العدد 338 - السبت 09 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ

بعد الحرب... الموت يجهد الأميركيين العراقيين يوميا

لقد مرت مئة يوم مذ أعلن الرئيس الأميركي جورج بوش انتهاء الحرب في العراق، ومع ذلك لاتزال هناك حوادث إطلاق نار كبيرة في وسط بغداد.

ومازالت الدوريات الأميركية تتعرض لهجمات منتظمة بالقذائف الصاروخية وهي تسير في الشوارع. ويموت الجنود الأميركيون بشكل يومي تقريبا، فيما يموت المواطنون العراقيون بالمعدل نفسه تقريبا.

وبعد ثلاثة أيام من وصولي إلى بغداد شعرت انني رأيت ما فيه الكفاية، إذ تفاجأت مما رأيته من انفجار ضخم دمّر السفارة الأردنية يوم الخميس الماضي، وأودى بحياة أحد عشر مدنيا. وكذلك بعد عدة ساعات عندما نشبت معركة في وسط المدينة إذ قام افراد المقاومة العراقية بتفجير آلية أميركية من نوع هامفي باستخدام قذيفة «آر بي جي». فلا يوجد هناك أي قانون أو نظام، بل ان الشوارع يحكمها السراق وقطاع الطرق. فهذه المدينة تعيش على حد السيف، فإذا لم يقتلك السراق لسلب أموالك فإن الأميركان سريعي الاهتياج قد يفعلونها من دون أدنى تردد.

وقد بدأت المسألة تتضح قبل ان نصل المدينة. كنا نعبر الطريق إلى بغداد عندما اضطربت حركة المرور أمامنا فجأة على نحو هائج. وكانت دبابة أميركية تحتل خطين من الخطوط الثلاثة بالشارع، وتقوم بالإطلاق الكثيف باتجاه الشارع الآخر، فترى حركة المرور تتفرق في ذعر. وكان باستطاعتي رؤية خراطيش الرصاص الفارغة تتطاير في الهواء بينما كنا نمر قريبا من الدبابة. ولم يكن ذلك غير حدثٍ روتيني عابرٍ كل يوم.

مرحبا بكم في بغداد

وبعد قطع عدة أميال من طريق بغداد، شاهدنا حادث سرقة في وضح النهار. فقد اجبر قطاع الطرق حافلة للخروج إلى الشارع الآخر، وتوقفت سيارة «بي إم دبليو» فضية اللون أمام الحافلة، لكيلا تتمكن من الإفلات، وأشهر قطّاع الطرق كلاشينكوفاتهم باتجاه باب الحافلة. وتنفس سائقنا اصعداء علامة الارتياح.

وفي اليوم الآخر أطلق الجنود الأميركيون النار على عراقي فأردوه قتيلا خارج فندق الحمراء، حيث يقع مكتب صحيفة «الاندبندنت» في بغداد. وكانوا قد أمروه بالتوقف ولكنه حاول الجري لذلك أطلقوا عليه النار.

وفي ذلك المساء ظلّت أصوات إطلاق النار تُسمع قريبا من فندق الحمراء، ما جعل الصحافيين يقومون من أماكنهم ويتطلعون بعصبية نحو مصدر النيران.

وهنا عندما يسرقونك فإنهم يفعلون ذلك بتوجيه البندقية إلى الرأس. وعليك أن تُبقي على أبواب سيارتك مقفلة وأنت تسير في الشارع، وإلا فإن السراق سيقتربون منك ويأمرونك بالتوقف والخروج من سيارتك وينطلقون بها تحت جنح الظلام. وكل من تلقاه هنا تقريبا تلاحظ انه مدجج بالسلاح. صاحب البقالة شعبان قال لي: «تعال إلى هنا في الداخل، فلدي شيء يمكن أن يهمك». وما كان لديه في داخل بقالته كان رشاشا، قطعة خطيرة جدا من الأدوات العسكرية يمكن أن يُطلق بصورة متواصلة، كما يمكن إسناده لوحده. وبعد أربعة أشهر من سقوط بغداد لايزال شعبان ينام في بقالته في الليالي لحماية بضاعته. وهو قد أعدّ الرشاش لمواجهة أي سارق يحاول السطو على بقالته.

يقول شعبان: «لقد جاء الاميركان إلى هنا وعرضت الرشاش عليهم، وقالوا انه بإمكاني ان أحتفظ به، لأنني احتاجه للدفاع عن المحل». وسرد علينا شعبان تفاصيل سرقة سيارة امرأة كبيرة من امام المحل: اقتحم السراق السيارة ووضعوا المسدس على رأس المرأة. وسمعها شعبان وأصدقاؤه تطلب المساعدة، فحملوا أسلحتهم وبدأت المطاردة. كان أربعة منهم مسلحين بالكلاشينكوف واثنان بمسدسين. وعندما وصلوا إلى السيارة المسروقة، أخذوا بإطلاق النار واجبروا السرّاق على إيقاف السيارة على جانب الطريق. يقول شعبان: «قمنا بتقييد السرّاق وأحضرناهم إلى هنا، وقمنا بضربهم. لقد كان ضربا مبرحا حقا، ثم أخذناهم وسلّمناهم إلى الأميركيين». وأعادوا السيارة للمرأة وبها عدد من الثقوب التي احدثتها طلقات الرصاص. انه القانون الذي يحكم بغداد الجديدة.

ولم يتمكن أحد ممن تحدثنا إليهم من إخبارنا على من كانت الدبابة الاميركية تطلق النار في الشارع يوم وصولنا، ولكن كان هناك حادث وقع غير بعيد، في مدينة الفلوجة، التي تشهد مناظر الاحتجاج المتكررة ضد الأميركيين. وتم تفجير قنبلة في مركز للشرطة، أدت إلى إصابة ثلاثة من الجنود العراقيين وجندي أميركي. كما جرح أيضا صبي عراقي في العاشرة، ولكن ليس بفعل الانفجار، فقد قال شهود عيان ان الجنود الأميركيين المذعورين قاموا بإطلاق النار العشوائي كرد فعلٍ على الانفجار، فأصابت رصاصة السيارة التي كانت تقله. وشاهدنا الثقب الذي أحدثته الرصاصة بباب السيارة ورأينا دم الصبي يغطي1 المقعد الأمامي للسيارة.

الطبيب مكي علوي في مستشفى الكندي ببغداد أخبرني انه لا يمر يوم واحد إلا ويعالج في المستشفى أحد المدنيين الجرحى برصاص الأميركيين عن طريق الخطأ

العدد 338 - السبت 09 أغسطس 2003م الموافق 10 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً