العدد 338 - السبت 09 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ

هل يعقب النصر العسكري هزيمة معنوية وسياسية في العراق؟

الشماتة في برلين وباريس ... وطهران أيضا!

يستعد الرئيس الأميركي جورج بوش لمعركة انتخابات الرئاسة، ويحتاج إلى ما يرفع شعبيته في أوساط الناخبين. لهذا السبب يريد الحصول على رأس الرئيس العراقي السابق صدام حسين مهما بلغ الثمن وذلك قبل موعد انتخابات الرئاسة في العام المقبل. ولهذا السبب أيضا يبحث الجنود الأميركيون عن صدام في كل زاوية ووراء كل حجر، ويتحملون لتحقيق رغبة بوش، العدو الذي أوجدته البيئة، الطقس الحار، وهجمات المقاومة العراقية التي تصدر عن أكثر من طرف، بغض النظر عن التكاليف التي يقدمها دافعو الضرائب في الولايات المتحدة والتي تبلغ يوميا 140 مليون دولار. إن الدولة العظمى تحتاج إلى صدام حسين، حيا أو ميتا، لتشبع نشوتها إلا أن هذا النصر مازال عقيما.

أيضا بعد مضي ثلاثة أشهر على إعلان بوش من على متن حاملة الطائرات قبالة شاطئ سان دييغو نهاية العمليات العسكرية فإن الوضع في العراق مازال بعيدا عن الرضا. ثلاثون دولة قالت واشنطن بزهو انها مستعدة لمشاركة الأميركيين عملية غسيل الأوساخ التي نشأت بفعل الحرب، وإرسال قوات تابعة لها إلى هذا البلد العربي، ولكن غالبية هذه الدول تريد المساهمة في نشر الأمن والاستقرار في العراق تحت راية الأمم المتحدة التي ترفض واشنطن التنازل لها عن إدارة أمور العراق.

ليس الخطأ الأميركي الأول

من أبرز العراقيل التي تواجهها دول التدخل عدم قدرتها على تحمل تكاليف سفر جنودها إلى العراق. وقد حصلت بولندا التي شاركت في الحرب على 200 مليون دولار لنشر قواتها في جنوب العراق.

وتشير بعض التقديرات إلى أن مغامرة الأميركيين في العراق تكلّفهم مليار دولار أسبوعيا والحبل على الجرّار. وقد اصبح البحث عن صدام بالنسبة الى الأميركيين أهم هدف في المرحلة الحالية ظنا منهم أن الحصول على رأسه سينهي المقاومة، ولكن كم مرة أخطأ الأميركيون في حساباتهم؟.

يضاف إلى هذه الأعباء التي يتحملها دافعو الضرائب في الولايات المتحدة، اعترفت صحيفة «واشنطن بوست» بتدهور معنويات 150 ألف جندي في العراق، وانتشار حالات السأم والتقزز من أوضاعهم، خصوصا بعد الإعلان أن قوات الاحتلال ستبقى فترة زمنية طويلة في العراق. وكل يوم يسقط جندي أميركي على الأقل نتيجة هجمات المقاومة العراقية. وزاد يأس الجنود الأميركيين اعتراف قائد القوات الأميركية في منطقة الخليج الجنرال الأميركي اللبناني الأصل جون أبي زيد ببدء حرب المقاومة ضد قوات الاحتلال، الأمر الذي يؤكده عدد هجمات المقاومة الذي يزيد على عشرين هجوما يوميا في مختلف أنحاء البلاد، ويتم -عمدا - تجنب الكشف عنها في وسائل الإعلام الأميركية كي لا يغيّر الرأي العام الأميركي نظرته الى الحرب، ولكن مسألة تغيير هذه النظرة مرهونة بعامل الوقت ليس أكثر.

لمساعدة بوش في إنقاذ ماء وجهه أمام الرأي العام الأميركي، بعد تدني شعبيته بسبب المعلومات التي نشرت عن فشل أجهزة المخابرات الأميركية في منع وقوع هجوم 11 سبتمبر/ ايلول العام 2001، أوعز بوش إلى قوة الكوماندوز Task Force بملاحقة صدام. هذه القوة سرعان ما تسبّبت بانتشار الخصوم ضدها في العراق. مثال على ذلك شهادة كريستوف رويتر المحرر في مجلة «شتيرن» الألمانية والمصور المرافق له حين كانا في منزل الشيخ عبدالله الخطاب الذي اغتيل لسماع آراء المعزين عن الوضع في العراق، حين داهمت قوة الكوماندوز الأميركية مكان العزاء وقاموا بالعبث في المكان وأمروا جميع الرجال بالجلوس تحت الشمس الحارقة ساعات طويلة، بينهم الصحافي الألماني ومرافقه، وراح عملاء السي آي إيه يدقّقون في وجوه الرجال للمقارنة مع مجموعة الصور التي جمعوها عن رجال النظام السابق. وتم الإفراج عن الصحافي الألماني ومرافقه بعد مضي 10 ساعات ونتيجة تدخل دبلوماسي.

أصبح الجنود الأميركيون يتصرفون بعصبية في العراق، ومنذ وقتٍ أصبح (المحرِّرون) عبارة عن قوات احتلال. أما الرئيس السابق فإنه يُشعر العراقيين بأنه موجود بينهم، فهو يطل عليهم من على شاشة «الجزيرة» و«العربية»، ويدعوهم إلى مقاومة قوات الاحتلال وإلحاق الهزيمة بالولايات المتحدة.

كيلا تتكرر إيران

وباعتراف المحللين ليس من السهل الحديث عن مقاومة منظمة في العراق نتيجة تعدد الفئات التي تريد جلاء القوات الأجنبية أو تصفية الحساب مع القوة العظمى وبريطانيا. فقد نشأ نتيجة الحرب - التي تمت من دون أساس وبخروج عن الشرعية الدولية - انقسام خطير داخل المجتمع العراقي بين الذين يتهددهم فقدان وظائف العمل والعزل عن المشاركة السياسية بسبب تأييدهم للنظام السابق، وفئة المحسوبين على المسئولين الجدد، وكذلك احتمال تحوّل العراق إلى إيران ثانية بالنظر إلى النفوذ الكبير الذي أتت به الحرب لشيعة العراق.

ويقول أحد المعلقين ان الولايات المتحدة عملت سنوات طويلة من أجل حرمان آية الله الخميني من تحقيق حلمه بقيام دولة الشيعة الكبرى في المنطقة، ولكن القوة العظمى تسبّبت بنفسها في تهيئة الأجواء لقيام هذه الدولة وتحقيق حلم الخميني.

والمعروف أن الشيعة يشكلون نسبة 60 في المئة من سكان العراق، وأية عملية انتخابات ستضمن لهم السلطة والنفوذ. هذا وحده كفيل بأن يحول الانتصار العسكري إلى هزيمة معنوية وسياسية للولايات المتحدة. وهذا لم يكن في حسبان الرئيس الأميركي وفرقة الصقور في واشنطن. ولن يكون بوسع الرأي العام الأميركي السكوت طويلا على المغامرة العسكرية في العراق، وسيشعر بوش بضغط الشارع مع زيادة عدد الجنود العائدين في صناديق خشبية إلى عائلاتهم، وهو يعرف تماما أن هذا لن يساعده في الحملة الانتخابية. ويعتقد رئيس تحرير مجلة «شتيرن» أندرياس بيتزولد أن المقاومة العراقية ستستمر ضد الاحتلال حتى بعد القبض على صدام، فالحرب ولّدت حقدا كبيرا عند العراقيين على الولايات المتحدة وبريطانيا.

الشماتة في برلين وباريس !

وفي أوروبا يشمت السياسيون في برلين وباريس بما يواجهه الأميركيون في المستنقع العراقي. ومع انتشار المعلومات عن الأكاذيب التي روّجتها الحكومتان الأميركية والبريطانية لتبرير الحرب زادت مشكلات بوش وبلير، وهذه الأكاذيب كفيلة بأن تغذي مشاعر الحقد مثلما يغذيه فشل الاحتلال في تحقيق الأمن والاستقرار في العراق. فحياة العراقيين في ظل الاحتلال لم تتغير عن مستوى حياتهم تحت رحمة الحصار الطويلة

العدد 338 - السبت 09 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً