لا تهدف هذه القراءة إلى استعراض أدوات أو امكانات نقدية يمكن من خلالها الوقوف على مواطن القوة أو الضعف في مجموعة «المسا... فات» للشاعر البحريني عبدالله حماد، بقدر ما تهدف إلى لفت نظر كثيرين إلى موضوعة أساسية وقائمة ترتبط بالمجموعة من قريب أو بعيد، تتركز في أن الشعر النبطي هنا في المملكة بقدر ما يعاني من ندرة ومحدودية النوعي منه... يمكن القول إنه في الوقت ذاته يعاني من ذات الندرة والمحدودية على الصعيد الكمي... من حيث الإصدار والطباعة... فبعملية حسابية بسيطة يمكن القول إن مجمل ما يطبع من الشعر النبطي سنويا ربما لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة وربما اقل من ذلك بكثير!... وهو إشكال يعاني منه الكثيرون ولا أبرئ نفسي منه.
ثمة جانب آخر مرتبط بالموضوع ذاته الذي أشرنا اليه يتعلق بالجهة التي يمكنها تنظيم وترتيب هذه العملية... عملية النشر... من خلال تنشيط وتحريك الفعاليات التي ينتج عنها تراكم في التجربة.
وهنا لابد من التأكيد على وجود عدد من الإشكالات المرتبطة بمسألتين... مسالة الكم من جهة والإحتفاء من جهة أخرى.
الأولى: تنحصر في تكريس المتابعة والرصد لمجموعة من الأصوات ذات الحضور والانتاج الكمي دونما اهتمام أو التفات إلى نوعية ذلك الحضور والانتاج وهي كارثة عربية محضة تكاد تتحول إلى امتياز!.
الثانية: ترتبط بمفهوم الاحتفاء ذلته وضمن موروثات ظلت سائدة وحاضرة في الكثير من الفعاليات مع تعدد يافطاتها وعنواناتها، وهو احتفاء مصاب بمرض الانشداد إلى الشكل... الشكل ولا شيء سواه... انشداد إلى السطح لا العصب والعمق، ويمكننا ومن دون تردد أن نضيف ذلك إلى الامتيازات العربية القحة!.
مناسبة هذا الكلام هو احتفاء من نوع خاص ومختلف بمجموعة الزميل الشاعر عبدالله حماد وهو بالمناسبة واحد ضمن مجموعة من الأصوات الشعرية الفاعلة والمؤثرة في حركة الشعر النبطي في البحرين جنبا إلى جنب لافي جاعد الظفيري، سعد الجميري ، لحدان الكبيسي، خلف العنزي، يونس سلمان، عبدالله خلف أضافة إلى مطرة، ريمية، ظما الوجدان وأصوات أخرى باهرة وعميقة في ملامستها للقضايا التي تعكسها ضمن التجربة.
المجموعة حوت عددا من القصائد التي تفاوتت في رصانتها الأسلوبية والموضوعاتية، وهو تفاوت ربما أملته المناسبة ذاتها... (مسابقة أجمل ديوان شعري )... يضاف إلى ذلك هاجس النشر... وهو هاجس يكاد يهيمن على الكثير من التجارب... إلا انه ضمن تجربة حماد يكاد يكون أخف وطأة، بحكم ان تجربة الرجل تكاد تكون مشدودة لمساحة عريضة من القاموس الشعري الذي يشكل العمود الفقري للقصيدة النبطية ضمن نموذجها الرصين والمضئ في المملكة العربية السعودية ودولة الكويت. إلا ان ما يميز المجموعة قصيدته المتفردة «الأم والوطن» التي استطاع من خلالها أن يكشف عن تجربة غاية في الغنى... يقول فيها:
عزمت ولا حسبت ان النوايا ترتبط بالشأن
وشيدت الشعور ولكن اصراري بدا ينهار
وهو هنا يعمد إلى خلق توليفة ترتبط بالحسي والمعاين... بالحسي من حيث توغل اللغة في مساحات مفتوحة بل منفلتة تتيح له اللعب بمفردات اللغة وايجاد صيغة أو نوع من اتحاد المختلف واستدراج المؤتلف نحو موضوعته الرئيسة ألا وهي التأمل والإمعان.
في قصيدة «أول المشوار»... نقرأ:
أضمك ضيم واحتاجك أسى وتلحفك اصرار
معاك الهم معشوقي واذوق أقسى معاني الويل
وتتضح اللعبة التي يمارسها حماد من خلال اللغة... وهي لعبة ازعم أنه واحد ضمن مجموعة أصوات تعي أهميتها... لعبة تمازج بين الإيقاع من جهة وابتكار صور تنساب بدفق شعوري تشعر باتزانه في الوقت ذاته
العدد 281 - الجمعة 13 يونيو 2003م الموافق 12 ربيع الثاني 1424هـ