العدد 393 - الجمعة 03 أكتوبر 2003م الموافق 07 شعبان 1424هـ

أوراق من ملف التغلغل الأوروبي في الخليج: الملف البرتغالي (2)

محاولة لإعادة الترتيب الأبجدي

عودة على بدء نذكر فقط الثورة الأولى ضد التغلغل البرتغالي وسيطرته على المقدرات الاقتصادية في الخليج العربي لم تبدأ العام في نوفمبر/تشرين الثاني 1251، ولكنها بدأت منذ اللحظة الأولى لدخول البرتغاليين لهذه المياه العربية. ولو حدث شيء من التنسيق العسكري والسياسي بين هرمز ومملكة الجبور في البحرين والإحساء لانتهى الوجود البرتغالي في العام نفسه لتغلغله في المنطقة، إلا أن الصراع الهرمزي - الجبري مزق وحدة الصف الخليجي، وخصوصا أن العنصرية وصراع القوميات قد ظهر على السطح في أجلّ صوره حين وصول البرتغاليين بين الجبور «العرب» والهرامزة «الفرس» وقد استغله البرتغاليون خير استغلال لصالحهم. على رغم أن الحق يقال هنا إن رئيس الحزب الهرمزي التجاري الوزير (عطار) أو الخواجه كما هو المصطلح التجاري الوجاهي آنذاك، قد أبلى بلاء حسنا ضد القوة البرتغالية التي دخلت الخليج لأول مرة ووضع خططا ناجحة للوقوف في وجه هذا العدو الأوروبي.

إلا أن صراعه مع الجبور الذي بدأ منذ الأعوام 9051 - 1151 أخل بتنفيذ هذه الخطط وأدى في النهاية إلى نجاح السفاح البرتغالي «البوكيرك» في السيطرة على مقاليد الأمور في هرمز بعد موت عطار ومقتل الرئيس حميد العام 5151. على أية حال السؤال الذي يرد هنا الآن ما الثورات الخليجية التي قامت ضد أول تغلغل أوروبي، وما نتائجها بعيدة المدى على إنهاء الوجود البرتغالي في المنطقة؟

الحقيقة التاريخية تفيدنا بأنه لم يمض وقت بين بدء الاحتلال الفعلي لمملكة هرمز وبين الثورة الأولى التي بدأت العام 9151 في ميناء قلهات، الذي بنته إحدى ملكات هرمز وتدعى «بيبي»، على ساحل عمان، لكنها لم تكن منظمة جيدا ففشلت لعدم تعاون السلطات الهرمزية مع السكان العرب في الساحل العماني. في الوقت نفسه فإن الملك والحزب التجاري في هرمز قضيا وقتهم للإعداد لمواجة العدو الجديد، والبحث عن أفضل الطرق لطرد ذلك العدو. في الحقيقة، الوجود البرتغالي في الخليج كان أشبه بشخص يجلس على قمة بركان متحرك يستعد لقذف حممه في أية لحظة. إلا أن البرتغاليين بعجرفتهم المعروفة لم يبالوا بذلك. في النهاية، انفجر ذلك البركان عبر مقاومة عظيمة ضد الهيمنة البرتغالية، وكنت ثورة نوفمبر 1251 خير تمثيل لذاك الانفجار. تحت قيادة ملك هرمز، تور انشاه الرابع، ووزيره وصديق عمره شرف الدين الفالي وغطت كل الأراضي التي كانت تابعة لتلك المملكة. من المهم هنا جدا اعتبار دخل دائرة جمارك هرمز هو المشكلة السياسية الرئيسية بين ملك هرمز والحزب التجاري للمدينة من ناحية والبرتغاليين على الجانب الآخر. من بالضبط المسئول عن ذلك الدخل؟

كان ذاك السؤال ذا أهمية حاسمة. ملك البرتغال، مانويل، أعطى الجواب في النهاية لذلك السؤال المهم عندما قرر مبكرا في 0251 بأن المسئولين البرتغاليين هم الذين يجب أن يأخذوا مكان المسئولين المحليين في دائرة الجمارك المربحة في هرمز وبالتالي يتحكمون في مصير المبالغ الطائلة وجباياتها، الحاكم البرتغالي الرابع للهند، ديوجو لوبس دي سيكوييرا (8151 - 1251) أمره الملك مانويل بالإستيلاء عنوة على ملكية كل ضرائب جمرك هرمز. تردد ديوجو لوبس في تنفيذ هذا الإجراء الصارم، لكن ما أن جاءت نهاية 0251، حتى لاحت أشرعة سفينة برتغالية في الأفق قادمة من لشبونة تجاه ساحل جوا الهندي. لم تجلب تلك السفينة فقط تكرار الطلبات الملكية السابقة، بل أيضا جلبت طاقما كاملا من الموظفين والمسئولين لتنفيذ هذا القرار الملكي. فأضطر دي سيكوييرا إلى إطاعة الأوامر.

التغيير في هرمز حدث لأول مرة لصالح قوى خارجية وبعيدا عن سيطرة الحزب التجاري الهرمزي والملك أيضا، ولذلك فإن هذا الحدث أثار شعورا مدويا، ليس فقط داخليا وبين مسئولي هرمز، لكن خارج هرمز أيضا في العالم الاقتصادي آنذاك والذي كانت هذه الجزيرة التجارية تمثل عصبه الرئيسي وذلك بسبب الموقع المهم لهرمز في العالم. ولكن هل يعقل أن تكون مشكلة جمارك هرمز التي أثيرت من قبل المسئولين البرتغاليين السبب الرئيسي في قيام أول مقاومة منظمة في الخليج ضد العدو الأوروبي؟ الواقع يقول ان فقدان هيبة وسلطة ملك هرمز نفسه كانت ذات علاقة مباشرة أيضا بهذه الثورة، إذ يذكر المؤرخ «وايت وي» أن الملك لم يبق له من سلطته الماضية في المملكة الواسعة سوى الإشراف على شئون القصر الملكي، حتى عملية تنصيب الملك نفسه كانت صارت لا تتم إلا بمباركة من حاكم عام الهند البرتغالي، وبعد اتفاق 5151 سيئ الذكر بين البوكيرك وتوران شاه لم يعد للملك أي جيش يذكر أو هيمنة فعلية على الأوضاع السياسية والعسكرية في المملكة. أضف إلى ذلك، أن المسئولين البرتغاليين في دائرة جمارك هرمز تميزوا بتصرفاتهم المتعجرفة وجشعهم المفرط في جمع الأموال من ضرائب الجزيرة ليس لصالح حكامهم فقط ولكن لصالحهم الشخصي أيضا فيما يمكننا تسميته في تاريخ الوجود البرتغالي في الخليج «بالفساد الإداري والعفن البرتغالي.

وقد عثرت على رسالة في أرشيف «تورو دو تومبو» في لشبونة باللغة العربية وقد ترجمت للبرتغالية للملك مانويل الأول وهي مرسلة من قبل الملك توران شاه صاحب ثورة 1251 وكتبت مباشرة قبل تلك الثورة. قال فيها: «هرمز اليوم تابع لفخامتك، لكن مسئوليك حشروا أنفسهم في شئوننا الداخلية. فخامتك يجب أن تأخذ بنظر الاعتبار هذه المسألة، لأن أمور المملكة ليست جيدة جدا في هذا الوقت بسبب الحال المشوشة والمضطربة في بلاد فارس، الذي له تأثير سيئ على طريق التجارة والقوافل. بالإضافة إلى ذلك، فلم تعد كثير من السلع تجيء من الهند. السفن التجارية تأتي الآن من ثلاثة موانئ بحرية فقط في الهند، بينما في السابق كانت تأتي من الموانئ الهندية كافة. ببساطة مسئوليك كل سنة يأتون إلى الخليج ويبقون هنا في هرمز، ويصرفون بسخاء من خزانة هرمز. بالاضافة إلى ذلك، قائدكم «أنطونيو دي سالدانها» جاء لي وهو في طريقه إلى البصرة وأمرني أن ازوده بثلاثمئة رجل للحرب. رفضت ذلك لأنه ما كان ممكن الوفاء بما طلب، إذ انني لا أملك مالا كافيا لذلك. وعلى رغم هذا فقد ألزمني بدفع نحو 000,52 ashrafis. لذلك، تحتاج هذه المسألة الكبيرة من فخامتك الاسراع في حلها قبل أن تصبح حالتنا أسوأ وأسوأ». رسائل كثيرة مثل هذه أرسلت إلى ملك البرتغال، ولكن يبدو أنه لا حياة لمن تنادي إذ انني لم أعثر في ارشيف البرتغال على أية رسالة إجابة أرسلت للملك في هرمز ولم يتغير الوضع في المملكة الهرمزية أبدا. كل هذه الأسباب وغيرها كانت من ضمن العوامل التي كما تبدو سببت في قيام ثورة 1251 في الخليج ضد السيطرة والهيمنة البرتغالية.

العدد 393 - الجمعة 03 أكتوبر 2003م الموافق 07 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً