فاز لوران كانتيه الذي اكتشفه الجمهور العريض في فيلم «موارد بشرية» الذي يسبر غور عالم الشركات بالسعفة الذهبية لمهرجان كان الحادي والستين عن فيلم عن المدارس يكرسه مخرجا كبيرا للعلاقات الاجتماعية.
يروي هذا الفيلم الطويل الخامس للمخرج الفرنسي الحياة اليومية في صف باحدى المدارس الباريسية حيث يسعى استاذ شاب في اللغة الفرنسية جاهدا لتلقين تلاميذه لغة مختلفة عن تلك التي يستخدمونها في مراسلاتهم الالكترونية. وقال كانتيه «كان المطلوب ان يكون الفيلم على صورة المجتمع بأسره، ان يكون متعددا وغنيا ومعقدا. كان ينبغي ان تكون هناك احتكاكات لا يسعى الفيلم الى ازالتها».
وقال بعد عرض الفيلم «كانت لدي رغبة في مشاهدة هذا العالم الصغير لشعوري بانه احد اماكن صناعة المجتمع الذي نعيش فيه». وكانتيه (46 عاما) ابن مدرسين متحدرين من ميل (دو سيفر) تلقى دراسته في معهد الدراسات السينمائية العليا. وسرعان ما بدا يظهر ميلا الى الاستكشاف الاجتماعي ففي العام 1993، كانت احداث فيلمه القصير الاول «توس الا مانيف» (الجميع في التظاهرة) تدور كلها في مقهى يحاول ابن مالكه الاختلاط بطلاب مدرسة يعدون لتظاهرة.
هذا الفيلم الذي تميز بوضع الشخصيات في اطار مهني، والتعلق بالجذور الاجتماعية، والتوترات بين الفرد والجماعة، قدم لمحة مبكرة عن مقاربة ومواضيع سينما كانتيه. عام 1999، بعد اخراجه فيلم «لي سانغينير» (السفاحون) للتلفزيون، اكتشفه الجمهور العريض في فيلمه الطويل الاول «روسورس اومين» (موارد بشرية) الذي يرسم صورة مقلقة لعالم العمل حيث عمل بطله الممثل جليل لاسبير الى جانب عمال حقيقيين. ونال الفيلم جائزة سيزار افضل فيلم. وكما في «موارد بشرية» استعان المخرج في «بين الجدران» باشخاص حقيقيين كانوا هذه المرة طلبة واساتذة، بينهم فرنسوا بيغودو مؤلف الكتاب المستوحى منه الفيلم، في مدرسة باريسية وذلك حتى يكون اقرب الى اقصى حد ممكن من الواقع.
ومن المفارقات ان هذا هو السبب الذي لا يجعل كانتيه يخرج افلاما وثائقية لكنه يطلب من هؤلاء «الناس الحقيقيين» القيام بادوار بدلا من تقديم شهادة مجردة. وبرر المخرج ذلك قائلا «انهم غالبا ما يكونون اكثر صدقا من الاشخاص الذين يصورهم الفيلم الوثائقي». وقد صور الفيلم خلال العام الدراسي لكن سبقته ورشات اسبوعية «لإنضاج العمل». واضاف المخرج «اننا نكون اكثر تصنعا عندما نكون في مواجهة كاميرا تلفزيونية لاننا يجب ان نتفق مع الصورة التي نريد ان نظهر بها. وهنا لم يتم وضع الاشخاص امام الكاميرات مباشرة ومن ثم كانوا اكثر صدقا واقترابا من حقيقتهم». الا ان كانتيه لا يريد ان يكون اسيرا لاسلوب محدد اذ ان فيلميه الروائيين الاخرين «لومبلوا دو تان» (جدول الاعمال) (2001) الحائز على جائزة في مهرجان فينيسيا و»فير لو سود» (باتجاه الجنوب) كانا اقل تجريدا مع الاستعانة بممثلين محترفين في الادوار الرئيسية. الا ان الرغبة في سبر عوالم يومية لاستخراج الاحداث منها تبقى هي نفسها.
العدد 2092 - الأربعاء 28 مايو 2008م الموافق 22 جمادى الأولى 1429هـ