العدد 340 - الإثنين 11 أغسطس 2003م الموافق 12 جمادى الآخرة 1424هـ

لائمتان في الخلل الثقافي لذوي الاحتياجات الخاصة

قبل عرض اللائمتين أوالحديث عنهـما... لابد أن أحصر الحديث في فئة ذوي الاحتياجات الخاصة «من هم دون النطاق العقلي»؛ أي من يعانون فقط الإعاقة الجسدية لا غيـر، لأن الحديث عن الثقافة هو بالضرورة حديث عن العـقل السـليم أولا. لذلك تتأطـر الإشارة هنـا في الخلل الثقافي الذي ينساق في جدول تلك الفئة سليمة العقل، ويصب من عاملين اثنـين يمثلان طرفا معادلة غاية في الدقة من حيث التأمل.

الأول من ذينك العاملين هو أن المؤسسات والجهات المعنية لرعاية وتأهيل ودعم ذوي الاحتياجات الخاصة، والتي لها دور كبير في صوغ نمط التفكير على عدة صــعد من ضمـنها: نوعية الاهتمامات والتطلعات والرغبـات ونشأة الثقافة.

العامل الثاني، وهو عامل يكمن في فئة ذوي الاحتياجات الخاصة أنفـسهم إذ يملكون خياراتهم من دون وجود نوع من الوصاية الفكرية أو ما شابه، نعم ثمة محيطا مؤثرا بشكل فعـال وهي المؤسسات التأهيلية والتي تمثل لبـنة مهمة في بنائهم، ولكن بالضرورة ليس ثمة فرض بالتأثر إذا ما استثـنينا مصطلح العنف الرمزي الموصوفة به «التربية» لدى بيير بورديو.

للحديث عن النقـطة الأولى وهي المؤسسات المعنية بتأهيل ورعاية ودعم ذوي الاحتياجات الخاصة يتطلب منا أن نتأمل جــنـبتين مهـمتين ربما نستطيع أن ندعي أنهما الممثلتان للتكون السلوكي والنفسي والثقافة لفئة ذوي الاحتياجات الخاصة ممن يرتادون تلك المؤسسات بصيغة العضوية (الاستمرارية)، تلكما الجنبـتان هما:

- سياسة المؤسسات المقصودة، من حيث البرامج والأنشطة.

- محيط تلك المؤسسات والتي يتم فيها محاكاة الصغار للكبار من فئة ذوي الاحتياجات الخاصة فيما إذا تحدثنا عن بعض المراكز التي تــضـم فئات عمرية مختلفة.

أما الحديث عن السياسة المتبعة لغالبية تلك المؤسسات فإنه حديث متصل بنسق ليس بالمختلف عن برامج طال عمرها ولم تتجدد، واختـصـرت مهماتها المتبوئة (مفترضا) ولم تتعدد وكان من المفترض أن تكون تلكم البرامج أكثر اتساعا لا أضيق سعة، فعادة تنحصر البرامج وتتأطر في سياقين لا غير، اللغة وطرق التواصل مع المجتمع من جهة وبرامج الترفيه من جهة أخرى، وكلاهما جيد إذا ما كانا رديفين لسياسة تثقيفية وتأهيلية بحيث يصبح الفرد من ذوي الاحتياجات الخاصة «منـجــزا» لا فقط «سويا» من حيث سد حاجاته واحتياجاته.

تلك المؤسسات تحاول بحثيثية مقدّرة ومحسوبة لرصيدها أن تجعل الفرد من ذوي الاحتياجات الخاصة كأي فرد معتبر جزءا من المجتمع، وقد يقال إن هذه المسئولية هي الطبيعية للمؤسسات وتبقى باقي المسئوليات على عاتق الأطراف الأخرى من مجتمع وأسرة وغير ذلك، وهذا الرأي على رغم امتلاكه نسبة من الصحة بشكل كبير، فإن تلك المؤسسات (بالضرورة) ترسم أفـقا معينـا لذوي الاحتياجات الخاصة تديدن على إثره طباعهم وسلوكياتهم ونمط تفكيرهم.

ربما لو طالعنا الأوضاع المختلفة المؤثرة على هكذا نسق من المؤسسات فسنرى أن الأمر- لربما - له مرجعياته السياسية الظرفية، ولتوضيح ذلك يمكن القول إن الفتـرة التي سبقت عهد الانفتاح قد فرض بشكل طبيعي حالة معينة على المؤسسات الاجتماعية (قاطبـة) ما حصر برمجياتهم في إطار ضيق، وانحصرت رؤيتهم ضمن إكراهات لا تستطيع أن تخرج منها.

فالجمعيات النسائية مثلا - على رغم وجودها - لم تستطع أن تمارس عملا سياسيا أو حتى ثقافيا له صلات بالسياسة، إلا أن هذه الفترة غيرت الكثير في نسق تلك المؤسسات «النسائية» وغيرها من التكتلات الاجتماعية ولم تتغير أنساق المؤسسات المهتمة بشأن الفئة الخاصة، والسؤال المشروع: هل من اللاممكن إقامة ورش عمل في الشأن السياسي أو حتى الثقافي للفئة الخاصة؟ تقيمها تلك المؤسسات المشار اليها؟ هل من الصعب عمل دورات في شتى صنوف الفكر والثقافة لذوي الاحتياجات الخاصة؟

لا رغبة لأحد أن تكون المؤسسات التأهيلية ذات غير فائدة ولا أمنية في هذا الإطار إلا للسلبيين من الناس، ولكن من اللامعقول أن تكون تلك المؤسسات ممارسة لعملها بلا تسجيل ملاحظات مهمة قد تسد الكثير من الفجوات في ممارستها التي من المفترض أن تتشكل بشكل آخر.

إذا اللائمة الأولى هي على المؤسسات والثانية على ذوي الاحتياجات الخاصة أنفسهم، إلا أن ذلك لا ينفي موقع العذر بموضع الظرف

العدد 340 - الإثنين 11 أغسطس 2003م الموافق 12 جمادى الآخرة 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً