العدد 294 - الخميس 26 يونيو 2003م الموافق 25 ربيع الثاني 1424هـ

حلم أرملة

ضممته إلى صدري قبلت وجنتيه ورأسه احتضنته بشدة خلت نفسي وكأني أريد أن أعيده إلى أحشائي مرة أخرى.

فها هو الطفل الصغير أصبح رجلا سأزفه إلى زوجة طالما حلمت بها وفكرت كيف ستكون وكيف سيعاملها؟

دربته على طريقة تعامله معها فهو لم يرني أتعامل مع والده فلم يخبر العلاقة بين الرجل والمرأة كيف تكون.

في كثير من الليالي الطويلة أقضيها رافعة يدي الى السماء داعية بأن يكون طفلاي أسعد من على وجه هذه البسيطة... وان يعوضاني الحرمان الذي تجرعته بسعادتهما ونجاحهما.

تنقست الصعداء كثيرا شاكرة الله على فضله، فها هو صغيري الذي سهرت ليلي وكددت نهاري أعليه مع أخته التي تصغره بثلاث سنوات أصبح عريسا، فهل سيكون زوجا صالحا وأبا فاضلا؟ فهو لا يعرف كيف يكون الأب وما دوره في الحياة.

فمع بلوغه الرابعة من العمر وفي هذا العمر لا يفرق الطفل بين الموت والحياة... نزلت علينا الصاعقة التي قلبت حياتنا رأسا على عقب، وغيرت كل أحلامي مع شريك روحي. ففي تلك الليلة الحالكة الظلام يرن الهاتف، أتوجس منه ريبة وفعلا حدث ما شعر به قلبي قبل أن تسمعه أذني.

فبمجرد سماعي للصوت الناطق عبر الهاتف يهتف بالخبر القاتل، زوجك في حالة خطرة وهو في العناية المركزة، فلقد اعترض طريق سيارته من اتخذ الشيطان قرينا له فاذهب عقله بكأس من نار الخطيئة فلم يعي ما يفعله بروحه وأرواح من حوله.

ويا للعجب، ففي ذلك اليوم أحس قلبي بأن هناك شرا سيحدث، فتمسكت بيديه ورجوته ان لا يذهب ولكن هذا محال، فلابد من ذهابه ليعمل ويعيل هذه العائلة التي أحبها كنفسه التي بين جنبيه.

وكما أخبرني من كان يرافقه في طريق ذهابه وايابه للعمل، فانه كديدنه في كل ليلة يحلم بأن يعود ليضم فلدتي كبده ويلاعبهما ويشبع ناظريه بجمالهما فقد كانا لا يخلدان للنوم الا بعد قدومه، وهذه من أصعب ما واجهته بعد رحيله، ففي كل ليلة يقفان على عتبة الدار ينتظرانه إلى أن يعيهم التعب والارهاق فييأسان من حضوره ويستسلمان للأمر بنفس مكسورة محطمة.

وها أنا بعد أن كنت الزوجة المدللة التي لا يحق لها الا التمني فتجد ما تشتهيه حاضرا قبل ان تطلبه، اصبحت مسئولة عن طفلين.

فعاهدة ربي ونفسي أن أكون لهما أما وأبا في الوقت نفسه فلن اعرضهما لما يكدر صفو حياتهما وان كان مصدر سعادتي، فكم خاطب طرق بابي طالبا إياي للزواج رددته، فأنا لم أتجاوز الخامسة والعشرين من عمري، وكنت اتعجب من إصرار أهلي على زواجي فأنا لم أشعر يوما بأنني وحيدة من دون زوج. ففي كل ليلة أجلس أحادثه وأخبره بكل ما واجهني من صعاب في يومي، أعيد العهد معه بان أحقق كل ما حلمنا به بتنشئة اطفالنا تنشئة صالحة ليكونوا أكفاء ناجحين في حياتهم العملية والاجتماعية والروحانية.

والذي ساعدني على تحقيق ما فكرت فيه وسعيت اليه أنني أملك ما يعيلني مع عيالي فقد كنت اعمل في سلك التدريس وأشكر الله انه رزقني من يقف الى جانبي وهو جد أطفالي لأبيهم، فكان يشجعني ويحثني على الصبر والتحمل.

وحينما يئس أهلي من استجابتي للخطَّاب أصبحوا يشاركونه العون والنصيحة.

وهأنا يا زوجي الحبيب قد وفيت بوعدي لك، ففي هذه الليلة أزف ابنك الى عروسه وهو يضرب به المثل للشباب المؤمن ذي الخلق الحسن المنتج في المجتمع. فلقد أنهى دراسته الجامعية بالتفوق وقد بدأ مشوار العمل وخدمة مجتمعه في أحد المستشفيات ليقدم ما يستطيع في سبيل تخفيف آلام من ابتلى بمرض عضال، واخته على نفس الطريق سائرة. فهل آن لي أن أرتاح وأنام قريرة العين، وليتحملا مسئوليتي ويحملا العبء عني؟.

ولكنني سأكون الموجه والمرشد لهما في دروب هذه الحياة الشائكة، فهما كبرا وسيحتاجان للمشورة والنصح دائما.

سلمى بوخمسين - الاحساء

العدد 294 - الخميس 26 يونيو 2003م الموافق 25 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً