يبدو أن أول أسرة مالكة بعد الاتحاد السوفياتي في طريقها إلى التكوين في جمهورية أذربيجان الغنية بالنفط وذلك أثناء محاولة زعيمها الذي بلغ الثمانين من عمره تسليم السلطة لابنه عبر الانتخابات الأربعاء وقد شجب قادة المعارضة ونشطاء حقوق الإنسان هذه الخطوة واعتبروها تلاعبا.
أينما تقع العين في مدينة البحر الأسود الغارقة في أشعة الشمس، هناك لوحات إعلانية ضخمة، مجموعة ملصقات حائطية تظهر زعيم الجمهورية الذي طال حكمه، حيدر علييف وابنه إلهام في وقفة مستلهمة لخلافة الابن للأب. وتعتبر الدعاية المسرفة جزءا من حملة مقصودة نظمت بواسطة علييف الكبير من سريره في مستشفى كليفلاند، إذ يرقد منذ خمسة شهور فيها وهو يعاني من نوبة قلبية ومرض في الكلية، ولذلك يريد تنصيب إلهام في الرئاسة، ولكن تشير استطلاعات الرأي المستقلة، إلى أن الانتخابات لا يمكن أن يفوز بها إلهام علييف، السياسي المبتدئ الذي عين رئيسا للوزراء بواسطة أبيه في أغسطس/ آب الماضي.
وفي وقت سابق، كان كل من الرجلين، الأب وابنه مرشحين للرئاسة ولكن في مطلع أكتوبر انسحب علييف الأكبر فجأة لصالح ابنه.
ويعني هذا نهاية عهد في أذربيجان. وبطريقة أو أخرى حكم حيدر علييف الجمهورية في غالبية الخمسة وثلاثين عاما الماضية، كرئيس للمخابرات (كي جي بي) في العهد السوفياتي في الجمهورية ورئيس الحزب الشيوعي. وكرئيس لأذربيجان المستقلة منذ العام 1993، نأى علييف بالدولة بعيدا عن الحرب الأهلية، وأبرم هدنة عقب هزيمة عسكرية شنيعة بواسطة أرمينيا المجاورة، ووقع عقودا مع شركات نفط غربية لتطوير احتياطات النفط الضخم في البحر الأسود.
وفي السنوات الأخيرة، تمتع الأذربيجانيون بازدهار اقتصادي معتدل قاد إلى حكومة مستقرة. وتعتبر أذربيجان احدى الدول القليلة في العالم الاسلامي المتحالفة بالكامل مع الغرب، إذ توجد فيها «ممارسات ديمقراطية واجتماعية علمانية» وفقا لما أدلى به رئيس شعبة العلاقات الدولية في جامعة باكو، أقلار عباسبيلين. وأضاف «كل هذا بفضل القيادة القوية لحيدر علييف». ولكن هناك كثير من الشكوك في أن شعبية الأب ستهتز تجاه الابن الذي اشتهر بأنه مبذر، مستهتر ومقامر أثناء المناقشات المفتوحة في الشوارع.
وأظهر استطلاع للرأي أُجري بواسطة مركز البحوث السياسية والاقتصادية في باكو نهاية سبتمبر/ أيلول، وهو معهد مستقل ممول بواسطة التأمين القومي للديمقراطية في الولايات المتحدة، أن زعيم حزب موسافت المعارض، عيسى قمبر، متقدم بنحو 36,3 في المئة من المستجوبين يقولون إنهم سيصوتون لصالحه في 15 أكتوبر (الأربعاء) بينما تزيل إلهام علييف القائمة بنسبة 27,4 في المئة من الدعم.
وبالنظر إلى تاريخ أذربيجان المختل في الانتخابات، يدعي زعماء المعارضة أن التصويت سيتم التلاعب به لضمان انتصار إلهام. وقالت منظمة حقوق الإنسان هيومان وتش أمس إن الانتخابات لا تعتبر حرة وعادلة لأن هناك سوء استغلال على نحو واسع وانحيازات نحو مرشحي الحكومة. وقال مسئول المنظمة بيتر بوكايرت: «لقد وقع كثير من سوء المعاملة، كثير من الاعتقالات وأشكال الضرب والتعذيب لنشطاء المعارضة من قبل لكي يعتبروا العملية الانتخابية حرة ونزيهة».
وسجل فريق مكون من 30 خبيرا مرسلا بواسطة منظمة التعاون والأمن في أوروبا لمراقبة الحملة، أشكالا من المخالفات الرسمية وتتضمن إساءات الشرطة ضد مؤيدي المعارضة إعاقة مسيرات وتجمعات المرشحين واستغلالا ضخما للإعلام الحكومي والموارد العامة للترويج لحملة إلهام.
وفي تقرير حديث لاحظت أيضا المنظمة الإعلامية «صحافيون بلا حدود» ومقرها باريس أن هناك زيادة في الهجمات ضد الصحافيين الأذربيجانيين المستقلين الذين يغطون أنشطة المعارضة. ووضعت المنظمة أذربيجان في المرتبة (101) من ضمن (139) دولة تراقب الحرية الصحافية.
وجزم رئيس لجنة الانتخابات المركزية الرسمية في أذربيجان، مزاهر ماناخوف «ان الحكومة ملتزمة باجراء انتخابات حرة، عادلة وشفافة» وألقى ماناخوف باللائمة على المعارضة في العنف وعدم الاستقرار الذي يتحدث عنه المراقبون الأجانب. وأضاف ان السلطات المحلية تريد فرض النظام. وعن المزاعم بأن موارد الدولة مسخرة للترويج لإلهام علييف قال ماناخوف «إننا لم نتلقَ معلومات بهذا الخصوص». وهناك قليل من اللوحات المتفرقة لأنشطة المعارضة تشاهد في باكو، ولكن صحف العاصمة والساحات العامة تعكس حملة انتخاب علييف الأصغر فقط.
وفي مدرسة ليزجين أحمد العامة في مدينة قصار الشمالية، اصطف الأطفال أمام الفصول وهم يحملون ملصقات الانتخابات التي تظهر إلهام ووالده. وعندما سئل المدرس، زاهد ألسكندر عن هذا المشهد، أشار أن موظفي المدرسة ليس لديهم كلمة في تحضير هذه المواد. وقال «شخصيا لا أعتقد أن هذا مقبول، إذ إن القانون يأمر بمعاملة متساوية لجميع المرشحين».
ويخشى الخبراء أنه حتى وأن انتخب إلهام، ربما لا يستطيع إدارة مشكلات أذربيجان بالطريقة نفسها التي كان عليها أبوه، وخصوصا النزاع المحتدم مع أرمينيا. فقد انتهت الحرب في العام 1993 بانتصار الأرمن في السيطرة على جيبهم الاثني ناغورنو - كاراباخ بالإضافة إلى مستنقعات واسعة تحيط بالإقليم الأذربيجاني.
ويعيش حوالي مليون لاجئ أذربيجاني من تلك الأراضي في معسكرات خيام بائسة حول أذربيجان ويبقون مصدر ضغط سياسي حاد في تجدد الحرب. يقول النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء الأذربيجاني، علي حسنوف «إذا استمرت أرمينيا في احتلال دولتنا، فإن من حق أذربيجان تحرير تلك الأقاليم بأية وسيلة ممكنة. صبرنا لا حدود له. خلال القرن الماضي، احتوى حيدر علييف بنجاح الصقور واحتفظ بدولته العنيدة مركزة على تعزيز التنمية الاقتصادية وحصل على القبول بواسطة المجتمع الدولي». ويقول الخبير في شئون الإقليم في معهد البحوث السياسية والاقتصادية الدولية في موسكو، فاديم بتيرمان «يملك علييف الأكبر سلطة حقيقية، فقد سيطر على الجيش وقوات الأمن. ولكن الابن أقل خبرة بكثير»
العدد 405 - الأربعاء 15 أكتوبر 2003م الموافق 18 شعبان 1424هـ