحوال والظروف، الإسلام جاء لنشر الأمن والسلام في ربوع المجتمعات الإنسانية من دون إكراه.
مسألة الدفاع عن الإسلام له أساليبه المختلفة والمتنوعة وله ميادين واسعة ممكن النزول فيها بقوة وعزيمة وبتخطيط واع رصين، فلدينا أبواب الثقافة والفكر ولدينا عصب الاقتصاد، والجهاد في سبيل الله يعني أن تكون مدافعا أمينا عن الإسلام في كل المواقع العالمية مستخدما الآليات العالمية وتوظيفها جيدا في خدمة القضية، أما أن أخرج بنفر قليل لا يمثلون شيئا في المجتمع ليعطي لوسائل الإعلام الغربية الفرصة لأخذ لقطات من كل الجهات لشخص يقطع رأس رجل ويدعي أن فعله من الإسلام، هذا الفعل العقلاء يقولون إنه مكملا لذلك الفعل الذي تعمد الإساءة لنبي الإسلام، حتى ولو يقصد من وراء تلك الممارسة هذا الأمر.
الإسلام جاء وتحدى العقل الإنساني بحججه وبراهينه ودلالاته الثابتة، الإسلام لا يصادر العقول وإنما جاء لينورها ويفتح أمام الإنسان آفاق واسعة للمعرفة والعلم الواعي الخالي من كل الشوائب التي تودي بالجنس البشري في مواقع كثيرة، ليس لنا الحق أن نتحدث عن الإسلام بحسب ما تمليه علينا مؤثراتنا النفسية، الإسلام أمانة في أعناقنا فلنقدمه للعالم كما يريده الله جل شأنه ورسوله (ص) وليس كما نريد نحن، لا نساعد الصهاينة في حملاتهم على الإسلام من حيث لا ندري.
إن ممارساتنا الخاطئة يأخذونها كمادة أساسية في ضرب قواعد الإسلام الأخلاقية، لم يشوه الإسلام إلا من ممارساتنا السلبية التي نظن أننا من خلالها نستطيع تحقيق بعض المكاسب السياسية التي عجزنا أن نحققها بطرق أخرى، ليس من ثقافة الإسلام ما نراه يعرض على الكثير من الشاشات الفضائيات العربية والإسلامية والعالمية.
كل ما نراه مجموعة حلقات توصلنا في نهاية المطاف إلى أن الإسلام جاء لسفك الدماء والقتل والتنكيل بالبشر وللسلب وتفجير المفخخات في أوساط الأسواق، ويظهر فضائيات العالم الشخصية التي تقدم الإسلام على أنه دين يتلذذ بشرب الدماء، وكأننا لم نقرأ التاريخ الإسلامي وكأننا لم نقرأ عن رسول الإنسانية محمد المصطفى (ص)، كيف كان رحيما عطوفا حتى على أعدائه، فكان يدعو إليهم دائما بالهداية، وكان يردد (ص) في مواقع محرجة جدا «اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون»، لم يكن ينظر للإنسان بعين حاقدة أبدا، لأنه يعلم أنه هو الحق، والحق لا يخاف من الباطل مهما عظم ذلك الباطل وكبر، لم يأتِ الإسلام لبث الرعب في أوساط المجتمعات الإنسانية، كان يدخل إلى مختلف البلدان برايات السلام والمحبة، وإلا لو كان رجالات الإسلام الأوائل يتعامون مع الإسلام كما نتعامل نحن الآن لما استطاعوا أن ينشروه في تلك البقاع التي يختلف أهلها مع المسلمين في الأعراف واللغة والعادات والتقاليد، بقلوبهم التي تستوعب كل الناس مختلف أطيافهم وتياراتهم وفئاتهم وأعراقهم تمكنوا أن يدخلوا الإسلام في عقولهم، ما أردت قوله كل فعل يقوم به نفر من الناس في مجتمعنا ويعطون من خلاله انطباعا سيئا عن الإسلام الحنيف سيساءلون يوم القيامة وسيطول وقوفهم بين يدي الله وسيحاسبون حسابا عسيرا، لأن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، ويعلم بالأهداف التي أراد هذا أو ذاك تحقيقها من وراء تقديمه للإسلام بهذه الصورة المقززة التي لا تتناغم مع متطلبات الإسلام إطلاقا ...
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا سواء السبيل لنتمكن من التعامل مع الإسلام من حيث يريد الله وليس من حيث نريد نحن.
سلمان سالم
العدد 2077 - الثلثاء 13 مايو 2008م الموافق 07 جمادى الأولى 1429هـ