العدد 393 - الجمعة 03 أكتوبر 2003م الموافق 07 شعبان 1424هـ

حكاية التعاون مع أرمينيا... وفشل المشروع البابوي

سفارات صليبية للتحالف مع المغول

الوسط - محرر الشئون التاريخية 

03 أكتوبر 2003

امتدت إمبراطورية المغول حين مات جنكيز خان في سنة (326 هـ = 7221م) من كوريا شرقا إلى فارس غربا، ومن جنوب روسيا شمالا حتى المحيط الهندي جنوبا، ثم اتسعت في عهد أقطاي الذي خلف جنكيز خان على المغول، فشملت الدولة الخوارزمية في فارس وأذربيجان، بعد أن تمكنوا من القضاء عليها، وقتل زعيمها «جلال الدين منكبرتي» في سنة (826 هـ = 0421) ثم بدأوا في الهجوم على أوربا، وتمكنوا من الانتصار على القوات البولندية وحلفائها في معركة «ليجنتز» في (52 من رمضان 836 هـ = 9 من إبريل/نيسان 1421م)، ثم اتجهوا إلى بلاد المجر، وهزموا ملكها بيلا الرابع في (شوال 836 هـ = إبريل 1421م)

واتسمت غارات المغول بالسرعة والوحشية، وممارسة أبشع أساليب القتل والفتك؛ ما ألقى الفزع في نفوس الناس، وزرع الرعب والهلع في أفئدتهم. وقد زلزلت أنباء المغول العالم الإسلامي والمسيحي بعدما وصل نفوذ المغول إلى حدود أوربا.

وفي الوقت الذي تعرض له الجناح الشرقي من العالم الإسلامي لخطر المغول، وأصبحت الخلافة العباسية على وشك السقوط، وهو ما تم بعد ذلك، كانت سواحل الشام خاضعة للصليبيين، وكانت حملاتهم ترمي للسيطرة على مصر، وتكريس وجودهم في هذه المنطقة.

أنباء المغول تصل إلى أوروبا

لم يعرف الأوروبيون شيئا عن المغول وخطرهم الداهم إلا في فترة متأخرة، وبعد اجتياحهم المشرق الإسلامي، وكان الفارون من جنوب روسيا حين غزاها المغول أول من قدّم معلومات عن الخطر المغولي إلى غرب أوربا، وزاد شعورهم بالخطر حين اجتاح التتار «جورجيا» و«أرمينيا» ولذلك تحركت البابوية لدرء هذا الخطر، وهي تعد حملة صليبية جديدة، فوضع البابا «أنوسنت الرابع» (146 - 256 هـ = 3421 - 4521م) تحت عنوان: «علاج ضد الخطر المغولي» ثلاث سفارات بابوية.

كانت الاستعدادات تجرى في الغرب الأوروبي على قدم وساق بين «البابا أنوسنت الرابع» و«لويس التاسع» ملك فرنسا لإرسال حملة صليبية إلى مصر، وإعادة الاستيلاء على بيت المقدس، ورأى البابا في المغول الذين يواصلون زحفهم نحو قلب العالم الإسلامي فرصة لا تضيع في عقد تحالف معهم؛ للقضاء على المسلمين، والاستيلاء على ثرواتهم، والسيطرة على طرق التجارة الدولية.

السفارات الصليبية

أرسل البابا أول سفارة إلى المغول في سنة (346 هـ = 5421م)، حملت رسالة إلى زعيم المغول، يدعوه فيها إلى اعتناق المسيحية على المذهب الكاثوليكي، وإحلال السلام بين الغرب والمغول. ويبدو أن هذه السفارة لم تنجح في مهمتها تماما.

أرسل البابا سفارة ثانية، غادرت ليون في (51 من ذي القعدة 4421 هـ = 61 من إبريل 5421م)، ووصلت منغوليا وحضرت حفل تتويج «كيوك خان» على عرش المغول في مدينة «قرا قورم» عاصمة المغول في (9 من ربيع الآخر 446 هـ = 42 من أغسطس/ آب 6421م)، وقد أكرم كيوك خان وفادة سفارة البابا، ورد على المطالب البابوية بالرفض، وطلب من البابا أن يخضع هو وسائر ملوك أوربا المسيحيين للسيادة المغولية.

وفي الوقت الذي خرجت فيه السفارة الثانية للمغول كانت هناك سفارة ثالثة خرجت في إثرها، ضمت رهبانا من جماعة «الدومنيكان» وأوكلت إليها مهمة مختلفة عن مهمة السفارتين السابقتين، فقد أمر البابا هذه السفارة أن تصل إلى أول جيش مغولي تقابله في فارس، وأن يحضّ قائده على الامتناع عن نهب الناس، وخصوصا المسيحيين منهم، وأن يعتنق المسيحية، وأن يتوب عن خطاياه، فالتقت السفارة بجيش مغولي في «تبريز» في (71 من المحرم 546 هـ = 42 من مايو/أيار 7421م)، وكان رد قائد الجيش المغولي أن رسالة البابا أدت إليه النصيحة بعدم القتل والتدبير، وأنه يرفض دعوته إلى اعتناق المسيحية، وعلى البابا وملوك أوروبا أن يعلنوا خضوعهم لسلطان المغول... ومن ثم لم تؤد السفارات الثلاثة ما كان يطمح له البابا من جذب المغول الوثنيين إلى المسيحية ووقوفهم معا ضد المسلمين.

تحالف مغولي أرميني

ويذكر أن المغول نجحوا في إقامة تحالف مع دولة أرمينيا الصغرى المسيحية أصبحت بمقتضاه تابعة للمغول. وتضمن الاتفاق الذي عقد بين الطرفين، تبعية «هيتون» ملك أرمينيا للمغول، وضرورة التعاون مع الدول المسيحية لاسترجاع بيت المقدس، وتعيين ملك أرمينيا مستشارا لخاقان المغول في شئون المشرق، وإعفاء الكنائس في الإمبراطورية المغولية من أنواع الضرائب كافة.

عادت المفاوضات مرة أخرى بعد انقطاع بين المغول وأوربا للقيام بعمل مشترك ضد المسلمين، فبعث «جغطاي خان» ملك المغول بسفارة إلى الملك لويس التاسع أثناء إقامته بقبرص قبل أن يقوم بالحملة الصليبية السابعة. وفي هذه السفارة يدعو «جغطاي» ملك فرنسا إلى التعاون معا ضد المسلمين، واستعادة الأراضي المقدسة منهم، وقد أسرع ملك فرنسا بالرد، فأوفد سفارة إلى المغول لتنظيم التعاون بينهما، لكنها فشلت أمام اشتراطات المغول، وطلبهم أن يرسل الملك الفرنسي جزية سنوية إلى خان المغول.

وهكذا فشل المشروع البابوي في إقامة تحالف مع المغول ضد المسلمين، بسبب غطرسة المغول، وعدم قبولهم التحالف مع أية جهة تعتبر نفسها على قدم المساواة معهم.

العدد 393 - الجمعة 03 أكتوبر 2003م الموافق 07 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً