العدد 2099 - الأربعاء 04 يونيو 2008م الموافق 29 جمادى الأولى 1429هـ

الشيخ علي بن حسن آل موسى

إعداد الباحث: فؤاد جعفر عيسى 

04 يونيو 2008

لقد كان النجف الأشرف آنذاك ولا يزال مقصد طلاب العلم والعلماء والفقهاء من مدن وقرى العراق ومن البلاد الإسلامية ولاسيما بلدان الخليج باعتبارها جامعة علمية عريقة. «ولما انبلج فجر القرن الثاني عشر ازدلف الى النجف جمع غفير من سائر الناس وجعلوا يحثون الركاب إليها من كلّ فج وصوب... وطفقوا يتسابقون في مضمار الجد والاجتهاد؛ لينالوا الشهادة من تلك الكلية الكبرى فإذا بلغ الطالب الغاية وحاز قصب السبق آبَ الى وطنه وهو حامل تلك الجائزة (الإجازة) العالمية الثمينة فإذا حلّ بين ظهراني قومه نشر فيهم معارفه ولمعت في ربوعهم أنواره».

وأمّا عن نظام الدراسة في النجف الأشرف « للنجف نظام خاص في التدريس إذ لم تكن لمدارسها صفوف مرتبة يندرج فيها الطالب ولا كتب مخصوصة مقررة للتدريس يلزم التلميذ بقراءتها بل هناك كتب قديمة وحديثة من كل فن يقرأها الطالب بحسب ما يراه الأساتذة البارعون وترغب إليه طباعه وطباعهم من حيث الاتقان والتدرج من السهل إلى الصعب وربما تكون حلقة تعد بالعشرات من التلاميذ تجمعهم جامعة واحدة وهي كتاب واحد يتلقون الدرس به من الأعلام وهي شبيهة بالصف الذي يكون في معاهد العلم الحاضرة وإن لم تكن منه حيث أنها مجتمعة من أفراد مختلفة في سني الدراسة وقراءة الكتب التي قرأها حتى وصل إلى هذا الكتاب وهذا ما يطلق عليه في مصطلحهم درس (السطح) أو (السطوح). وهناك حلقة أخرى ومحفل أوسع من تلك تضم المئات والألوف من التلاميذ بحسب مقدرة الأستاذ وتمكنه من اقتناص الحقائق وهذه أوسع من تلك في الدراسة حيث لا يلتزم الأستاذ بكتاب واحد بل يلقي المطالب المتعددة التي قد استخرجها من موضوعات كثيرة قد أتعب فكره في تحصيلها وسهر ليله في تمحيصها حتى أماط عن غامضها الحجاب وميّز القشور عن اللباب وبهذا يعرف مقدار علم الأستاذ وتضلعه في الاستنباط ومن حازها حاز الزعامة العامّة في التدريس والفتيا، وهو الذي يصطلحون عليه بالدرس الخارج، وهذه الحلقة وإن اختلط فيها الحابل بالنابل والجاهل بالفاضل ولكن يتميّز الطالب النابغ عن غيره ولا يبخس حقه؛ لأنه هو ذلك الذي يعترف له ذوو الفضل بالفضيلة بعد الاختبار بالمذاكرة والتدريس والتأليف حتى إذا سبر مقدار نبوغه في العلم وملكته الاستنباطية حاز من تلك الكلية الكبرى الشهادة (الإجازة) التي هي عنده أغلى من كلّ نفيس ولا يكون فيها تمويه ولا تدليس ولا يحوز الشهادة منها بغير الكفاءة الحقيقية والأهلية الثابتة لا كسائر المعاهد الحاضرة فإنه قد يحوز الشهادة منها بعض مَنْ ليس له الأهلية فيحوزها بالمركزية وبالدرهم والدينار وبالوجاهة والاعتبار... ويدرس في هذه المدارس جميع العلوم المهمة وخصوصا الفقه والأصول والحديث والتفسير ومقدّماتها من النحو والصرف والمعاني والبيان وبعض العلوم الرياضية واللغة والتاريخ والأخلاق والأدب وليس لهذه المدارس صفوف منظمة ولا كتب مقررة ولا أساتذة معينون لها بل للطالب أنْ يقرأ أيّ كتاب شاء عند أي أستاذ يختاره وفي أيّ مكان يريده من مسجد أو دار أو مدرسة. وكان على هذه الوتيرة سيْر الدراسة في النجف منذ الزمن الأوّل حتى اليوم وقد تخرج منها جمْع غفير من العلماء الأعلام الذين كانوا ولا يزالون غرّة في جبين الدهر. (ماضي النجف وحاضرها)

وقد عقد العزم الشيخ علي بن حسن آل موسى للهجرة إلى النجف للدراسة في حوزاتها العلمية.

2 - مرحلة طلب العلم في النجف الأشرف

لم تكن المرحلة السابقة بالنسبة إلى صاحب الترجمة سوى محطة إعداد واستعداد للانطلاق إلى المحطة التي تليها بعد أنْ تهيأت له الظروف المناسبة.

أخذ الشيخ علي بن حسن آل موسى بنصيحة العلاّمة الشيخ أحمد الطعان فهاجر الى النجف الأشرف العام 1297ه لطلب العلم على أيدي كبار العلماء فيها باعتبارها مقرا للمرجعية الإسلامية حيث تزخر بالمراجع الكبار على مر العصور وذلك بعدما تقدّم به العمر نسبيا فقد طوى أربعين صفحة من سجل حياته، وقد مكث فيها لمدة اثنتي عشرة سنة متواصلة بحسب ما تذكر بعض المصادر الشفوية الموثوقة المصدر: (البنت الكبرى للمترجم له) وذلك بين عامي 1297هـ - 1309هـ على الأرجح فدرس في حوزاتها العلمية على يد كبار العلماء فقرأ جملة من المتون الفقهية والأصولية التي كان يدرسها طلاب العلوم الدينية في تلك الفترة مثل البحار والكافي والشرائع والمسائل واللمعة والقوانين والمكاسب والرسائل والمعالم والحدائق وكنز العرفان وهدية الأنام وغيرها وكان قبلها قد درس المقدّمات كالنحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق في القطيف وأكملها في النجف وكان يتنقل بين حلقات الدرس التي كانت تعقد في الصحن الشريف المدرسة الغروية وموقعها في الجهة الشمالية) فأكّب على التحصيل ينهل من نهر المعرفة دون كلل أو ملل وكان حب العلم يدفعه لذلك دفعا فقد ترك الأهل والمال والوطن من أجل اكتساب هذه الفضيلة ولما فرغ من مرحلة السطوح حضر البحث الخارج وهو عبارة عن محاضرات يلقيها فقيه متمكّن قد بلغ درجة الاجتهاد وهو الذي يستطيع أن يميّز الأحكام الشرعية من كتاب الله وسنة رسوله فيميز الحلال من الحرام بحسب الدليل المستنبط منهما وذلك بعد أن يقطع هذا المجتهد مرحلة من العمر في الدرس والتدريس وعادة يختار هذه المجتهد موضوعا من الموضوعات فيعد محاضرته فيلقيها من على المنبر ويجتمع حول منبره طلابه الذين قطعوا شوطا كبيرا في العلم فيناقشون شيخهم فيما يطرح من المسائل العلمية التي تدور حول ذلك الموضوع. ومن وجد فيه شيخه الكفاءة؛ أي الذي لديه ملكة استخراج الحكم الشرعي من دون أنْ يرجع إلى فقيه آخر منحه الإجازة. وبعد أن حضر - المترجم له - دروس الخارج أجازه بعض أساتذته العلماء - الذين سنأتي على ذكر بعضهم - بعد أن حصل على شهادته العلمية الإجازة -وكانت بتقدير ممتاز- وفيها - بحسب ما تذكر هذه المصادر ثمانية أسماء من أجداده وقد شاهدها أبناؤه وأحفاده ولكن للأسف لم نقف على هذه الشهادة فقد فقدت منذ زمن كما فقد الكثير من المستندات والوثائق المتعلقة بهذه الشخصية بسبب الإهمال وتقادم الأزمان وهذا العائق بلا شك يعتبر من أكبر المعوقات والتحديات التي تعترض أيّ باحث في التاريخ أو تراجم الرجال؛ لأنها كأدوات إذا توافرت تساعده على تسليط الضؤ على التفاصيل الدقيقة لموضوع البحث وإذا فقدت يصبح الباحث كمن يبحث عن إبرة صغيرة في كومة قش، فلو توافرت هذه الشهادة لتعرفنا بالضبط إلى الحوزة العلمية التي تخرج فيها ولتعرفنا إلى جملة من أساتذته بصورة مؤكّدة ولكن بفقد هذه الوثيقة المهمة فلا مناص إلا بالاستناد الى الروايات الشفهية التي لا يمكن التعويل عليها تماما بسبب بعد الفترة الزمنية التي حصل فيها صاحب الترجمة على هذه الشهادة 120 عاما تقريبا مما يجعل الباحث يعتمد على المرويات للإجابة على الأسئلة والافتراضات المطروحة مثل في أية حوزة علمية بالضبط قد درس؟ ومن هم اساتذته؟ ومن أجازه منهم؟ وفي أيّ حي كان يعيش في النجف؟... الخ وذلك لعمري أشبه شيء بالباحث في العملات القديمة التي يريد دراستها فيضطره عدم توافرها في المتاحف أو لدى الهواة للجوء الى الوثائق المدوّنة كصكوك البيع والوكالات الشرعية وسندات القبض الوصايا والمراسلات التجارية.. الخ فيستمد منها المعلومات المطلوبة تعويضا عن النقود الحقيقية.

وقد أشار إلى هذه الناحية الباحث مبارك الخاطر بقوله «وضع دراسة عن علم من أعلام الأمّة العربية عاش في البحرين قبل نصف قرن من الزمان أمر شائك ومحفوف بالصعاب فلا مصادر عامة ولا تدوينات خاصة اللهم إلا في النادر القليل منها وحتى أولئك الأعلام أنفسهم عموما لم يهتموا بتدوين شيء عن خط سير حياتهم التي قد تكون حافلة بجلائل الأعمال. أجل لم يدوّنوا ما يساعد الأجيال القادمة على التعرف بجلاء إلى الماضي الفكري في هذه البلاد قبل ما يزيد على قرن. ويحدث أنْ يكون من بين هؤلاء الأعلام من يدوّن شيئا مما لامسه عن حوادث في أثناء حياته إلا أنه قد يأتي من ورثته مَنْ يبدد بالبيع والعطاء والحرق تلك المدوّنات أو حتى ما خلفه هؤلاء الأعلام من مكتبات... وكثير من علماء هذه الجزر وأعلامها جسّدت عندهم التواكل واللامبالاة، الأمر الذي وصل عند بعضهم إلى أن تدوين حيثيات حياتهم العلمية ونشرها به شيء من الشهرة التي تحبط العمل لله. تلك الضحالة كانت أيضا عاملا مهما في استمرارية ذلك المناخ. أما المصاعب التي تكتنف المدون لهذا التراث عبر أعلامه، فهي تبدأ من عدم توافر المصادر مرورا بقلة رواة أحداث هذا التراث. إذ قد لا يكون بقى منهم على قيد الحياة الاّ القليل، وتنتهي بقلة حصيلة المدوّن نفسه مما يراد تدوينه « الشيخ قاسم بن مهزع (ص 12)

على كل حال فوسيلة الرواية الشفهية هي الملجأ الأخير الذي لابدّ منه إذا افتقد الباحث وسيلة الوثيقة المدوّنة كمصدر رئيسي للبحث على قاعدة اليقين لا ينقض بالشك وإنما ينقض بيقين مثله، فلولا الرواة للتاريخ لتبخر التاريخ في الهواء كما يُقال، فقد طرق سمعنا منذ زمن بعيد ذكر بعض اساتذة المترجم له وهم من كبار العلماء الأفذاذ في عصره.

وتجدر الإشارة إلى أن مدينة النجف تزخر على مر العصور بالمدارس الدينية وبالعلماء والفقهاء الذين وصلوا إلى أعلى مراتب العلم وتسنموا أرفع درجات الاجتهاد فكان الرجال يشدون إليهم الرحال لطلب العلم ومن هؤلاء الذين كان يُشار إليهم بالبنان عندما كان المترجم له يطلب العلم في النجف خلال الفترة 1297 - 1309هـ، كل من: الشيخ محمد حسين الكاظمي - السيد حسين الترك النجفي - الشيخ محمد الشربياني - الشيخ محمد طه نجف - الشيخ حبيب الله الرشتي - الشيخ ملا علي الهمداني - السيد محمد كاظم اليزدي - الشيخ محمود ذهب النجفي - الشيخ حسن الجزائري - السيد الشيرازي - الشيخ المامقاني - الشيخ أبوالقاسم الكلانتري - السيد مرتضى الكشميري - الشيخ علي رميش - الشيخ علي آل شبير... الخ وهذه الكوكبة من العلماء والمراجع على سبيل المثال لا الحصر؛ لأنهم كثر.

أساتذته

أمّا الأساتذة الذين وصل إلينا ذكرهم عن طريق السماع هم:

1 - الشيخ محمد حسين الكاظمي المتوفى العام 1308هـ

2 - العلامة السيد حسين الترك تردد اسمه أكثر من مرة وهو كان تلميذا للعلامة الشيخ مرتضى الأنصاري

3 - الشيخ محمد الشربياني المتوفى العام 1320هـ وهو من تلامذة الشيخ حسين الترك

4 - الشيخ حبيب الله الرشتي

5 - الشيخ محمد طه نجف المتوفى عام 1323هـ

6 - الشيخ حسن المامقاني المتوفى العام 1323هـ كان يدرس الفقه صباحا والأصول عصرا وكانت حوزته تضم أكثر من مائتي طالب في درس الفقه وأكثر من خمسمائة طالب في درس الأصول

وربما يوجد غيرهم لا نعلمهم ربهم أعلم بهم.

وبالرجوع إلى كتب الرجال تبين أنّ بعض هؤلاء الأساتذة كالشيخ حبيب الله الرشتي متخصص في البحث الخارج والشيخ محمد حسين الكاظمي متخصص في علم الفقه وعلم الأصول، والسيد حسين الترك متخصص في أصول الفقه كما أنّ بعضهم كان ينتمي إلى مدرسة الجامع الهندي) للعلامة الشيخ مرتضى الأنصاري المتوفى العام 1281هـ والبعض الآخر ينتمي إلى مدرسة أخرى، ولا ندري ما هي الصلة بين هذه الحوزة العلمية وتلك سوى تدريس العلوم الشرعية!

وبعد أن قرأ المترجم له المتون الفقهية على شيوخه وحصل على إجازة النجف قفل راجعا الى القطيف محملا بكنوز المعرفة والعلم وقد أجازه بعض أساتذته الذين حضر الدرس على أيديهم بعد اثنتي عشرة سنة متواصلة من الدراسة الجادة. وقبل أنْ ننهي هذه المرحلة تجدر الإشارة الى أنه قد تزوّج بعراقية وعندما أراد العودة إلى وطنه طلقها؛ لأنها كانت عاقرا ولكنه اشترى البيت الذي عاش فيه معها طيلة إقامته في النجف ووهبه لها. (المصدر: بنت المترجم له)

العدد 2099 - الأربعاء 04 يونيو 2008م الموافق 29 جمادى الأولى 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً