يبدو أن تطورات الحوادث في العراق قد كشفت وإلى حدما شيئا من تفاصيل الخطة الاميركية غير المعلنة والتي دار الحديث عنها قبيل الهجوم الاميركي العسكري على العراق واسقاط نظام صدام حسين. فقد قيل آنذاك إن هنالك صفقة سرية بين واشنطن وأنقرة، وبرزت ملامح تلك الصفقة من خلال الزيارات المكوكية لمسئولي البلدين لواشنطن وأنقرة. وبالمقابل فان هذه الزيارات وما اعقبها من تصريحات قد اثارت حفيظة القيادات الكردية، ما دفع البعض منها إلى إطلاق تصريحات اخافت الاميركان من احتمالات انفراط عقد التحالف الاميركي الكردي لاسقاط نظام صدام حسين في وقت كانت فيه واشنطن في امس الحاجة للدور الكردي، إذ وصف آنذاك بانه يتناغم مع ذات الدور الذي لعبته قوات الشمال في افغانستان. وحاولت الادارة الاميركية تطمين الاكراد، فاستقبلت قادتهم ووعدتهم بأن تستغني عن الدور التركي، ما دام ذلك يشكل حساسية مفرطة لهم، ولكن هذه الادارة حاولت الامساك باطراف اللعبة بقوة، فمرة تتجاهل الاتراك واخرى تتجاهل الاكراد، ولكنها ربما قد اتفقت مع الاتراك على تفاصيل هذه اللعبة اثناء زيارة قادة الحكومة التركية الجديدة إلى واشنطن، إذ بدا الاتراك غير مكترثين بالامر العراقي، حتى في اوج الصدام المسلح بين التركمان والاكراد في منطقة كركوك.
الآن وبعد أن وطد الاميركان اقدامهم في عموم العراق، لم يعودوا محتاجين للدور الكردي، الذي بدأ يضايقهم من خلال المطالبة المستميتة بتضمين الدستور العراقي الجديد مبدأ «الفدرالية» واقتسام الحكم وهذه القضية تزعج الاميركان بالقدر نفسه الذي تزعج فيه الاتراك والعرب والتركمان والآشوريين، وبنظر الاميركان فان الفدرالية ستكون مقدمة لاثارة الصراع غير المحسوب لا في العراق وحسب وانما بين دول المنطقة، إذ يوجد الاكراد في ايران وتركيا وسورية اضافة إلى العراق، وان جميع هؤلاء يعتقدون بان الفيدرالية الكردية هي الباب الرئيسي للانفصال عن العراق لاحقا وتكوين دولة كردية مستقلة ستكون قادرة على زعزعة الاوضاع الداخلية في هذه البلدان، ومن هنا سيشمل الصراع كل هذه المنطقة، ما سيعرض المصالح الاميركية الحيوية إلى مخاطر جدية هي في غنى عنها. اذن فان الدور التركي سيكون صمام امان بالنسبة للاميركان من عدم تصاعد الآمال الكردية لاقامة دولة لهم. إضافة إلى ذلك فان الادارة الاميركية تحتاج القوات التركية لتخفيف الضغط العسكري عنها وخصوصا بعد تصاعد حدة المقاومة وارتفاع عدد الاصابات في صفوف الجنود الاميركان، ناهيك عن الرغبة الشديدة في مواجهة ايران وكذلك تطلعات الشيعة في العراق، وقد انتبه عبدالعزيز الحكيم لذلك، وأراد معادلة الرغبة الاميركية باستدعاء القوات التركية بدعوته إلى إشراك ايران في إعمار العراق، والموقف لا زال ينتظر الكثير من التداعيات.
لندن - مهدي السّيد
العدد 399 - الخميس 09 أكتوبر 2003م الموافق 12 شعبان 1424هـ