العدد 2120 - الأربعاء 25 يونيو 2008م الموافق 20 جمادى الآخرة 1429هـ

«الأمّة الأميّة»... هل تظلّ أسيرة ظنيّة الحساب ويقينيّة الشهود؟

لن تجد في كتاب «الأهلّة شهود المستحيل» للكاتب الصحافيّ السعوديّ حمزة بن قبلان المريني ذلك العمق التحليليّ الذي يثبت علميا وفقهيا صحة الاعتماد (أو الاستعانة بـ) الوسائل العلميّة الحديثة في إثبات دخول الأشهر القمريّة، فالكتاب الذي هو حصيلة مشاركات صحافيّة لخمس سنوات ماضية ما هي إلا مقالات رأي.

ما يشدّ القارئ العربيّ إلى اقتناء الكتاب هو رغبته في معرفة نصف الدائرة الآخر من صورة المجتمع السعوديّ الذي يشهد حراكا غير معهود منذ سنوات، وذلك ضمن سياق تحوّلات على مختلف الأصعدة. ذلك المجتمع بسلطته الثيوقراطيّة (حدّ القرف أحيانا) يستبطن صورا وأشكالا لم يكتب لها البروز الإعلاميّ، ومن داخل المؤسسة الدينيّة الحاكمة نفسها التي يبدو أنّها لا تعيش على وئام تامّ، ويتجلّى ذلك في مواقف اثنين من كبار العلماء اللّذين اتكأ المريني على آرائهما في تدعيم أفكاره بشأن الاعتماد على الفلك وهما عضو هيئة كبار العلماء الشيخ عبدالله بن منيع والشيخ عبدالمحسن العبيكان.

ويبدو أن كاتب هذه المقالات الاثنين والثلاثين مؤمن أنّ عقارب الزمن لن تظلّ في مكانها، ولذلك أراد من مقالاته أن تكون «تسلية للأجيال القادمة بعد أن تتجاوز القضايا التي تشغلنا الآن، ومنها هذه القضية».

لا يخفى على أحد أن السعوديّة صارت أخيرا موضعا للتندّر من قبل الاختصاصيّين والعوام نتيجة التخبّط في تحديد مطالع شهر رمضان وشوال وذي الحجة التي ترتبط بها أمور عباديّة مهمة. ومن الطريف أن نعلم أن نسبة توافق الرؤية بالعين المجرّدة مع حسابات الفلكيّين هي 13 في المئة، ونسبة المخالفة 87 في المئة، استنادا لإحصاءات 25 عاما تقريبا (1380-1425 هـ = 1960-2004م).

ذلك التخبّط تتسبّب فيه هيئة الرؤية الشرعيّة التي ما فتئت تهاجم «أهل الحساب»، وتؤكد أنّ احتمال الخطأ لديهم كفيل بعدم الاعتماد على الظنّيات، وأولويّة ترجيح الاعتماد على الرؤية البصريّة فهي يقنيّات! مردّدة في ذلك أقوالا وكأنها ليست اجتهادا بل قرآنا لا يقبل النقد لابن تيمية الحرّاني المعروف بعدائه الصريح للعلوم الطبيعيّة والفلسفة والمنطق.

البيانات التوضيحيّة أو «الدفاعيّة» - إن صحّ التعبير - التي يصدرها مجلس القضاء وهيئة الرؤية الشرعيّة وهيئة كبار العلماء ردّا على ما يثار في الصحافة تحمل في العادة نبرة تخوين وتشكيك في النوايا، وتهديد باستعمال القوّة أحيانا، ما ينمّ عن تطوّر يشهده واقع الدولة السعوديّة تعجز السلطة الدينيّة عن التأقلم معه حتى الآن.

يحاول الكتاب في أكثر من مقال إثبات أنّ ما يُستدَلّ به لحصر رؤية الهلال بالنظر بالعين يمكن أن يفهم على نحو آخر من خلال دراسة السياقات النصيّة، فحديث «صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته» يعني التحقّق من ولادة الهلال بأيّة وسيلة ممكنة والرؤية طريق فقط، قياسا على الطرق الشرعيّة الواردة لتحديد أوقات الصلوات التي لم تعد معتمدة الآن. أو قد يُفهم من الحديث الدعوة إلى عدم الغلوّ في الدين بزيادة أيام الصيام احتياطا للدخول، وربما هو دعوة إلى قصر الرؤية بالعين على هلال رمضان فقط، إذا ما طبّقنا الفهم الحشويّ للنصّ.

أمّا حديث «نحن أمّة أميّة لا نحسب...» فتنقضه آية الدَّين التي أمرت بالكتابة، ومع الرجوع لسياق الحديث يتبيّن أنّه تشريع من النبي (ص) بهجر التقويم العبريّ القمريّ الشائع بالجزيرة العربيّة الذي يزاد فيه ليتوافق مع الشمسيّ فيما يعرف بـ «النسيء». أما الاستشهاد بالآية «فمن شهد منكم الشهر فليصمه» (البقرة: 185) فلا تعني الشهادة هنا إلا الحضور مقابل السفر.

وشدّد المريني على أنّ إهمال الانضباط في تحديد مطالع الأشهر العربيّة له مردود على منزلة التقويم الهجريّ، كاشفا أنّ ثمّة ازدواجا في «هيئة الرؤية»، إذ اكتشف أن بعض الشهود الدائمين المعتمدين الموثوقين من «حوطة سدير» بنجد من هواة تتبع منازل القمر إنمّا يتحصّلون الرؤية بطرق معقّدة حسابيّا وبدائيّة إلا أنّها غير معتمدة فلكيّا، وهو ما يضع علامة تعجّب على إسقاط «الحساب» وأقوال الفلكيّين وأجهزة الرصد الدقيقة من الاعتبار، ولاسيّما إذا ما علمنا أن قرارا صدر من رئاسة الوزراء العام 1418 هـ بإشراك مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية ببعض مهمّات إثبات الأهلّة، كما أنّ هناك فتوى لرئيس مجلس القضاء الأعلى باعتبار الرؤية بالوسائل الحديثة.

يؤكد المريني أنّ حسابات الفلكيّين وصلت - وفق قناعة جمع غفير من المسلمين المعاصرين - إلى حد متناه من الدقّة والضبط بنسبة خطأ 100000:1، أمام إصرار عجيب من السلطة الدينيّة على يقينيّة الرؤية بالعين ولو خالفت أقوال الفلكيّين، الذين ابتلوا ببعض المتطفلين على التخصّص الذين يعلنون حسابات غير دقيقة ما يبعث على التشكيك في الفلك. ولذلك ختم المؤلّف كتابه باقتراح تشكيل لجنة من المختصين بالشريعة والفلك لتأسيس تقويم هجريّ دقيق يقوم على استخدام الوسائل الحديثة لتعيين مطالع الشهور القمريّة، بالإفادة من مراصد المملكة الموثوقة.

العدد 2120 - الأربعاء 25 يونيو 2008م الموافق 20 جمادى الآخرة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً