لا تقتصر أهمية جبل المقطم الذي يقع في شرق القاهرة على كونه من أهم مظاهر العاصمة الطبيعية التي حدثت نتيجة تغيرات جيولوجية في عصور قديمة، بل تتعدى قيمته إلى قيمة أخرى تنطلق من تقديس الديانات السماوية السابقة على الإسلام، وكذلك تكريم المسلمين له، وربما كان ذلك دافعا للمتصوفين لاتخاذهم من أوديته ملاذا لهم ومقامات ينقطعون بها لعبادة الله تعالى.
نشأ جبل المقطم في العصور الجيولوجية القديمة نتيجة التواء طبقات الأرض شرقي نهر النيل في شبه قوس متوسط الارتفاع تضرب قمته من القلعة حيث يبلغ ارتفاعه نحو 240 مترا ويصل ارتفاع بعض أجزائه عند المعادي 375 مترا، وينتهي طرف القوس شمالا عند منطقة مصر الجديدة وجنوبا عند المعادي ويبدو جبل المقطم وهو يطل على مدافن الإمام الشافعي ومدافن الخضير وكأنه شاطئ بحر قديم تركت مياهه آثار انسحابها التدريجي خطوطا واضحة في ثنايا الجبل.
ويذكر مؤرخو مصر في العصور الوسطى أنهم أفاضوا في وصف الجبل ونسبوا إليه الكثير من القصص التي تصل في كثير من الأحيان إلى حد الأساطير، فالمقريزي ذكر في سبب تسميته بـ «المقطم» أن أحد ملوك مصر أراد أن يستخرج معدن الذهب والفيروز وغير ذلك من المعادن الموجودة بطريقة الكيمياء فعهد بأمر ذلك إلى رجل يقال له مقيطام الحكيم وكان يعمل بالكيمياء في الجبل الشرقي به واختصر من اسمه وبقي ما يدل عليه فقيل له جبل «المقطم».
تقديس وتكريم
كان من الطبيعي أن يلجأ الزهاد والمتصوفون إلى جبل المقطم يتخذون من سفحه مقاما ومن أوديته مناما بعد أن عرفوا تقديس الديانات السماوية السابقة على الإسلام له وتكريم المسلمين أيضا، وكان أهم هذه الأودية وادي «المستضعفين»، وهناك وادي «الدجلة القرقوبي» على طرف الجبل المطل على كهف السودان الذي بناه أبوالحسن القرقوبي الذي وفد إلى مصر من العراق سنة 415 هجريا في عهد الدولة الفاطمية.
وكان موضع وادي الدجلة قبل بنائه محرابا قديما مبنيا على الحجر يعرف بمحراب ابن الفقاعي الرجل الصالح وعلى يسار المحراب يوجد كهف عرف بكهف السودان يقال إن قوما من السودان تعبدوا فيه ويقال له كذلك كهف السادة.
وهناك أيضا الوادي الذي توجد به المغارة التي يقال لها مغارة ابن العارض، وكذلك أودية «الملك» و «البلابة» و «هس» و «الشياطين» وهي أودية ذكرت في تراجم المتصوفين.
أقدم المساجد
وعن أقدم مساجد جبل هو المسجد المعروف بـ «التنور» ويقال إنه عرف بهذا الاسم لأنه بني على مكان «تنور» فرعون الذي كان توقد له فيه النار فإذا رأى أهل مصر النار عرفوا بركوبه فيجتمعون له.
وقيل أيضا في سبب التسمية ان هذا المكان كانت توقد به النار من مواد معينة ليرتفع الوباء عن أهل مصر في بعض الحقب التاريخية.
ومن المساجد المهمة بالجبل مسجد «دكة القضاة» حيث كان يشغل موضعه دكة مرتفعة عن المساجد في الجبل كان القضاة بمصر يخرجون إليها لرؤية الأهلة وخصوصا هلال رمضان ثم بني مكان هذه الدكة مسجد عرف باسمها.
وهناك مسجد «اللؤلؤة» الذي بني العام 406 هجريا ولاتزال آثاره باقية حتى الآن.
وفي مشرق الخندق الذي يعترض جبل المقطم يوجد مسجد «الكنز» وكان مسجدا صغيرا يعرف بـ «الزمام».
العدد 2106 - الأربعاء 11 يونيو 2008م الموافق 06 جمادى الآخرة 1429هـ