اتخذ الخبراء الدوليون في الكوارث الاشعاعية خطوة غير اعتيادية على نحو مثير في افتراض أن هجوما ارهابيا بقنبلة نووية «قذرة» سيقع في هدف مدني بارز مثل مترو انفاق لندن.
وعادة يقيم العلماء مخاطر مثل هذه الكوارث بلغة الاحتمالات، ولكن اجبرتهم الطبيعة المجهولة لتهديد القنبلة القذرة على افتراض أن هجوما عدائيا أصبح حتميا تقريبا في موقع ما مستقبلا.
وقد تم تأسيس فريق دولي من كبار العلماء النوويين لتقييم آثار تفجير ارهابيين أداة نووية قذرة أو ببساطة نشر مادة اشعاعية في موقع مكتظ بالسكان.
وتتكون المجموعة - التي اجتمعت في عطلة الاسبوع الماضي في استكهولم - من بعض أكثر العلماء خبرة في مجال التلوث الاشعاعي الذين تعاملوا مع الطوارئ الممتدة من كارثة تشرنوبل النووية إلى الحادثة الاشعاعية في البرازيل إذ كان هناك حوالي 120000 شخص معرضين لمخاطر الاشعاع من مخلفات مستشفى.
الخبراء جزء من فريق عمل تشكل بواسطة اللجنة الدولية للحماية الاشعاعية المسئولة عن مهمة تقديم المشورة للحكومات عن كيفية حماية الجمهور من المخاطر الاشعاعية.
أخبر دبلوماسي كبير وعالم نووي مقرب من فريق العمل لدى اللجنة الدولة للحماية الاشعاعية صحيفة «الاندبندنت» بأن نوع السيناريوهات للقنبلة القذرة التي تمت دراستها هو هجمات على اهداف «رخوة» مثل انفاق لندن والألعاب الأولمبية في اليونان العام المقبل.
وقال العالم - الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع - إن القنابل القذرة يمكن أن تمتد من علبة بسيطة لكلوريد السيسيوم الاشعاعي مسروقة من قسم اشعاعي في مستشفى إلى قنبلة ذرية خام، وأضاف «لا تحتاج أن تصنع قنبلة لكي يكون لديك قنبلة قذرة. كل ما تحتاجه لامتلاك قنبلة هو فتح كبسولة لتجد أن هناك قنبلة قذرة». كلوريد السيسيوم، مثلا، فيه دائرة مسحوق الطلق للتجميل ويعتبر سهل الانتشار لتلويث منطقة واسعة.
وقال العالم: «نفق السكة الحديد في لندن مثلا وسيلة انتشار اشعاع رائعة. عندما يأتي القطار يعتبر مثل المكبس، ما عليك إلا أن تفتح السيسيوم وسأقول لك بعد ساعتين أو ثلاث إنك ستحصل على سيسيوم في جميع انحاء النفق في لندن وبالتالي ستوقف النظام... لا يحدث خطر من حيث وجهة النظر الصحية ولكن سيصبح الناس مذعورين بحيث لا يستطيع أحد استخدامه... اننى أعرف نفق مترو لندن لديه فريق عمل يبحث في هذا الأمر».
وعندما سئل العالم عما اذا كانت الحكومات قد فعلت ما فيه الكفاية لمعالجة هذا التهديد، أجاب «إن كنا قد اجتمعنا في عطلة الاسبوع فالسبب شعورنا اننا لم نفعل ما فيه الكافية. يجب أن افترض بصفتي متخصصا أن ذلك سيحدث... واذا حدث اليوم، اعتقد أننا غير مستعدين لمجابهة المخاطر. كثير من الناس يعملون في الاعداد لهذه الحادثة ولكن مازالت لا توجد وصفة دولية متكاملة، دعني أقولها بصراحة: هناك أمور كثيرة لم نقم بمعالجتها بطرق صحيحة»، عندما ينجز العلماء تقييمات مخاطر للكوارث في مصانع الطاقة النووية يحددون عادة تقديرات احتمالية لسيناريوهات حوادث مختلفة، ولكن يصبح هذا مستحيلا عندما تأتي الى تقييم مخاطر هجوم قنبلة قذرة. وقال العالم: «مشكلة هذا النوع من التهديد هو أنك لا تستطيع تحديد الاحتمالات، بالاضافة الى أن الاحتمالات تتغير مقارنة بمستوى استعداد الحكومة»، واضاف «بالنسبة لي يعتبر هذا غير عادي، لأنه في جميع اجراءات الطوارئ التي وضعناها في الماضي، نحن دائما نربط ما يحدث باحتمال... هناك رافد امكانية منطقي، ولكن في حالة القنابل القذرة أنا لا أرى ذلك لأنني لست في مخيلة من يفكر في القيام بذلك العمل».
وأوضح «وحسب تقديري المتخصص فإن ذلك يعتبر أسوأ سيناريو سينفذ، انه بالسلاح النووي». وعندما سئل إن كان ذلك صعبا قال: «لا أعلم. ولكن أعرف إذا كنت تريد عمل سلاح نووي قذر، ليس ذلك الذي يدمر مدينة بكاملها ولكن يحدث انفجارا فقط... وذلك ليس صعبا. كل ما يتطلبه كيلوغرامات قليلة من مادة نووية صالحة كسلاح».
تعمل اللجنة الدولية للحماية الاشعاعية - التي تجتمع الشهر المقبل لاعداد توصيات عن القنابل القذرة لاعضائها البالغ عددهم 100 دولة - في توازٍ مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية المسئولة عن معايير السلامة النووية التي تغطي تأمين المادة الاشعاعية التي يمكن أن تصنع منها قنابل قذرة.
عندما عقدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مؤتمرا عن القنابل القذرة في العام 1998، رفضت غالبية الحكومات احتمال وقوع مثل ذلك العمل واعتبرته سابقا لأوانه من أن يقلق منه. الآن اعتبر التهديد حقيقيا وهناك حاجة عاجلة إلى العمل كما يقول العلماء
العدد 405 - الأربعاء 15 أكتوبر 2003م الموافق 18 شعبان 1424هـ