العدد 2110 - الأحد 15 يونيو 2008م الموافق 10 جمادى الآخرة 1429هـ

المخطط قسّم المناطق تقسيما دقيقا وحافظ على نسبة من الأراضي الخضراء

«الوسط» تناقش المخطط الهيكلي مع أستاذ تخصص في جامعة البحرين (1)

قال الأستاذ المشارك بقسم الهندسة المدنية والمعمارية بجامعة البحرين رافع حقي: «إن المخطط الهيكلي للبحرين قسّم المناطق المختلفة تقسيما دقيقا؛ بحيث أوجد مناطقَ مخصصة للصناعة ووضع تصورا لتطوير المدن المكتظة كما حاول المحافظة على نسبة من الأراضي الخضراء». وأضاف أن «المخطط أوجد نسبة معقولة بين السكن المنخفض والحدائق والخدمات، على حين تعمّد ترك مناطق محددة؛ احتياطيا للأجيال القادمة».

وذكر في مقابلة مع «الوسط» أن المخطط بدأ بالاعتراف بالتطورات الحادثة حاليا، إذ أصبحت المدينة الشمالية ودرة البحرين وغيرها من المشاريع الكبرى جزءا من الهيكل العام. وقال: «إننا لم نعد نخطط بشكل عشوائي وإنما نعترف بحقيقة وجود هذه المشاريع ونضيفها إلى الخريطة العامة للدولة».

وانتقد نافع إنشاء الجزر الاصطناعية، مشيرا إلى وجود جزر طبيعية يمكن استغلالها لإقامة المشاريع الجديدة، ولكنه قال: «بالنسبة إلى البحرين، إن كلفة الدفان تقل كثيرا عن كلفة الاستملاك في الأراضي اليابسة وخصوصا في حالة وجود أراضٍ متعددة الملكيات؛ إذ إن ذلك يضع الدولة في مشكلات مقابل وجود مساحات من البحر يمكن دفنها؛ مما يعتبر أقل كلفة»... وفيما يأتي نص الجزء الأول من اللقاء:

* ما الهدف من وضع مخطط هيكلي لأية دولة؟ وكيف يساعد هذا المخطط على وضع استراتيجيات التنمية العمرانية؟

- الهدف من وضع المخطط الهيكلي هو لكي نستطيع أن نستوعب إمكانات التطوير واتجاهات التطوير المستقبلية بحيث نستطيع أن نبني عليها نوعا من أنواع التحكم. من دون التحكم في عمليات التطوير فسنسير في دوامة التوسع العشوائي وتلك مسألة خطيرة جدا؛ لأن في هذه الحالة سنفقد تأمين الخدمات اللازمة لهذا التوسع كما سنخسر إمكان الاختيار الصحيح لوضع النشاطات والخدمات في المكان المناسب لها.

نحتاج إلى المخطط الهيكلي بهدف توجيه عملية التطور، وميزة المخطط الهيكلي في أي دولة من دول العالم أنه ليس ثابتا بمعنى أنه ليس قانونا لا يتغير كما كان في السابق إذ تم الالتزام بالمخططات الهيكلية حرفيا، على حين الدراسات الجديدة أثبتت عدم صحة ذلك بحيث يتم التعامل مع المخططات في الوقت الراهن على أنها معيار يتم تطويره وفقا للمستجدات الحادثة في أي مرحلة ولذلك لم تعد للمخططات الهيكلية قدسيتها السابقة. إن المخططات الهيكلية أساسا هي تنبئ باتجاه المستقبل، ولذلك إن مهمة التخطيط تحولت من إعطاء تخطيط للمستقبل إلى مهمة تسهيل عمليات التطوير.

* هل ذلك يعني استحالة وضع خطوط حمراء في ما يخص مثلا الحزام الأخضر أو خط دفان البحر؟

- هنا بالضبط تتمثل النقاط الخطرة في الموضوع، إذ إن هناك أولويات لا يمكن التنازل عنها، مثلا أين يجب التوقف عند خط الدفان؟ أو ما المساحة التي يمكن إزالة الخضرة والأشجار منها؟ هذه قضايا معقدة جدا، وهذه قضايا يجب التوقف عندها كثيرا، ففي هذه الحالة إن مهمة المخطط الهيكلي ليست تسهيل هذه الأمور وإنما حمايتها ووضع خط أحمر لحدودها.

* ألم تتأخر البحرين في وضع مخطط هيكلي لها؟

- بلى، هناك نوع من التأخير ولكن يجب أن ننتبه هنا لحجم وسرعة التطور الذي حدث في البحرين فلقد حدثت تغيرات كبيرة في الآونة الأخيرة وخصوصا في منطقة المحرق والحد والسيف وغيرها من المناطق إذ لم يكن هناك متسع من الوقت لوضع مخطط هيكلي في الوقت السابق، كما أن هناك نقطة أخرى تتلخص في أننا في الدول العربية والإسلامية لم نكن مقتنعين بفكرة التخطيط وإنما كنا نسير على آلية التطوير العفوي بحيث كلما ظهر لنا احتياج معين بدأنا في تطويره أو إنشائه.

هناك دراسات كثيرة تتضمن أن التطوير العربي أو الإسلامي قائم على ردود الأفعال وليس الأفعال، على حين المخطط هو عبارة عن عملية فعل بعكس التطور العفوي الذي هو عبارة عن ردة فعل، ولذلك أقول إن هناك تأخيرا في وضع مخطط هيكلي ولكن ذلك ليس مستغربا إذ تحتاج العملية إلى فترة للتطور الفكري والثقافي سواء على المستوى الشعبي أو الحكومي؛ لكي نشعر بأهمية هذا الموضوع.

* لو نظرنا إلى المخطط الهيكلي للبحرين فما أهم الملاحظات التي يمكن التوقف عندها؟

- إن الخطورة تكمن في التعميمات، ذلك أنها دائما ما تكون غير سليمة وغير دقيقة، ومن هذا المنطلق وفي حالة تسليمنا بذلك، يمكن القول إن هناك تفهما عاما للمستقبل، فهناك تقسيم دقيق للمناطق، إذ توجد مناطق مخصصة للصناعة كما يوجد في المخطط تطوير للمدن المكتظة وأيضا يحاول المخطط المحافظة على نسبة من الخضرة وهناك نسبة معقولة بين السكن المنخفض والحدائق والخدمات، وهناك مناطق متروكة لسبب أو لآخر وذلك من المفترض القيام به احتياطيا للأجيال القادمة.

النقطة المهمة هي أن المخطط بدأ بالاعتراف بالتطورات الحادثة حاليا، مثلا أصبحت المدينة الشمالية ودرة البحرين وغيرها من المشاريع الكبرى جزءا من الهيكل العام وهذه نقطة مهمة جدا، إذ إننا لم نعد نخطط بشكل عشوائي وإنما نعترف بحقيقة وجود هذه المشاريع ونضيفها إلى الخريطة العامة للدولة.

نقطة أخرى هي أن التوزيع العام للمناطق لا يمكن أن يكون بخلاف ما هو موجود في المخطط الهيكلي بسبب أن هذه المناطق مؤسسة سلفا، بمعنى عندما توجد شركة كبابكو أو ألبا في منطقة معينة فإن ذلك يؤدي إلى توسيع هذه المناطق لتكون صناعية بشكل اكبر حتى إن كان ذلك خطأ فتغيير مكان وجود هذه المصانع غير مقبول.

* ولكن هناك شكاوى كثيرة من أهالي هذه المناطق من الأبخرة والغازات السامة؛ مما أدى إلى زيادة حالات الإصابة بالأمراض السرطانية إذ تعتبر منطقة المعامير مثلا سكنية على رغم وجود عدد من المصانع بالقرب منها؟

- لا يمكن الحديث عن ازدياد حالات الإصابة بالأمراض السرطانية إن لم تكن هناك دراسات علمية تؤكد ذلك، كما انني أرى أن البحرين جزيرة صغيرة ومن غير المعقول أن تزداد نسبة الأمراض في منطقة محددة لأن الغازات والأبخرة السامة ستنتقل عن طريق الرياح الى المناطق المجاورة وبذلك ستنتشر في المنطقة بكاملها بكل بساطة.

في ما يخص التوسع في المناطق الصناعية ليست لدي معلومات مؤكدة ولكن التوجه العام في البحرين في المرحلة الحالية هو التوجه بشكل اكبر الى الصناعات التقنية التي تقل فيها نسبة التلوث بشكل كبير.

* يتم في البحرين حاليا إنشاء الكثير من الجزر الاصطناعية كدرة البحرين والمدينة الشمالية على رغم وجود الكثير من الجزر الطبيعية غير المأهولة. ألم يكن من الأجدى استغلال الجزر الطبيعية بدلا من إنشاء جزر اصطناعية؟

- أرى ان لم يكن هناك داعٍ لإنشاء الجزر الاصطناعية بسبب وجود جزر طبيعية يمكن استغلالها لإقامة المشاريع الجديدة.

* ولكن ما يشاع هو أن الجزر وضعت احتياطيا للأجيال القادمة؟

- من الممكن أن يكون ذلك صحيحا، ولكن عندما يكون لدينا مخطط متكامل للدولة يضع هذه الجزر ضمن الخطط المستقبلية فمن الممكن أن نقرر إن كان ذلك صحيحا أم لا. إن التمدد الحاصل الآن هو لمشاريع ذات توجه سياحي لا تخدم المواطنين بصورة مباشرة ولكن يمكن أن تخدم المواطنين بصورة غير مباشرة إذ يمكن أن تخلق فرص عمل جديدة للمواطنين وغير ذلك من أمور وعندها يمكن تخصيص أماكن لسكن المواطنين في أماكن أقل استراتيجية من ناحية جمالية أو ناحية علاقة المكان بالبحر وغير ذلك من أمور. ومع ذلك إنني اعتقد أن المخطط كان من المفترض أن يدرج الجزر الأخرى ضمن المخطط إن كانت الجزر الأخرى متاحا التعمير عليها، كما أعتقد أن المخطط الهيكلي اتخذ أسلوب المهم ثم الأهم أي أن هناك مشكلات في الجزر المأهولة حاليا ولذلك تم التركيز عليها وفي مرحلة مقبلة يمكن إضافة الجزر الأخرى في المخطط الهيكلي القادم وذلك في حالة التخطيط على مستوى جزر البحرين بشكل كامل إذ يمكن تخصيص عدد من الجزر للسياحة مثلا وعدد من الجزر الأخرى للصناعة وأخرى للسكن.

هذا ما يحدث منذ قديم الزمان ومنذ العصر الإغريقي فكلما اكتظت مدينة ما يتم التفكير في إنشاء مدينة أخرى تسمى «المدينة الابنة» وذلك ما سيحدث في البحرين أيضا ولكن قضية الدفان هي القضية التي تدور حولها الخلافات فهناك من يرى أن الدفان له أضرار بيئية كبرى وهناك من يرى أن فوائد الدفان أكبر بكثير من أضراره.

* ولكن لو نظرنا إلى إيجابيات الدفان وسلبياته فمن الذي سيتغلب على الآخر في وجهة نظرك؟

- بالنسبة إلى البحرين بالذات، يقال إن كلفة الدفان تقل كثيرا عن كلفة الاستملاك في الأراضي اليابسة وإذا كان هذا الكلام صحيحا وهذا يمكن أن يكون في حالة وجود أراضٍ متعددة الملكيات فإن ذلك يضع الدولة في مشكلات كثيرة، على حين وجود مساحات من البحر التي يمكن دفنها يعتبر أقل كلفة وأقل إضرارا.

أما الفائدة الثانية للدفان فهي التوسع ضمن المنطقة القريبة من العمران، فمثلا لو تخلت البحرين عن أسلوب الدفان لكان من المؤكد أن المدن ستتوسع في الاتجاه الجنوبي أي نحو الصخير ورأس البر إذ لا توجد خيارات أخرى غير ذلك، وكلما توسعنا في الاتجاه الجنوبي ابتعدنا عن مركز البحرين. والمنطق يفرض أن عندما تكون هناك مناطق قريبة من المركز وغير عميقة فمن الناحية الاقتصادية ستكون كلفة الدفان أجدى، كما أن العائد المادي لهذه الأراضي سيكون أكبر في المستقبل بسبب إن هذه الأراضي قريبة من المركز.

النقطة الثالثة هي إن كان خط الأرض حاليا يقع في النقطة «ب» بالنسبة للبحر فيمكن إقامة خط آخر أبعد في البحر ومن ثم خط أبعد وإذا نظرنا إلى البحرين في السابق لرأينا أنها توسعت كثيرا عن طريق الدفان في البحر. ولذلك إن عملية الدفان ليست غريبة على تاريخ البحرين القريب على الأقل.

الفائدة الرابعة هي إمكان توسيع وتكبير مساحة الاتصال بالماء؛ مما يرفع سعر الأرض وبالتالي العائد المادي منها، فالمبدأ المعول به حاليا في جميع المشاريع الإسكانية أو السياحية زيادة الشريط المتصل بالبحر لأنه يعطي عائدا أكبر ولكن في حالة التمدد إلى الداخل فذلك لن يضيف إليك سواحل جديدة ولذلك نرى أن غالبية المشاريع الجديدة لا تبنى بشكل خط مستقيم بل بشكل مقوس أو شبه دائري بهدف زيادة مساحة الاتصال بالماء وإنشاء أراضٍ ساحلية أكبر.


تاريخ التخطيط العمراني في البحرين

المنامة - شئون التخطيط العمراني

ارتبطت البدايات الأولى لممارسة التخطيط العمراني في مملكة البحرين، بمجال العمل البلدي على مستوى البحرين، وتحديدا منذ نهاية العقد الثاني من القرن الماضي، والذي بدأ بتأسيس بلدية المنامة العام 1919، كأحد أقدم البلديات العربية ، والأولى خليجيا.

وقد مارست البلدية العديد من الوظائف التخطيطية والعمرانية، من خلال إصدارها لما سمي بالإعلانات، ومنها على سبيل المثال: الإعلان الصادر بشأن، تنظيم تخطيط ساحات اللعب عام 1930م، وفي نفس العام تم إنشاء أول جسر بين جزيرة سترة وجزيرة البحرين، ومن الملاحظ بصورة عامة أن النظام البلدي قد ارتبط منذ تأسيسه، بمجالات وأنشطة متعددة تتعلق بالتخطيط والتنمية العمرانية.

كما شهد العام 1934، إنشاء أول مدينة جديدة، تنفذ على أسس التخطيط العمراني المعاصر لهذه الفترة، لتكون مكاتب وسكن موظفي شركة نفط البحرين (بابكو).

ومنذ منتصف الخمسينات من العقد الماضي، وبتأسيس المجلس الإداري للبحرين، العام 1956م، بهدف تنسيق الأمور بين الإدارات الحكومية. مارس المجلس مسئوليات التخطيط العمراني، ومن ثم شهد النصف الثاني من الستينات إنشاء أول وحدة للتخطيط الطبيعي ضمن المجلس الإداري، والذي تحول إلى مجلس الدولة العام 1970، حيث انتقلت الوحدة في نفس العام إلى دائرة البلديات والزراعة، ومن ثم إلى وزارة البلديات والزراعة، عندما شكل أول مجلس وزاري، بعد استقلال البحرين العام 1971م.

وفي هذه المرحلة إنشاء أول مدينة جديدة بالمفهوم العصري، وكبداية أولى لمشاريع التنمية العمرانية الضخمة، في مجال الإسكان والعمران. اذ تم وضع حجر الأساس لمدينة عيسى العام 1963.

كما شهدت هذه الفترة والتي يمكن اعتبارها بمثابة، مرحلة مقدمات التكوين والبناء الحقيقي للتخطيط العمراني في البحرين، أحد أهم التجارب المميزة في مجال التخطيط العمراني في البحرين، والتي تحسب لها سبقا وريادة في هذا المجال على المستويين العربي والخليجي. وهي بالتحديد تجربة إنشاء لجنة التخطيط والتنسيق على المستوى الوطني، العام 1969م، والتي ضمت مختلف القطاعات الحكومية، ومارست من خلالها مهام ووظائف ما يعرف بمجال التخطيط العمراني المعاصر آنذاك. وقد تغير مسمى اللجنة عام 1970م ليصبح مجلس التخطيط والتنسيق. وقد مثلت وحدة التخطيط الطبيعي في هذا المجلس، ومذ العام 1969، وحتى انتهاء أعمال المجلس عام 1975م، ما يمكن أن يطلق عليه الجهاز الفني للمجلس.

وتمثل الأعمال والأنشطة الخاصة بمجلس التخطيط والتنسيق طوال الفترة الممتدة بين الأعوام 1969-1975م، الجذور الحقيقية لبلورة ما يمكن أن يطلق عليه تخطيط عمراني حديث بالبحرين. كما تعد محاضر اجتماعات هذا المجلس، مادة ثرية من المعلومات المتعلقة بسير أعمال وأنشطة مجال التخطيط والتنمية العمرانية، وان كانت تمثل فترة زمنية صغيرة نسبيا، 6 سنوات، إلا أنها تمثل بحق، وإلى حد بعيد، تجربة رائدة ومتميزة، فكرا وممارسة للتخطيط العمراني في البحرين، وبصورة متطورة معاصرة، قياسا بمعايير هذه الفترة، بل وتعد من ناحية أخرى، أحد مجالات الريادة للبحرين على المستويين العربي والخليجي.

ويكفي الذكر في هذا المقام، أن المجلس قد ناقش تقريرا من قبل مستشار وحدة التخطيط الطبيعي، تحت مسمى «التخطيط الطبيعي في البحرين»، في الاجتماع الثاني له، بتاريخ 12 فبراير/ شباط عام 1969م، حيث تم الإشارة إلى أن الغرض من هذا التقرير، المحتوي على الخطوط العامة المتعلقة بسياسة وإجراءات التخطيط الطبيعي، هو التمكن من وضع الأسس للتنسيق بين خطوط التطوير للسنوات العشرين القادمة.

كما أنه في الاجتماع الرابع للمجلس، بتاريخ 26 مارس/ آذار 1969م، تم التصديق على محاضر اللجان الفرعية المختلفة، ومن ضمنها محضر اللجنة القانونية، التي قررت رفع توصية إلى المجلس الإداري، وذلك بتكليف السيد قاضي التشريع في أن ينظر في الخطوط العريضة للتقرير الموجز «قانون التخطيط»، ومسودة «نموذج قانون المدن والقرى»، الذي تم إعدادهما من قبل مستشار وحدة التخطيطي الطبيعي. وفي نفس هذا الاجتماع تم مناقشة موضوعات تتعلق بتطوير المنطقة الصناعية والميناء في منطقة سترة، وتم كذلك إدراج موضوعات أخرى تتعلق بتخطيط التقسيم الأساسي لكل من الرفاع الشرقي والغربي، وخارطة لوسط مدينة المنامة، و تخطيط التقسيم الرئيسي لمدينة المنامة.

ومن ناحية أخرى استمرت وحدة التخطيط الطبيعي بوزارة البلديات والزراعة، حتى عام 1975م، وانتقلت الوحدة إلى وزارة الإسكان، تحت مسمى إدارة التخطيط الطبيعي عندما شكلت أول وزارة موسعة في نقس العام. وقد ارتبط الجهاز الرسمي للتخطيط العمراني – إدارة التخطيط الطبيعي- بوزارة الإسكان منذ العام 1975م، وحتى شهر إبريل/ نيسان من العام 2003م، حيث صدر المرسوم بقانون رقم 33 لسنة 2003م بتنظيم وزارة شئون البلديات والزراعة والذي تم بموجبه، ضم إدارة التخطيط الطبيعي إلى الوزارة. وكذلك صدور المرسوم رقم 43 لسنة 2004م، بشأن تعديل المرسوم رقم 33 لسنة 2003م، بتنظيم وزارة شئون البلديات والزراعة، والذي بموجبة تم استحداث الوكالة المساعدة للتخطيط العمراني، ضمن شئون البلديات، وتتبع الوكالة المساعدة، كل من إدارة التخطيط الهيكلي، وإدارة تخطيط المدن والقرى.

ويمكن اعتبار الفترة الممتدة من عام 1975م وحتى العام 2003م، مرحلة التأسيس والتحديث لمجال التخطيط العمراني في البحرين، حيث باشرت إدارة التخطيط الطبيعي من خلال المهام والمسئوليات الموكلة إليها، معظم أنشطة هذا المجال على المستوى الوطني.

كما بادرت الإدارة بإعداد العديد من المخططات الهيكلية والعامة، لمدن وقرى البحرين. ونفذت العديد من البرامج والمشروعات الخاصة بتطوير وتحسين المناطق الحضرية والريفية. والمخطط العام الأولى، للمدينة الجديدة الثانية، مدينة حمد، والتي تم وضع حجر الأساس لها عام 1982م.

بالإضافة إلى الدراسات الخاصة باقتراح مواقع المدن الجديدة، والدراسات التخطيطية الخاصة بالمدينة الثالثة - كمقترح – في الجزء الجنوبي الشرقي من جزيرة المنامة، والدراسات التخطيطية الخاصة بجزر الجواهر. والمخططات التفصيلية والتنفيذية لمنطقة السنابس- السيف، ودراسة شبكة الطرق على المستوى الوطني، والدراسات الأولية لتخطيط منطقة فشت العظم، واعتماد الاشتراطات التنظيمية للتعمير للعديد من المناطق والمدن والقرى، والعديد من المشروعات العمرانية الأخرى.

كما قامت الإدارة بوضع الدراسة الخاصة بمخطط استعمالات الأراضي للفترة 1989م – 2001م في إطار برنامج التعاون المشترك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومركز الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية الموئل، كما تم في إطار هذا التعاون المشترك تنفيذ برنامج الدراسات والبحوث العمرانية، ومجال نظم المعلومات التخطيطية.

كما قامت الإدارة بإعداد واقتراح العديد من القوانين والتشريعات العمرانية، ومن أهمها قانون التخطيط العمراني، وقانون تقسيم الأراضي عام 1994م، والقرارات الخاصة بتحديد الاشتراطات التنظيمية للتعمير عام 1979م، وعام 1981م، وعام 1998م.


بعد 3 سنوات كثافة سكان المنامة تساوي «المحافظة الشمالية»

المنامة - سعيد محمد

لاتزال روح المنامة وأصالتها ومذاقها ونبضها موجود في شخصية هذا الرجل... الحاج نجيب الحمد «أبوعلي» الذي يمكن أنْ نصفه بأنه واحدٌ من أبناء العاصمة المنامة، ومن أعرق عوائلها، فهو، وغيره الكثير من أبناء عائلات المنامة الشهيرة المعروفة، لا يتراجعون قيد أنملة عن المنامة، ولا تغيب عن بالهم لحظة طيلة اليوم.

الحاج نجيب واحدٌ من أولئك الذين باتوا يحملون هم حاضر المنامة ومستقبلها... ومع أنهم يفاخرون بماضيها، لكنهم اليوم يجدون أنّ التفاخر والاعتزاز بعاصمة البلد الحبيبة، يقابله خوف شديد وقلق على مستقبل «المنامة» وقد بدت المؤشرات تظهر وتظهر لتجعلها محاصرة بطوق مخيف عبارة عن آلاف الأفراد والأسر الوافدة، وأطنان من المشكلات، وأثقال من المعاناة اليومية، ووجه قبيح يطل من المستقبل للمنامة، التي كانت مناما للشيوخ في مقايظ الصيف قديما بكلّ أصالتها وكرمها... هو وجه المنامة وقد تشوهت.. وأصبحت «غريبة» لكنها ستبقى عاصمة البحرين.

«سارة» التي تحب المنامة

«سارة»، فتاة جامعية، تنتمي إلى المنامة أيضا كوالدها «الحاج نجيب»، فهذه الفتاة الشابة، لا تستطيع أنْ تمسح صورة المنامة بأحيائها وتاريخها وحضورها وقوّتها من وجدانها... فلربما هي اليوم في العشرين من العمر، لكن الموروث من العشق، متناقل من الأجداد إلى الأبناء... «سارة» تعشق المنامة، وستبقى على هذا العشق كما تقول، لسر كبير مُعلن وهو أنّ هذه المدينة، هي مدينة الحب والأمنيات وعاصمة الروح والعاطفة... جدرانها، أزقتها.. طرقاتها... مبانيها، وفرجانها القديمة الشهيرة، ماثلة في فؤادها.

لم تفقد المنامة بريقها، على رغم من تراكم من مراحل غابرة جعلتها مستوطنة تمتزج فيها الجنسيات من كلّ حدَب وصوب... لايزال الحاج «علي» يجلس على باب دكانه القديم، في زقاق من أزقة فريج «المخارقة»، فيما يمكن مشاهدة أحد كبار السن في فريج «الحمام» وهو يدخن «النارجيلة أو القدو»، أما أجمل صور المنامة، فهي في أهلها الذين ما أرادوا الخروج منها أبدا... لكن، هل سيبقون على العهد؟

عوائلها... باقية

هذا الرجل المنامي، خليل الحلواجي، الذي يعمل مهندسا كهربائيا، ابتعد عن المنامة بل عن البلاد بأسرها لمدة تصل إلى 28 عاما، لكنها عاد الى البلاد بعد المشروع الإصلاحي، واستقر بعد عناء سنين طويلة في قرية «جبلة حبشي»... وهو يصرّح بأنه لم ينسلخ عن المنامة، فلا يزال البيت الكبير هناك، لكن تم تأجيره! كما أنّ معظم عائلته هاجروا إلى الاستقرار في دولة الإمارات العربية المتحدة... عاد هو، وعشق المنامة لا يغادره، وهو يرى أنها ستبقى في الوجدان والذاكرة.

ويشير الحلواجي الى أنّ عوائل المنامة المعروفة باقية، ولا أعتقد أنّ العاصمة ستبقى بلا «رموز للعوائل البحرينية» في كلّ فرجانها وأحيائها.

أما الباحث السيد جعفر السيد سلمان الحلاي، وهم من أهل مكة الأدرى بشعابها، فلا يخفي قلقه على التغيّر الديموغرافي والعمراني الكبير الذي لحق بالعاصمة، لكنه يريد لفت النظر الى ضرورة الاهتمام بالجانب التراثي والتاريخي للعاصمة، والشروع في تنفيذ مشروع نادى به الأديب تقي البحارنة في لقاء صحافي، عندما لفت النظر الى ضرورة إحياء مرافق المنامة التاريخية كبيوت العوائل المعروفة والميادين الرئيسية وعدم الاكتفاء بما تم تنفيذه محصورا في تطوير مأتم المؤمن فقط... فهناك حاجة الى إعادة الروح الى مدينة المنامة، التي لا يعقل أنْ تكون عاصمة بهذا العمق والبعد التاريخي، وتصبح بالنسبة إلى من يأتي من خارج البلاد، وكأنها بلا هوية ولا وجه ولا تراث ولا تاريخ، وهم أمر خطير لابدّ أن تنتبه له الجهات المسئولية... أي أن تتحرك لإنقاذ ما تبقى من المنامة.

هكذا ينظر أهل المنامة الى عاصمتهم... روحهم... لكن، ما يلفت النظر أنّ المنامة، هي المدينة المفضلة للمغتربين في دول الشرق الأوسط بحسب استطلاع أجرته وكالة «رويترز» للأنباء في العام الماضي 2007 حيث أن المغتربين في دول الشرق الأوسط اختاروا العاصمة البحرينية (المنامة) كأفضل مكان للعيش في منطقة الشرق الأوسط... وتلت المنامة دبي ومسقط في حين جاءت العاصمة العراقية (بغداد) في ذيل القائمة بسبب تدني الأوضاع الأمنية. واختار المغتربون سنغافورة أفضل مكان للعيش في العالم لأمانها وبيئتها النظيفة... وفضلت العيّنة التي أدلت برأيها «سنغافورة» على هونج كونج وشنجهاي.

ضواحي المنامة

المنامة الأم، تحتضن من الضواحي منها:

• ضاحية السيف

• الجفير

• الحورة

• كرباباد

• السنابس

• الماحوز

• أم الحصم

• المنطقة الدبلوماسية

• العدلية

• الصالحية

• عذاري

• رأس الرمان

• النعيم

• الزنج

• السلمانية

• القفول

• القضيبية

• البلاد القديم

تعداد سكّان العاصمة

ووفقا للبيانات الإحصائية الصادرة ضمن التعداد العام للسكّان والمساكن للعام 2001، فإن عدد سكّان العاصمة بلغ 163 ألفا و696 نسمة، يبلغ البحرينيون 55 ألفا و230 نسمة، فيما يبلغ عدد الأجانب 108 آلاف و466 نسمة، وبحسب تقديرات مجلس بلدي العاصمة، فإنّ عدد سكّان العاصمة حتى العام الجاري 2008 بلغ 175 ألف نسمة، لكن حتى العام 2011، سيصل تعداد سكّان المنامة الى 181 الفا و361 نسمة، منهم 61 ألفا و191 من البحرينيين، و120 ألفا و170 نسمة من غير البحرينيين، ويبدو واضحا أنّ البحرينيين في «عاصمة البلد» لن يتجاوزوا (غيرهم) مهما يكن.

تبلغ مساحة العاصمة 27 ألفا و48 كيلومترا مربعا، أمّا وحداتها السكنية (وفقا لتعداد 2001) فتبلغ 34 ألفا و210، وكثافتها السكّانية تستوعب 5582 فردا لكل كيلو متر مربع.

وبتصوّر تخيّلي، بين العاصمة المنامة (كمدينة)، وبين المحافظة الشمالية كأكبر محافظة من ناحية الكثافة السكّانية، فإنّ البشر يتكّدسون في المنامة بشكل لا يمكن إغفاله، فمساحة المحافظة الشمالية بالكيلومترات المربعة تبلع 253 ألفا و31 كيلو مترا مربعا، ويبلغ تعداد سكّانها بحسب العام 2001 قرابة 193 ألفا و78- نسمة، ونسبة البحرينيين تبلغ 81.4 بالمئة، فيما نسبة غير البحرينيين تصل إلى 18.5 بالمئة، وعدد الأسر البحرينية يبلغ 23 ألفا و99 عائلة، أما غير البحرينية فتصل إلى 3705، ويبلغ عدد قراها 42 قرية ومدينة، وعدد مجمّعاتها 146 مجمعا، ومع كل مواصفات المحافظة الشمالية، فإن العاصمة ستحمل تعداد سكّان مقارب، في مساحة أصغر وأصغر بكثير.. فرق بين مدينة ومحافظة!

وجه المنامة المتغير

ولا يشك رئيس مجلس بلدي العاصمة مجيد ميلاد في أنه، وخلال أقل من عشرين سنة، ستتغير معالم المنامة بصورة كبيرة جدا والدليل على ذلك مشروعات الخدمات والمشروعات الاستثمارية أيضا حيث إن هناك مشاريع ضخمة وكبيرة جدا ومنها مشروع المجلس البلدي الذي يحوي اربعة ابراج يرتفع الى 70 دورا، وفي يوم الاثنين الثاني من شهر يونيو/ حزيران، تم افتتاح مظاريف مناقصة لاستثمار الأرض الشمالية للسوق المركزي، وتقدم عدد من المستثمرين ومنهم مستثمر سيبني أربعة أبراج أعلاها 42 دورا وأقل 26 دورا، أما في منطقة السيف فحدّث ولا حرج، فهناك مشروع لإنشاء عمارة من 72 طابقا، فيما سيشيد مستثمر آخر عمارة من 60 دورا... فهذه المشروعات التي سيتم تنفيذها على مستوى 8 سنوات من التنفيذ، ستغير طبيعة العمران في العاصمة.

و لابدّ من الإقرار، والكلام لميلاد، بأنّ هذا العمران الهائل والتغيير الكبير سيؤثر من دون شك في التركيبة السكّانية فضلا عن الهوية الثقافية والوطنية والتراثية للعاصمة، لكن المناطق القديمة ستبقى تحافظ على هويتها بصورة كبيرة جدا خصوصا أنّ مجتمعها مجتمع محافظ على الدين الإسلامي، وهذا ساعد على وجود المساجد والمآتم بكثرة في هذه المناطق.

كهوية دينية واجتماعية لست متخوفا وإنما أنا متخوف من وصول العمالة الأجنبية إلى وسط الأحياء السكنية القديمة، وأود القول إنه تمت معالجة هذا الأمر في أحياء من المنامة منها رأس الرمان والمخارقة والفاضل، لكن نحتاج إلى تفعيل قرار المجلس من جانب وزارة شئون البلديات والزراعة، وقد تسلمنا بالفعل رسالة من الوكيل المساعد لشئون البلديات لتدارس مشكلة العزّاب في المنامة، واللجنة تم تشكيلها مؤخرا لبحث قضية مساكن العزاب في المنامة وخصوصا في الأحياء القديمة.

لذلك أقول، إنّ المنامة متغيرة من الناحية العمرانية، وستتأثر قطعا لكن ستبقى هي العاصمة.«الوسط» تناقش المخطط الهيكلي مع أستاذ تخصص في جامعة البحرين (1)

المخطط قسّم المناطق تقسيما دقيقا وحافظ على نسبة من الأراضي الخضراء

الوسط - جميل المحاري

قال الأستاذ المشارك بقسم الهندسة المدنية والمعمارية بجامعة البحرين رافع حقي: «إن المخطط الهيكلي للبحرين قسّم المناطق المختلفة تقسيما دقيقا؛ بحيث أوجد مناطقَ مخصصة للصناعة ووضع تصورا لتطوير المدن المكتظة كما حاول المحافظة على نسبة من الأراضي الخضراء». وأضاف أن «المخطط أوجد نسبة معقولة بين السكن المنخفض والحدائق والخدمات، على حين تعمّد ترك مناطق محددة؛ احتياطيا للأجيال القادمة».

وذكر في مقابلة مع «الوسط» أن المخطط بدأ بالاعتراف بالتطورات الحادثة حاليا، إذ أصبحت المدينة الشمالية ودرة البحرين وغيرها من المشاريع الكبرى جزءا من الهيكل العام. وقال: «إننا لم نعد نخطط بشكل عشوائي وإنما نعترف بحقيقة وجود هذه المشاريع ونضيفها إلى الخريطة العامة للدولة».

وانتقد نافع إنشاء الجزر الاصطناعية، مشيرا إلى وجود جزر طبيعية يمكن استغلالها لإقامة المشاريع الجديدة، ولكنه قال: «بالنسبة إلى البحرين، إن كلفة الدفان تقل كثيرا عن كلفة الاستملاك في الأراضي اليابسة وخصوصا في حالة وجود أراضٍ متعددة الملكيات؛ إذ إن ذلك يضع الدولة في مشكلات مقابل وجود مساحات من البحر يمكن دفنها؛ مما يعتبر أقل كلفة»... وفيما يأتي نص الجزء الأول من اللقاء:

* ما الهدف من وضع مخطط هيكلي لأية دولة؟ وكيف يساعد هذا المخطط على وضع استراتيجيات التنمية العمرانية؟

- الهدف من وضع المخطط الهيكلي هو لكي نستطيع أن نستوعب إمكانات التطوير واتجاهات التطوير المستقبلية بحيث نستطيع أن نبني عليها نوعا من أنواع التحكم. من دون التحكم في عمليات التطوير فسنسير في دوامة التوسع العشوائي وتلك مسألة خطيرة جدا؛ لأن في هذه الحالة سنفقد تأمين الخدمات اللازمة لهذا التوسع كما سنخسر إمكان الاختيار الصحيح لوضع النشاطات والخدمات في المكان المناسب لها.

نحتاج إلى المخطط الهيكلي بهدف توجيه عملية التطور، وميزة المخطط الهيكلي في أي دولة من دول العالم أنه ليس ثابتا بمعنى أنه ليس قانونا لا يتغير كما كان في السابق إذ تم الالتزام بالمخططات الهيكلية حرفيا، على حين الدراسات الجديدة أثبتت عدم صحة ذلك بحيث يتم التعامل مع المخططات في الوقت الراهن على أنها معيار يتم تطويره وفقا للمستجدات الحادثة في أي مرحلة ولذلك لم تعد للمخططات الهيكلية قدسيتها السابقة. إن المخططات الهيكلية أساسا هي تنبئ باتجاه المستقبل، ولذلك إن مهمة التخطيط تحولت من إعطاء تخطيط للمستقبل إلى مهمة تسهيل عمليات التطوير.

* هل ذلك يعني استحالة وضع خطوط حمراء في ما يخص مثلا الحزام الأخضر أو خط دفان البحر؟

- هنا بالضبط تتمثل النقاط الخطرة في الموضوع، إذ إن هناك أولويات لا يمكن التنازل عنها، مثلا أين يجب التوقف عند خط الدفان؟ أو ما المساحة التي يمكن إزالة الخضرة والأشجار منها؟ هذه قضايا معقدة جدا، وهذه قضايا يجب التوقف عندها كثيرا، ففي هذه الحالة إن مهمة المخطط الهيكلي ليست تسهيل هذه الأمور وإنما حمايتها ووضع خط أحمر لحدودها.

* ألم تتأخر البحرين في وضع مخطط هيكلي لها؟

- بلى، هناك نوع من التأخير ولكن يجب أن ننتبه هنا لحجم وسرعة التطور الذي حدث في البحرين فلقد حدثت تغيرات كبيرة في الآونة الأخيرة وخصوصا في منطقة المحرق والحد والسيف وغيرها من المناطق إذ لم يكن هناك متسع من الوقت لوضع مخطط هيكلي في الوقت السابق، كما أن هناك نقطة أخرى تتلخص في أننا في الدول العربية والإسلامية لم نكن مقتنعين بفكرة التخطيط وإنما كنا نسير على آلية التطوير العفوي بحيث كلما ظهر لنا احتياج معين بدأنا في تطويره أو إنشائه.

هناك دراسات كثيرة تتضمن أن التطوير العربي أو الإسلامي قائم على ردود الأفعال وليس الأفعال، على حين المخطط هو عبارة عن عملية فعل بعكس التطور العفوي الذي هو عبارة عن ردة فعل، ولذلك أقول إن هناك تأخيرا في وضع مخطط هيكلي ولكن ذلك ليس مستغربا إذ تحتاج العملية إلى فترة للتطور الفكري والثقافي سواء على المستوى الشعبي أو الحكومي؛ لكي نشعر بأهمية هذا الموضوع.

* لو نظرنا إلى المخطط الهيكلي للبحرين فما أهم الملاحظات التي يمكن التوقف عندها؟

- إن الخطورة تكمن في التعميمات، ذلك أنها دائما ما تكون غير سليمة وغير دقيقة، ومن هذا المنطلق وفي حالة تسليمنا بذلك، يمكن القول إن هناك تفهما عاما للمستقبل، فهناك تقسيم دقيق للمناطق، إذ توجد مناطق مخصصة للصناعة كما يوجد في المخطط تطوير للمدن المكتظة وأيضا يحاول المخطط المحافظة على نسبة من الخضرة وهناك نسبة معقولة بين السكن المنخفض والحدائق والخدمات، وهناك مناطق متروكة لسبب أو لآخر وذلك من المفترض القيام به احتياطيا للأجيال القادمة.

النقطة المهمة هي أن المخطط بدأ بالاعتراف بالتطورات الحادثة حاليا، مثلا أصبحت المدينة الشمالية ودرة البحرين وغيرها من المشاريع الكبرى جزءا من الهيكل العام وهذه نقطة مهمة جدا، إذ إننا لم نعد نخطط بشكل عشوائي وإنما نعترف بحقيقة وجود هذه المشاريع ونضيفها إلى الخريطة العامة للدولة.

نقطة أخرى هي أن التوزيع العام للمناطق لا يمكن أن يكون بخلاف ما هو موجود في المخطط الهيكلي بسبب أن هذه المناطق مؤسسة سلفا، بمعنى عندما توجد شركة كبابكو أو ألبا في منطقة معينة فإن ذلك يؤدي إلى توسيع هذه المناطق لتكون صناعية بشكل اكبر حتى إن كان ذلك خطأ فتغيير مكان وجود هذه المصانع غير مقبول.

* ولكن هناك شكاوى كثيرة من أهالي هذه المناطق من الأبخرة والغازات السامة؛ مما أدى إلى زيادة حالات الإصابة بالأمراض السرطانية إذ تعتبر منطقة المعامير مثلا سكنية على رغم وجود عدد من المصانع بالقرب منها؟

- لا يمكن الحديث عن ازدياد حالات الإصابة بالأمراض السرطانية إن لم تكن هناك دراسات علمية تؤكد ذلك، كما انني أرى أن البحرين جزيرة صغيرة ومن غير المعقول أن تزداد نسبة الأمراض في منطقة محددة لأن الغازات والأبخرة السامة ستنتقل عن طريق الرياح الى المناطق المجاورة وبذلك ستنتشر في المنطقة بكاملها بكل بساطة.

في ما يخص التوسع في المناطق الصناعية ليست لدي معلومات مؤكدة ولكن التوجه العام في البحرين في المرحلة الحالية هو التوجه بشكل اكبر الى الصناعات التقنية التي تقل فيها نسبة التلوث بشكل كبير.

* يتم في البحرين حاليا إنشاء الكثير من الجزر الاصطناعية كدرة البحرين والمدينة الشمالية على رغم وجود الكثير من الجزر الطبيعية غير المأهولة. ألم يكن من الأجدى استغلال الجزر الطبيعية بدلا من إنشاء جزر اصطناعية؟

- أرى ان لم يكن هناك داعٍ لإنشاء الجزر الاصطناعية بسبب وجود جزر طبيعية يمكن استغلالها لإقامة المشاريع الجديدة.

* ولكن ما يشاع هو أن الجزر وضعت احتياطيا للأجيال القادمة؟

- من الممكن أن يكون ذلك صحيحا، ولكن عندما يكون لدينا مخطط متكامل للدولة يضع هذه الجزر ضمن الخطط المستقبلية فمن الممكن أن نقرر إن كان ذلك صحيحا أم لا. إن التمدد الحاصل الآن هو لمشاريع ذات توجه سياحي لا تخدم المواطنين بصورة مباشرة ولكن يمكن أن تخدم المواطنين بصورة غير مباشرة إذ يمكن أن تخلق فرص عمل جديدة للمواطنين وغير ذلك من أمور وعندها يمكن تخصيص أماكن لسكن المواطنين في أماكن أقل استراتيجية من ناحية جمالية أو ناحية علاقة المكان بالبحر وغير ذلك من أمور. ومع ذلك إنني اعتقد أن المخطط كان من المفترض أن يدرج الجزر الأخرى ضمن المخطط إن كانت الجزر الأخرى متاحا التعمير عليها، كما أعتقد أن المخطط الهيكلي اتخذ أسلوب المهم ثم الأهم أي أن هناك مشكلات في الجزر المأهولة حاليا ولذلك تم التركيز عليها وفي مرحلة مقبلة يمكن إضافة الجزر الأخرى في المخطط الهيكلي القادم وذلك في حالة التخطيط على مستوى جزر البحرين بشكل كامل إذ يمكن تخصيص عدد من الجزر للسياحة مثلا وعدد من الجزر الأخرى للصناعة وأخرى للسكن.

هذا ما يحدث منذ قديم الزمان ومنذ العصر الإغريقي فكلما اكتظت مدينة ما يتم التفكير في إنشاء مدينة أخرى تسمى «المدينة الابنة» وذلك ما سيحدث في البحرين أيضا ولكن قضية الدفان هي القضية التي تدور حولها الخلافات فهناك من يرى أن الدفان له أضرار بيئية كبرى وهناك من يرى أن فوائد الدفان أكبر بكثير من أضراره.

* ولكن لو نظرنا إلى إيجابيات الدفان وسلبياته فمن الذي سيتغلب على الآخر في وجهة نظرك؟

- بالنسبة إلى البحرين بالذات، يقال إن كلفة الدفان تقل كثيرا عن كلفة الاستملاك في الأراضي اليابسة وإذا كان هذا الكلام صحيحا وهذا يمكن أن يكون في حالة وجود أراضٍ متعددة الملكيات فإن ذلك يضع الدولة في مشكلات كثيرة، على حين وجود مساحات من البحر التي يمكن دفنها يعتبر أقل كلفة وأقل إضرارا.

أما الفائدة الثانية للدفان فهي التوسع ضمن المنطقة القريبة من العمران، فمثلا لو تخلت البحرين عن أسلوب الدفان لكان من المؤكد أن المدن ستتوسع في الاتجاه الجنوبي أي نحو الصخير ورأس البر إذ لا توجد خيارات أخرى غير ذلك، وكلما توسعنا في الاتجاه الجنوبي ابتعدنا عن مركز البحرين. والمنطق يفرض أن عندما تكون هناك مناطق قريبة من المركز وغير عميقة فمن الناحية الاقتصادية ستكون كلفة الدفان أجدى، كما أن العائد المادي لهذه الأراضي سيكون أكبر في المستقبل بسبب إن هذه الأراضي قريبة من المركز.

النقطة الثالثة هي إن كان خط الأرض حاليا يقع في النقطة «ب» بالنسبة للبحر فيمكن إقامة خط آخر أبعد في البحر ومن ثم خط أبعد وإذا نظرنا إلى البحرين في السابق لرأينا أنها توسعت كثيرا عن طريق الدفان في البحر. ولذلك إن عملية الدفان ليست غريبة على تاريخ البحرين القريب على الأقل.

الفائدة الرابعة هي إمكان توسيع وتكبير مساحة الاتصال بالماء؛ مما يرفع سعر الأرض وبالتالي العائد المادي منها، فالمبدأ المعول به حاليا في جميع المشاريع الإسكانية أو السياحية زيادة الشريط المتصل بالبحر لأنه يعطي عائدا أكبر ولكن في حالة التمدد إلى الداخل فذلك لن يضيف إليك سواحل جديدة ولذلك نرى أن غالبية المشاريع الجديدة لا تبنى بشكل خط مستقيم بل بشكل مقوس أو شبه دائري بهدف زيادة مساحة الاتصال بالماء وإنشاء أراضٍ ساحلية أكبر.


تاريخ التخطيط العمراني في البحرين

المنامة - شئون التخطيط العمراني

ارتبطت البدايات الأولى لممارسة التخطيط العمراني في مملكة البحرين، بمجال العمل البلدي على مستوى البحرين، وتحديدا منذ نهاية العقد الثاني من القرن الماضي، والذي بدأ بتأسيس بلدية المنامة العام 1919، كأحد أقدم البلديات العربية ، والأولى خليجيا.

وقد مارست البلدية العديد من الوظائف التخطيطية والعمرانية، من خلال إصدارها لما سمي بالإعلانات، ومنها على سبيل المثال: الإعلان الصادر بشأن، تنظيم تخطيط ساحات اللعب عام 1930م، وفي نفس العام تم إنشاء أول جسر بين جزيرة سترة وجزيرة البحرين، ومن الملاحظ بصورة عامة أن النظام البلدي قد ارتبط منذ تأسيسه، بمجالات وأنشطة متعددة تتعلق بالتخطيط والتنمية العمرانية.

كما شهد العام 1934، إنشاء أول مدينة جديدة، تنفذ على أسس التخطيط العمراني المعاصر لهذه الفترة، لتكون مكاتب وسكن موظفي شركة نفط البحرين (بابكو).

ومنذ منتصف الخمسينات من العقد الماضي، وبتأسيس المجلس الإداري للبحرين، العام 1956م، بهدف تنسيق الأمور بين الإدارات الحكومية. مارس المجلس مسئوليات التخطيط العمراني، ومن ثم شهد النصف الثاني من الستينات إنشاء أول وحدة للتخطيط الطبيعي ضمن المجلس الإداري، والذي تحول إلى مجلس الدولة العام 1970، حيث انتقلت الوحدة في نفس العام إلى دائرة البلديات والزراعة، ومن ثم إلى وزارة البلديات والزراعة، عندما شكل أول مجلس وزاري، بعد استقلال البحرين العام 1971م.

وفي هذه المرحلة إنشاء أول مدينة جديدة بالمفهوم العصري، وكبداية أولى لمشاريع التنمية العمرانية الضخمة، في مجال الإسكان والعمران. اذ تم وضع حجر الأساس لمدينة عيسى العام 1963.

كما شهدت هذه الفترة والتي يمكن اعتبارها بمثابة، مرحلة مقدمات التكوين والبناء الحقيقي للتخطيط العمراني في البحرين، أحد أهم التجارب المميزة في مجال التخطيط العمراني في البحرين، والتي تحسب لها سبقا وريادة في هذا المجال على المستويين العربي والخليجي. وهي بالتحديد تجربة إنشاء لجنة التخطيط والتنسيق على المستوى الوطني، العام 1969م، والتي ضمت مختلف القطاعات الحكومية، ومارست من خلالها مهام ووظائف ما يعرف بمجال التخطيط العمراني المعاصر آنذاك. وقد تغير مسمى اللجنة عام 1970م ليصبح مجلس التخطيط والتنسيق. وقد مثلت وحدة التخطيط الطبيعي في هذا المجلس، ومذ العام 1969، وحتى انتهاء أعمال المجلس عام 1975م، ما يمكن أن يطلق عليه الجهاز الفني للمجلس.

وتمثل الأعمال والأنشطة الخاصة بمجلس التخطيط والتنسيق طوال الفترة الممتدة بين الأعوام 1969-1975م، الجذور الحقيقية لبلورة ما يمكن أن يطلق عليه تخطيط عمراني حديث بالبحرين. كما تعد محاضر اجتماعات هذا المجلس، مادة ثرية من المعلومات المتعلقة بسير أعمال وأنشطة مجال التخطيط والتنمية العمرانية، وان كانت تمثل فترة زمنية صغيرة نسبيا، 6 سنوات، إلا أنها تمثل بحق، وإلى حد بعيد، تجربة رائدة ومتميزة، فكرا وممارسة للتخطيط العمراني في البحرين، وبصورة متطورة معاصرة، قياسا بمعايير هذه الفترة، بل وتعد من ناحية أخرى، أحد مجالات الريادة للبحرين على المستويين العربي والخليجي.

ويكفي الذكر في هذا المقام، أن المجلس قد ناقش تقريرا من قبل مستشار وحدة التخطيط الطبيعي، تحت مسمى «التخطيط الطبيعي في البحرين»، في الاجتماع الثاني له، بتاريخ 12 فبراير/ شباط عام 1969م، حيث تم الإشارة إلى أن الغرض من هذا التقرير، المحتوي على الخطوط العامة المتعلقة بسياسة وإجراءات التخطيط الطبيعي، هو التمكن من وضع الأسس للتنسيق بين خطوط التطوير للسنوات العشرين القادمة.

كما أنه في الاجتماع الرابع للمجلس، بتاريخ 26 مارس/ آذار 1969م، تم التصديق على محاضر اللجان الفرعية المختلفة، ومن ضمنها محضر اللجنة القانونية، التي قررت رفع توصية إلى المجلس الإداري، وذلك بتكليف السيد قاضي التشريع في أن ينظر في الخطوط العريضة للتقرير الموجز «قانون التخطيط»، ومسودة «نموذج قانون المدن والقرى»، الذي تم إعدادهما من قبل مستشار وحدة التخطيطي الطبيعي. وفي نفس هذا الاجتماع تم مناقشة موضوعات تتعلق بتطوير المنطقة الصناعية والميناء في منطقة سترة، وتم كذلك إدراج موضوعات أخرى تتعلق بتخطيط التقسيم الأساسي لكل من الرفاع الشرقي والغربي، وخارطة لوسط مدينة المنامة، و تخطيط التقسيم الرئيسي لمدينة المنامة.

ومن ناحية أخرى استمرت وحدة التخطيط الطبيعي بوزارة البلديات والزراعة، حتى عام 1975م، وانتقلت الوحدة إلى وزارة الإسكان، تحت مسمى إدارة التخطيط الطبيعي عندما شكلت أول وزارة موسعة في نقس العام. وقد ارتبط الجهاز الرسمي للتخطيط العمراني – إدارة التخطيط الطبيعي- بوزارة الإسكان منذ العام 1975م، وحتى شهر إبريل/ نيسان من العام 2003م، حيث صدر المرسوم بقانون رقم 33 لسنة 2003م بتنظيم وزارة شئون البلديات والزراعة والذي تم بموجبه، ضم إدارة التخطيط الطبيعي إلى الوزارة. وكذلك صدور المرسوم رقم 43 لسنة 2004م، بشأن تعديل المرسوم رقم 33 لسنة 2003م، بتنظيم وزارة شئون البلديات والزراعة، والذي بموجبة تم استحداث الوكالة المساعدة للتخطيط العمراني، ضمن شئون البلديات، وتتبع الوكالة المساعدة، كل من إدارة التخطيط الهيكلي، وإدارة تخطيط المدن والقرى.

ويمكن اعتبار الفترة الممتدة من عام 1975م وحتى العام 2003م، مرحلة التأسيس والتحديث لمجال التخطيط العمراني في البحرين، حيث باشرت إدارة التخطيط الطبيعي من خلال المهام والمسئوليات الموكلة إليها، معظم أنشطة هذا المجال على المستوى الوطني.

كما بادرت الإدارة بإعداد العديد من المخططات الهيكلية والعامة، لمدن وقرى البحرين. ونفذت العديد من البرامج والمشروعات الخاصة بتطوير وتحسين المناطق الحضرية والريفية. والمخطط العام الأولى، للمدينة الجديدة الثانية، مدينة حمد، والتي تم وضع حجر الأساس لها عام 1982م.

بالإضافة إلى الدراسات الخاصة باقتراح مواقع المدن الجديدة، والدراسات التخطيطية الخاصة بالمدينة الثالثة - كمقترح – في الجزء الجنوبي الشرقي من جزيرة المنامة، والدراسات التخطيطية الخاصة بجزر الجواهر. والمخططات التفصيلية والتنفيذية لمنطقة السنابس- السيف، ودراسة شبكة الطرق على المستوى الوطني، والدراسات الأولية لتخطيط منطقة فشت العظم، واعتماد الاشتراطات التنظيمية للتعمير للعديد من المناطق والمدن والقرى، والعديد من المشروعات العمرانية الأخرى.

كما قامت الإدارة بوضع الدراسة الخاصة بمخطط استعمالات الأراضي للفترة 1989م – 2001م في إطار برنامج التعاون المشترك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومركز الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية الموئل، كما تم في إطار هذا التعاون المشترك تنفيذ برنامج الدراسات والبحوث العمرانية، ومجال نظم المعلومات التخطيطية.

كما قامت الإدارة بإعداد واقتراح العديد من القوانين والتشريعات العمرانية، ومن أهمها قانون التخطيط العمراني، وقانون تقسيم الأراضي عام 1994م، والقرارات الخاصة بتحديد الاشتراطات التنظيمية للتعمير عام 1979م، وعام 1981م، وعام 1998م.


بعد 3 سنوات كثافة سكان المنامة تساوي «المحافظة الشمالية»

المنامة - سعيد محمد

لاتزال روح المنامة وأصالتها ومذاقها ونبضها موجود في شخصية هذا الرجل... الحاج نجيب الحمد «أبوعلي» الذي يمكن أنْ نصفه بأنه واحدٌ من أبناء العاصمة المنامة، ومن أعرق عوائلها، فهو، وغيره الكثير من أبناء عائلات المنامة الشهيرة المعروفة، لا يتراجعون قيد أنملة عن المنامة، ولا تغيب عن بالهم لحظة طيلة اليوم.

الحاج نجيب واحدٌ من أولئك الذين باتوا يحملون هم حاضر المنامة ومستقبلها... ومع أنهم يفاخرون بماضيها، لكنهم اليوم يجدون أنّ التفاخر والاعتزاز بعاصمة البلد الحبيبة، يقابله خوف شديد وقلق على مستقبل «المنامة» وقد بدت المؤشرات تظهر وتظهر لتجعلها محاصرة بطوق مخيف عبارة عن آلاف الأفراد والأسر الوافدة، وأطنان من المشكلات، وأثقال من المعاناة اليومية، ووجه قبيح يطل من المستقبل للمنامة، التي كانت مناما للشيوخ في مقايظ الصيف قديما بكلّ أصالتها وكرمها... هو وجه المنامة وقد تشوهت.. وأصبحت «غريبة» لكنها ستبقى عاصمة البحرين.

«سارة» التي تحب المنامة

«سارة»، فتاة جامعية، تنتمي إلى المنامة أيضا كوالدها «الحاج نجيب»، فهذه الفتاة الشابة، لا تستطيع أنْ تمسح صورة المنامة بأحيائها وتاريخها وحضورها وقوّتها من وجدانها... فلربما هي اليوم في العشرين من العمر، لكن الموروث من العشق، متناقل من الأجداد إلى الأبناء... «سارة» تعشق المنامة، وستبقى على هذا العشق كما تقول، لسر كبير مُعلن وهو أنّ هذه المدينة، هي مدينة الحب والأمنيات وعاصمة الروح والعاطفة... جدرانها، أزقتها.. طرقاتها... مبانيها، وفرجانها القديمة الشهيرة، ماثلة في فؤادها.

لم تفقد المنامة بريقها، على رغم من تراكم من مراحل غابرة جعلتها مستوطنة تمتزج فيها الجنسيات من كلّ حدَب وصوب... لايزال الحاج «علي» يجلس على باب دكانه القديم، في زقاق من أزقة فريج «المخارقة»، فيما يمكن مشاهدة أحد كبار السن في فريج «الحمام» وهو يدخن «النارجيلة أو القدو»، أما أجمل صور المنامة، فهي في أهلها الذين ما أرادوا الخروج منها أبدا... لكن، هل سيبقون على العهد؟

عوائلها... باقية

هذا الرجل المنامي، خليل الحلواجي، الذي يعمل مهندسا كهربائيا، ابتعد عن المنامة بل عن البلاد بأسرها لمدة تصل إلى 28 عاما، لكنها عاد الى البلاد بعد المشروع الإصلاحي، واستقر بعد عناء سنين طويلة في قرية «جبلة حبشي»... وهو يصرّح بأنه لم ينسلخ عن المنامة، فلا يزال البيت الكبير هناك، لكن تم تأجيره! كما أنّ معظم عائلته هاجروا إلى الاستقرار في دولة الإمارات العربية المتحدة... عاد هو، وعشق المنامة لا يغادره، وهو يرى أنها ستبقى في الوجدان والذاكرة.

ويشير الحلواجي الى أنّ عوائل المنامة المعروفة باقية، ولا أعتقد أنّ العاصمة ستبقى بلا «رموز للعوائل البحرينية» في كلّ فرجانها وأحيائها.

أما الباحث السيد جعفر السيد سلمان الحلاي، وهم من أهل مكة الأدرى بشعابها، فلا يخفي قلقه على التغيّر الديموغرافي والعمراني الكبير الذي لحق بالعاصمة، لكنه يريد لفت النظر الى ضرورة الاهتمام بالجانب التراثي والتاريخي للعاصمة، والشروع في تنفيذ مشروع نادى به الأديب تقي البحارنة في لقاء صحافي، عندما لفت النظر الى ضرورة إحياء مرافق المنامة التاريخية كبيوت العوائل المعروفة والميادين الرئيسية وعدم الاكتفاء بما تم تنفيذه محصورا في تطوير مأتم المؤمن فقط... فهناك حاجة الى إعادة الروح الى مدينة المنامة، التي لا يعقل أنْ تكون عاصمة بهذا العمق والبعد التاريخي، وتصبح بالنسبة إلى من يأتي من خارج البلاد، وكأنها بلا هوية ولا وجه ولا تراث ولا تاريخ، وهم أمر خطير لابدّ أن تنتبه له الجهات المسئولية... أي أن تتحرك لإنقاذ ما تبقى من المنامة.

هكذا ينظر أهل المنامة الى عاصمتهم... روحهم... لكن، ما يلفت النظر أنّ المنامة، هي المدينة المفضلة للمغتربين في دول الشرق الأوسط بحسب استطلاع أجرته وكالة «رويترز» للأنباء في العام الماضي 2007 حيث أن المغتربين في دول الشرق الأوسط اختاروا العاصمة البحرينية (المنامة) كأفضل مكان للعيش في منطقة الشرق الأوسط... وتلت المنامة دبي ومسقط في حين جاءت العاصمة العراقية (بغداد) في ذيل القائمة بسبب تدني الأوضاع الأمنية. واختار المغتربون سنغافورة أفضل مكان للعيش في العالم لأمانها وبيئتها النظيفة... وفضلت العيّنة التي أدلت برأيها «سنغافورة» على هونج كونج وشنجهاي.

ضواحي المنامة

المنامة الأم، تحتضن من الضواحي منها:

• ضاحية السيف

• الجفير

• الحورة

• كرباباد

• السنابس

• الماحوز

• أم الحصم

• المنطقة الدبلوماسية

• العدلية

• الصالحية

• عذاري

• رأس الرمان

• النعيم

• الزنج

• السلمانية

• القفول

• القضيبية

• البلاد القديم

تعداد سكّان العاصمة

ووفقا للبيانات الإحصائية الصادرة ضمن التعداد العام للسكّان والمساكن للعام 2001، فإن عدد سكّان العاصمة بلغ 163 ألفا و696 نسمة، يبلغ البحرينيون 55 ألفا و230 نسمة، فيما يبلغ عدد الأجانب 108 آلاف و466 نسمة، وبحسب تقديرات مجلس بلدي العاصمة، فإنّ عدد سكّان العاصمة حتى العام الجاري 2008 بلغ 175 ألف نسمة، لكن حتى العام 2011، سيصل تعداد سكّان المنامة الى 181 الفا و361 نسمة، منهم 61 ألفا و191 من البحرينيين، و120 ألفا و170 نسمة من غير البحرينيين، ويبدو واضحا أنّ البحرينيين في «عاصمة البلد» لن يتجاوزوا (غيرهم) مهما يكن.

تبلغ مساحة العاصمة 27 ألفا و48 كيلومترا مربعا، أمّا وحداتها السكنية (وفقا لتعداد 2001) فتبلغ 34 ألفا و210، وكثافتها السكّانية تستوعب 5582 فردا لكل كيلو متر مربع.

وبتصوّر تخيّلي، بين العاصمة المنامة (كمدينة)، وبين المحافظة الشمالية كأكبر محافظة من ناحية الكثافة السكّانية، فإنّ البشر يتكّدسون في المنامة بشكل لا يمكن إغفاله، فمساحة المحافظة الشمالية بالكيلومترات المربعة تبلع 253 ألفا و31 كيلو مترا مربعا، ويبلغ تعداد سكّانها بحسب العام 2001 قرابة 193 ألفا و78- نسمة، ونسبة البحرينيين تبلغ 81.4 بالمئة، فيما نسبة غير البحرينيين تصل إلى 18.5 بالمئة، وعدد الأسر البحرينية يبلغ 23 ألفا و99 عائلة، أما غير البحرينية فتصل إلى 3705، ويبلغ عدد قراها 42 قرية ومدينة، وعدد مجمّعاتها 146 مجمعا، ومع كل مواصفات المحافظة الشمالية، فإن العاصمة ستحمل تعداد سكّان مقارب، في مساحة أصغر وأصغر بكثير.. فرق بين مدينة ومحافظة!

وجه المنامة المتغير

ولا يشك رئيس مجلس بلدي العاصمة مجيد ميلاد في أنه، وخلال أقل من عشرين سنة، ستتغير معالم المنامة بصورة كبيرة جدا والدليل على ذلك مشروعات الخدمات والمشروعات الاستثمارية أيضا حيث إن هناك مشاريع ضخمة وكبيرة جدا ومنها مشروع المجلس البلدي الذي يحوي اربعة ابراج يرتفع الى 70 دورا، وفي يوم الاثنين الثاني من شهر يونيو/ حزيران، تم افتتاح مظاريف مناقصة لاستثمار الأرض الشمالية للسوق المركزي، وتقدم عدد من المستثمرين ومنهم مستثمر سيبني أربعة أبراج أعلاها 42 دورا وأقل 26 دورا، أما في منطقة السيف فحدّث ولا حرج، فهناك مشروع لإنشاء عمارة من 72 طابقا، فيما سيشيد مستثمر آخر عمارة من 60 دورا... فهذه المشروعات التي سيتم تنفيذها على مستوى 8 سنوات من التنفيذ، ستغير طبيعة العمران في العاصمة.

و لابدّ من الإقرار، والكلام لميلاد، بأنّ هذا العمران الهائل والتغيير الكبير سيؤثر من دون شك في التركيبة السكّانية فضلا عن الهوية الثقافية والوطنية والتراثية للعاصمة، لكن المناطق القديمة ستبقى تحافظ على هويتها بصورة كبيرة جدا خصوصا أنّ مجتمعها مجتمع محافظ على الدين الإسلامي، وهذا ساعد على وجود المساجد والمآتم بكثرة في هذه المناطق.

كهوية دينية واجتماعية لست متخوفا وإنما أنا متخوف من وصول العمالة الأجنبية إلى وسط الأحياء السكنية القديمة، وأود القول إنه تمت معالجة هذا الأمر في أحياء من المنامة منها رأس الرمان والمخارقة والفاضل، لكن نحتاج إلى تفعيل قرار المجلس من جانب وزارة شئون البلديات والزراعة، وقد تسلمنا بالفعل رسالة من الوكيل المساعد لشئون البلديات لتدارس مشكلة العزّاب في المنامة، واللجنة تم تشكيلها مؤخرا لبحث قضية مساكن العزاب في المنامة وخصوصا في الأحياء القديمة.

لذلك أقول، إنّ المنامة متغيرة من الناحية العمرانية، وستتأثر قطعا لكن ستبقى هي العاصمة.

العدد 2110 - الأحد 15 يونيو 2008م الموافق 10 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً